لا يزال الشباب الأردني مستبعدا إلى حد كبير من عمليات صنع القرار رغم أنهم يشكلون ما يقرب ثلثي السكان. ومع كل تعديل حكومي، يبدو أن أجندة الشباب -بما في ذلك الاستراتيجية الوطنية للشباب التي طال انتظارها- تعاد مراجعتها من المربع الأول. ما يجعل الرسالة التي يتلقاها الشباب الأردني، سواء بشكل مقصود أو غير مقصود، هي بأنهم فكرة ثانوية ملحقة، عوضا عن كونهم فكرة وركيزة بناءٍ أساسية.
قدم الحراك الواسع النطاق للشباب خلال السنوات الأولى من الانتفاضات العربية صورة أقرب عن مستوى خلافهم السياسي. وسواء أكانت المظاهرات مدفوعة من المظالم الاقتصادية أو الأحداث في أماكن أخرى من المنطقة، فمن الواضح أن الشباب العرب كانوا مصممين على أنه لا يمكن انتظار التغيير في الهيكل السياسي الذي يحكمهم أكثر من ذلك.
وبين عشية وضحاها، تصدرت أجندة الشباب جداول أعمال الحكومات الوطنية وأصبحت بالنسبة لهم أولوية قصوى. وفي محاولة لتطويق هذه الإحتجاجات، هرعت الكثير من الحكومات للبدء بصياغة استراتيجيات وطنية للشباب في بلدانهم، ولم يكن الأردن بهذا الجانب استثناءً؛ حيث وبعد 17 عاما من اختصاص المجلس الأعلى للشباب بقضايا الشباب في الأردن، أعيد إحياء وتفعيل وزارة الشباب.
بيد أن الجهود الحكومية المتسرعة أخفقت في ملاحظة بصيرة مهمة حول هذه الحركات الاجتماعية والسياسية التي يقودها الشباب. فمعظم القضايا التي أثيرت لم تكن خاصة بالشباب، بل بالتحديات البنيوية التي يتشاطرها المجتمع الأردني بشكل عام. وبالتالي، فإن وضع الحلول بحسب الفئات العمرية قد أخطأ هدفه؛ فالشباب الذي يعد مرحلة انتقالية أو "هدفا متحركا" يتقاسم مظالمه مع المجتمع بنطاقه الأوسع.
وجه الحراك الاجتماعي النشط في الأردن في بداية الانتفاضات العربية الانتباه إلى الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تواجهها البلاد. وأدت المخاوف من المشاكل الاقتصادية والبطالة المرتفعة ومشاكل الطاقة وأزمة الإسكان وتدفقات اللاجئين غير المسبوقة، إضافة إلى التهديد الأمني السلفي الجهادي والتأثير الأوسع للأزمة السورية إلى دخول المتظاهرين إلى الشوارع بطريقة غير معهودة في الاشتباك السياسي الأردني.
وبعد نحو ثماني سنوات، لا تزال الضغوط ذاتها تراوح مكانها. فعلى سبيل المثال، أثار قرار الحكومة الأخير برفع الدعم عن السلع الأساسية وزيادة الضرائب احتجاجات شعبية واسعة في جميع أنحاء البلاد. وتجدر الإشارة إلى أن الأردن لم يشهد احتجاجات "خبز" مثل الاحتجاجات الأخيرة منذ عام 1996، عندما رفعت الحكومة سعر الخبز بعد التعديل الاقتصادي الكبير بناء على توصيات صندوق النقد الدولي. أثار هذا القرار وقتها "أحداث الخبز" في الكرك ومعان والطفيلة وعمّان. وكما كان هو الحال في عام 1996، لا يرى السكان أي تحسن في التصدي للآثار الاجتماعية الاقتصادية السلبية الناجمة عن رفع الدعم عن الخبز اليوم.
كما ألقت هذه الاحتجاجات الضوء على تزايد عدم المساواة داخل المجتمع الأردني، وكذلك الشكوك تجاه النموذج الاقتصادي النيوليبرالي مقابل العجز المالي وعجز الطاقة المتعاظمان. حيث يشعر الكثيرون في الواقع بأن النموذج الاقتصادي النيوليبرالي قد فشل في الوفاء بوعوده. فهو نهج من أعلى إلى أسفل لم يولِّد في النهاية النمو –بل زاد في الواقع الديون والقروض الخارجية- ولم يضمن المساواة الاجتماعية والعدالة. وعلى العكس تماماً، خلقت هذه الاستراتيجيات الظروف المؤسسية لاستبعاد ليس فقط الشباب، بل المجتمع بشرائحه الأكبر والأوسع. وعليه، سيكون من الحكمة أن تتخذ الدولة الأردنية عدم شعبية هذه التعديلات الاقتصادية على محمل الجد.
على غرار الانتفاضات العربية، فإن الانقسام بين المجموعات المحشدة اليوم يعني أنه من غير المحتمل أن تؤثر هذه المجموعات بشكل كبير على السياسات الاجتماعية والاقتصادية الوطنية. علاوة على ذلك، لا يزال الحيز المالي لسياسات التنمية البديلة محدوداً مع وجود جيوب غير متكافئة ملحوظة للتنمية وجيوب فقر لا تزال موجودة في الأطراف.
نتيجة لذلك ، بات التشاؤم والسخرية يشكلان خطاب الشباب الأردني بشكل متزايد. ولا يجب أن تراودنا الشكوك حو أن إحساسهم بالاستبعاد الاقتصادي وعدم ثقتهم في قدرة الحكومة على معالجة الشواغل الاقتصادية، يترجم إلى إحساس عام بالعزلة السياسية يقودهم بنهاية المطاف نحو فضاءات المشاركة السياسية عبر القنوات غير الرسمية على حساب تلك الرسمية.
لهذا، فقد حان الوقت للأردن بأن يتخطى منهج مجرد إدارة الأزمات. وبدلاً من التركيز على احتواء الاضطرابات الاجتماعية، ينبغي على الحكومة معالجة الأسباب العميقة الجذور لاستبعاد الشباب الاجتماعي والاقتصادي، بما في ذلك من خلال خطط الحماية الاجتماعية الفعالة.
إن تبني إستراتيجية وطنية للشباب هو خطوة أولى سليمة. وينبغي أن تكون الاستراتيجية قادرة على استيعاب ديناميات الشباب السكانية الدقيقة، وتعزيز المبادرات الشبابية، وتوسيع نطاق الشراكات، وتحفيز العمل القائم على الأدلة وتحسين قدرة الشباب في الوصول إلى الفرص. على ذات القدر من الأهمية، يجب أن يتماشى ذلك مع أطر التنمية الوطنية والمحلية، وكذلك مع الأطر الدولية المتعلقة بقضايا الشباب والتنمية، مثل إطار مجلس الأمن 2250 وبرنامج عمل أديس أبابا واتفاق باريس وأجندة 2030 للتنمية المستدامة ذات النطاق الأوسع.
في ضوء هكذا متغيرات، لم يعد الشباب الأردنيون يدعون لتغيير الحكومة او الحكومات، بل لتغيير النهج الحكومي. إنهم يطالبون بإطار اقتصادي فعال أكثر قدرة على إنتاج الوظائف وتحقيق النموالإقتصادي ومأسسة البرامج الاجتماعية التي تسمح لهم بالوصول إلى إمكاناتهم. فمن الواضح بأن استراتيجية المضي بذات المقاربة المتمحورة حول "المزيد من الشيء نفسه" لم تعد نافعة.