ما شاهدت مقطع الفيديو الذي تم التقاطه من كاميرا مثبتة على خوذة أحد أفراد التنظيم والذي نشرته مجلة فايس VICE في 27 نيسان الماضي، تحت عنوان "حقيقة القتال لصالح الدولة الإسلامية". وعلى النقيض من المحتوى الحذق الذي تحاول المنظومة الإعلامية لداعش الترويج له إلا أن مقطع الفيديو هذا يبين حقيقة الحياة التي يعيشها مقاتلوه على الخطوط الأمامية – والصورة قاتمة للغاية. ولكن قد تكون هذه التقارير أفضل آلية لتنفير الجمهور من الانضمام إلى داعش وأداة ناجعة لمحاربة التطرف.
وفقا لمجلة فايس فقد تم تصوير المقطع "عبر كاميرا تثبت على خوذة الرأس الخاصة بمقاتل لداعش قتل في معارك مع البشمرجة شمالي العراق" عرض المقطع تفاصيل المعركة منذ انطلاق مقاتلي التنظيم في عربة مدرعة للحظة نزولهم منها في موقع تحت سيطرة البشمرجة يبعد 30 ميلا شمالي الموصل. أبو هاجر، أحد المقاتلين وتتعلم اسمه بسرعة لتكرارهم النداء عليه وتوبيخه على قلة كفاءته.
تارة يصرخ عليه أحد المقاتلين "لا أبو هاجر انتبه الرصاص الفارغ يصيبنا" وآخر يصرخ عليه قائلا "ما خطبك أبوهاجر؟" تارة أخرى. كما تلحظ تخبطاً بين المقاتلين وهم يبحثون محتارين لاختيار واستخدام الأسلحة المختلفة.
يمكن لهذا المقطع أن يخبرنا الكثير عن داعش. أولاً –وكما توقع كثيرون – أن حياة مجندي داعش ليست حياة رغيدة كما تروج لها آلتهم الإعلامية. فالجنود في مقطع الفيديو مرتابون وغير منظمين. إذ يبدو أن التدريب العسكري الأولي كان غير كاف للجنود إذ أن أدائهم أو اثنين منهم على الأخص: أبو عبد الله وأبو هاجر سيء على أقل تقدير. كما كان هناك التباس وارتباك لدى الجنود حول كيفية استعمال الأسلحة.
ومما يطلعنا مقطع الفيديو عليه هو انهمار الردود الالكترونية على موقع فايس الالكتروني وأصبح أبو هاجر ميمة وأصبح معرض سخرية مستخدمي تويتر.؟ ونشر ونشر موقع البوابة الالكتروني مقالة بعنوان "مقاتل داعش يصبح رمزا عالميا لعدم الكفاءة بينما نشر موقع باز فيد مقالة ساخرة للدفاع عنه تحت عنوان "من منا لم يكن أبو هاجر في مرحلة ما من حياته؟
إن التقارير التي يطلقها داعش تهدف لترسيخ الخوف والرهبة من التنظيم ولكن مثل هذه الرموز الإلكترونية تفكك هذه الصورة وتفشلها. إذ أشارت الميميات [memes] وأبرزت إخفاقات أخرى معروفة وصورت أبو هاجر ورفاقه عاجزين ووديعين لا خطر منهم – إذ استهزأ أحد المغردين على تويتر من استراتيجية المقاتلين (بعد أن ضربت مركبتهم) بتشبيهها بدحرجة دببة الباندا.
ذكرتني مشاهدة هذا المقطع بمقالة قرأتها في الغارديان البريطانية حول "أبو علي" وهو مجند لداعش اعتقد بأنه سيعمل بمنصب إداري في داعش ولكن انتهى به المطاف في الخطوط الأمامية. وقد زج به في معركة عقيمة وكما وصفها دزينة من مقاتلي داعش يوالجهون الجيش العراقي. لقد أرادوا أن يقوم أبو علي باستلام المدفع الرشاش ولكنه لم يكن يعرف كيفية استعماله وذلك فقد خفضوا رتبته إلى مسعف طبي. وفي تلك المعركة المشؤومة قتل وجرح الكثير من زملائه كما هو حال الجنود الذين ظهروا في الفيديو. تكشف قصة أبو علي قلة خبرة العديد من مقاتلين التنظيم وعدم اكتراث الأخير بحياتهم.
إن القصص مثل مقطع الفيديو من خوذة المقاتل وقصة أبو علي تشكل خير أسلوب من ردع الأشخاص من الالتحاق بصفوف التنظيم. إن رواية قصص حياة "مواطني" الدولة الإسلامية أو مقاتليها تفضح حقيقة هذا التنظيم. لقد فصلّت روايات أخرى مثلها الصراعات الداخلية بين الجماعات السنية وتكشف الغطاء عن رتابة الحياة في الخلافة – وتفصح للكثيرين أن عبارة "الجهاد ذي الخمسة نجوم" ليست إلا خرافة وهي فحوى القصص التي نسمعها بين الحين والآخر. ولكن جمع الدليل على ذلك أمر صعب بسبب صعوبة التواصل مع مقاتلي داعش أو العائدين من القتال وإقناعهم برواية قصصهم.
ربما كان مقطع الفيديو ليس إلا جزءا من حملة دعائية –ولكنها فشلت فشلا ذريعا إذ كشفت عن صناعة الفيديوهات المفبركة التي تنتجها. وقد قال بروس جاكسون بأنه"بالنسبة للحكومات في وقت الحرب يعدّ الإعلام أداة من أدوات الحرب أو عنصرا فاعلا فيها يجب السيطرة عليه" ويسري هذا القول على أشباه الدول مثل داعش. إذ أظهرت داعش في السابق قوتها عبر استعمال وسائل الاعلام الحديثة بشكل محترف ولكن وكما يظهر مقطع الفيديو الذي نشرته فايس يبدو أن التنظيم قد فقد موقع الراوي في القصة.
هذا مقطع من الفيديو لا تريد داعش لكم أن تشاهدوه. ولكن لهذا السبب بالذات يجب عليكم مشاهدته.
ملاحظة: من الجدير التنويه ببضع نقاط ذات صلة بالدقة. إذ أشارت إحدى المدونات أن الفيديو الذي نشرته فايس ليس إلا مقاطع مجمعة من عدة فيديوهات كما ذكر أن التاريخ الذي ذكرته الصحيفة غير دقيق إذ أن ذلك الهجوم حصل في أواسط كانون أول 2015.