يُعاني العراق منذ عقود من الازمات والحروب وحالات عدم الاستقرار والأمن، وما تزال مخلفات العقوبات الاقتصادية والحِصار الشامل تنعكس على تراجع جميع قطاعات الحياة من الصناعة والزراعة والكهرباء والبناء والتعليم والصحة. فرغم الموارد الطبيعية التي يمتلكها العراق، إلا أن نحو 40 % من العراقيين (40 مليون نسمة) يعيشون تحت مستوى خط الفقر وخصوصا الاطفال.
العراق أحد البلدان المُوقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وعليه فقد تعهّد بحماية الاطفال من كافة أشكال الاستغلال والعنف. إلا أن الواقع الذي يعيشه الأطفال العراقيون مختلف، فيواجهون زيادة في معدلات الفقر والنزوح والخروج من المدارس وزيادة اعداد الايتام والتورط مع الجماعات المقاتلة، فمنهم من تم تجنيده قسراً أو خداعا، أو أنه اضطر إلى الانضمام ليتمكن من النجاة. في الغالب ما يصبح هؤلاء الأطفال موصومين ويتم رفضهم من قبل عائلاتهم ومجتمعاتهم فيواجهون تحديات جمة في العودة والانخراط في المجتمع.
يحظر القانون الدولي تجنيد الأطفال أو استخدامهم من قبل الجماعات المسلحة وبحسب المعايير الدولية يُعتبر الأطفال الذين يُجنَّدون في الجماعات المقاتلة ضمن أصعب وأخطر الانتهاكات، لذا هم ضحايا يجب مساعدتهم في إعادة التأهيل البدني والنفسي وإعادة الادماج الاجتماعي. وفي حال ثبوت تورط الطفل في جرائم فإن المعايير الدولية الخاصة بقضاء الأحداث تفرض على السلطات الوطنية إيجاد بدائل للملاحقة القضائية، وإعطاء الأولوية لتدابير إعادة التأهيل بهدف إعادة إدماج الأطفال في المجتمع. وعلى السلطات ألا تحتجز الأطفال إلا إذا كان ذلك الملاذ الأخير ولأقصر فترة ممكنة، علما ان اتفاقية حقوق الطفل الاوسع انتشاراً والأكثر مصادقة عليها حول العالم حيث تعتبر اول وثيقة قانونية دولية ملزمة تم اعتمادها لحقوق الأطفال.
في آب 1999 اعتمد مجلس الامن القرار 1261 الذي يندد بشدة استهداف الأطفال في حالات النزاع المسلح وبهذا القرار أشار مجلس الامن الى انه لن يقبل بعد ذلك تشويه وقتل الأطفال والعنف الجنسي والاختطاف والتشرد القسري وتجنيد الأطفال واستغلالهم في النزاع المسلح كما عبر القرار عن التأثير الضار والواسع الانتشار للنزاع المسلح على الأطفال وعواقبه طويلة الأمد على السلام والأمن والتنمية.
"لم تكن لدي أي فكرة عن هدفهم" وانضم إليهم فقط ليشعر بـ"الشجاعة والقوة" هذا ما قاله صبي كان قد التحق بالتنظيم في سن 16 عاما. وقال آخر "ان الفقر هو اهم الأسباب الي أدت الى تجنيد الأطفال تليها الظروف الاجتماعية التي تلم بالأسرة من طلاق او انفصال الوالدين او تعنيف أحد الوالدين لأبنائهم وأيضا من الأطفال من ولد لأب ولأم من المقاتلين فكان هذا قدره». عندما استعادت السلطات العراقية في سنة 2014 مناطق التي كانت تحت سلطة الدولة الإسلامية قامت باعتقال 1500 طفل ممن يشتبه بانتمائهم لمجموعات مقاتلة"، بحسب تقرير هيومن رايتس ووتش»ومن الواضح ان الجماعات المقاتلة جنّدت بعض الأطفال بالقوة، فيما انتسب أطفال آخرون بضغط من اقرانهم او عائلاتهم او بسبب الفقر والعوز للمال كما تحتل المشكلات العائلية السبب الأكبر في الجانب الاجتماعي للتجنيد وفيما يتعلق بالعوامل الأيديولوجية لم تحتل النسبة الأكبر، بحسب الدراسات. طفل من الذين تخرجوا من إحدى المدارس الإصلاحية قال « أهلي غيروا مكان سكنهم ورقم هاتفهم، لا يريدونني بأي شكل من الاشكال»، فرغم البرامج التي تتبناها عدد من المنظمات الدولية بالتعاون مع وزارة العدل ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية لإعادة الادماج والتأهيل للأطفال مع ذويهم ومع مجتمعاتهم المحلية، بالإضافة الى برامج التدريب المهني ليتمكنوا من الحصول على مهنة، الا انه لا يمكن الجزم ان هؤلاء الأطفال استطاعوا العودة لحياتهم بشكل عادي والى مقاعد الدراسة والاندماج والانخراط في المجتمع.
للوصول الى العدالة الاجتماعية، يجب التعامل مع هؤلاء الأطفال بوصفهم ضحايا أساساً، وليس كمرتكبي انتهاكات وإعادة التأهيل البدني والنفسي لهم وإعادة الإدماج الاجتماعي للأطفال كضحايا المنازعات المسلحة. فمن الضروري مراجعة كل ما يتعلق بالعدالة الإصلاحية والجنائية للأحداث، وان يتم اتباع الممارسات الفضلى في التعامل معهم مثل ان يخصص قاض ومحقق للأحداث وان تحقق مبادئ العدالة الإصلاحية في حق الحصول على محامي دفاع خلال المحاكمات، وان يضمن حق الطفل في الحماية من العنف والتمييز والتهميش في المدارس الإصلاحية من خلال قوانين رادعة واسس واضحة يعمل عليها العاملون، وتأهيل العاملين في برامج الرعاية اللاحقة والمدارس الإصلاحية وان تكون البنية التحتية للمدارس الإصلاحية ذات قوة وتحقق كافة الاحتياجات للأطفال وتخصيص عدد أكبر منها للإناث، وضمان ادماج الأطفال الذين انخرطوا في النزاعات المسلحة في المجتمع بعد خضوعهم للعلاج الصحي والنفسي، وادراج برامج اللعب والمواهب الفنية ضمن نشاطات المدارس الإصلاحية، واخيرا توجيه المجتمع الدولي والمنح المقدمة لتنمية المجتمعات المحلية وتعزيز السلم والامن المجتمعي.