في مقاله بصحيفة الاتلانتك وصف تشارلز كيني عام 2015 بأنه "أفضل عام مرّ على الإنسان في التاريخ ". وذلك لا يخلو من الصحة، إذ أصبح العالم اليوم "أفضل تعليما وتغذية وأوفر صحة ويتمتع بحرية أكبر وأكثر تسامحاً". ولكن دعنا لا نخدع أنفسنا بالمعدلات العالمية. فما معنى أن يكون معدل التغذية العالمي أفضل للطفل السوري ذي الستة عشر ربيعاً الذي مات جوعاً في مضايا الاسبوع الماضي؟
بينما يتقدم قسم كبير من العالم يبدو أن قسما آخر يتراجع إلى الخلف. إذ لا يمكن لأحد تجاهل النزاعات التي عانت منها منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا في 2015. لقد شهد ذلك العام بروز داعش كأخطر تهديد أمني يواجه المنطقة في التاريخ المعاصر باستخدامه وسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد مزيد من الشبان، ونشر الرعب بطريقة لم يشهد لها العالم مثيلا. ومن جهة أخرى، يطمح و يسعى الحوثيين للسيطرة على اليمن.
بالمجمل، تعمل مئات الميليشيات على تحدّي سلطة الدولة وتغذية العداء الداخلي ابتداء من ليبيا مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى اليمن. وقد وصف بعض المحللين الوضع بأنه حرب عالمية ثالثة تدقُ على الأبواب. ولعلّ ذلك يهز المنطقة بأسرها، ويترك آثاراً لا يمكن تجاهلها على حياة الإنسان.
كلا، لم تكن هذه أفضل سنة مرت على البشرية، بل في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا فقد حققت الإنسانية هبوطاً قياسياً في عام 2015. ولكننا نعلم ذلك ولا جديد فيه البتة. هناك أمر مختلف في المنطقة وعلينا أن نَعي ماهيّة هذا التغيير وآلياته جيداً.
لا يكمن التحدي الذي تواجهه منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا في الفقر والنزاعات فحسب، بل استطالة أمد حالة البؤس والضغط المتولّد من عواقب تلك الحالة على كل نواحي حياة المواطن العادي، ومن ضمنها الأمن والأمان والتعليم والفرص والتجانس المجتمعي. إذ تخلّف الحروب الأهلية إضافة على الموت والمعاناة، صدمة للاقتصاد وآثاراً تتجاوز حدودها إلى العالم مثل التطرف وتدهور الأوضاع الصحية والهجرة القسرية. لقد كانت الأزمة السورية أكبر كارثة إنسانية شهدتها سنة 2015 وقد امتدت آثارها خارج حدود المنطقة. وعليه إذن فمن الضروري أن نفهم سبب وقوع المنطقة ضحية لنزاعات حادة. ما هي دوافع النزاع في المنطقة وما هي الحلول الممكنة؟ بشكل أساسي هناك ضعف في القوة الإقليمية. وعلينا أن نفكر في حلول شاملة تساعد منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا على النهوض والدفاع عن نفسها.
والأهم من ذلك، أن المنطقة لا تعاني من تحديات وقتية فقط، بل هناك تحديات على المدى الطويل أيضا مثل ظاهرة تغير المناخ، والتمدد الحضري وتدهور البيئة، وهذه القضايا تدفع إلى الواجهة مشاكل ندرة الموارد البيئية التي تعاني منها المنطقة. على المنطقة استثمار طاقة جديدة لإيجاد حلول. إذ علينا ترتيب بيتنا الداخلي إذ علاوة على كل هذه التحديات، يموت الأطفال جوعاً وتعاني المنطقة من صراعات خارجة عن السيطرة واقتصاديات متعثرة وظروف صحية متدهورة وصعود التنظيمات المسلحة غير النظامية كل ذلك يشكل تحديات جديدة تقترب بسرعة.
إننا على مشارف مرحلة جديدة في تاريخ منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا. بالفعل شهدت المنطقة أحداثا إيجابية في 2015 مثل التوصل إلى صفقة الأسلحة النووية مع إيران والحوار الوطني التونسي والذي تم برعاية الرباعي الحائز على جائزة نوبل للنجاح في إيجاد سبل للتقدم. بعثت محادثات فيينا وتأسيس المجموعة الدولية لدعم سوريا آمالاً صغيرة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية.
ولكن ما لم نستثمر في الحصول على فهم أكبر للتحديات المعقدة في المنطقة مثل عدم المساواة والبطالة وفقدان الفرص وأنظمة الوصاية والدولة الريعية فإننا لن نتمكن من اللحاق ببقية العالم.
وختاما تعاني المنطقة من غياب الأمن الإقليمي والنظام الاقتصادي والسياسي اللازم لاحتواء النزاع. نريد منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا قادرة على معالجة شؤونها الداخلية بنفسها وأن تخرج من دوامة العنف التي طال أمدها ومستعدة لمواجهة التحديات على المدى البعيد. ومازلنا نتطلع لحدوث هذا.