تنتمي شعوب غرب آسيا وشمال أفريقيا إلى منطقة كانت لها أهمية كبيرة عبر التاريخ. علينا أن نتذكر أن هذا الجزء من العالم لطالما كان مركزاً حيوياً دائماً، حيث تمتزج الأعراق، والأديان، واللغات، والشعوب، حيث تتفاعل هذه العناصر معاً لتبدع، وتلهم، وتبتكر.
ولكن وعلى نحو متزايد، تبرز هذه المنطقة بالسياسة. فقد حمّلت القيود المفروضة على النمو القدرة الاستيعابية للمنطقة أكثر من طاقتها، والتي نجمت عن الصّراعات المستمرة، والإقصاء الاجتماعي، وعدم التعاون في مجال إدارة الموارد. وأدّى انعدام الأمن البشري في المجالات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية إلى منع التنمية البشرية، ولقد تم إنفاق مبالغ طائلة من المال على خلق عقلية الحصار، بدلاً من الهوية الإقليمية.
ويبدو غياب الرؤية المتولدة داخلياً للمنطقة جليّاً، بل وبدلاً من ذلك فإنّنا نتفاعل مع المبادرات المصممة من قبل أصدقائنا من خارج المنطقة، وقد ترجم هذا النهج غير الملائم إلى صراع كبير في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا في العقود الماضية منذ الحرب العالمية الثانية.
لا شك أننا نحتاج إلى هيكلية إقليمية جديدة، وعلينا أن نوفر جوهراً لتلك الهيكلية. فبدلاً من سياسات الانقسام التي أصبحت تميز هذه المنطقة، نريد أن تكون لدينا سياسات دامجة. ويجب على مثل تلك السياسات أن تشمل كل الدول التي لها مصلحة في القضية، وأن تكون متعددة التخصصات ولا تفضل طريقة تفكير على أخرى. والأهم من ذلك، عليها أن تركز على تمكين الناس وتقويتهم، فبالتركيز على الكرامة الإنسانية وتمكين الناس من عيش حياتهم باحترام، نضمن استقرار الدول التي نعيش فيها والسلام الإقليمي.
وعلى هذه الفرضية تأسس منتدى (WANA) في عام 2009. وقد كان بمثابة المنظمة العابرة للحدود الوطنية الأولى من نوعها، وتهدف إلى المساعدة على اكتشاف الصوت الإقليمي الأصيل، بدلاً من الاستجابة للأحداث فور وقوعها. كان واجب منتدى (WANA) توفير منصة للنقاش وتبادل الأفكار التي يمكن أن توفر خارطة طريق لمواجهة التحديات المشتركة في المنطقة، فهي طب وقائي إن صح التعبير.
لقد بُنيت السنوات الخمس الأخيرة على هذه الرؤية. وبامتنان للدعم السخي من مؤسسة نيبون التي حظيت بالرؤية والروح الريادية لرئيسها السيد يوهي ساساكاوا اجتمع لاعبون من مجالات عديدة معنا هنا في الاردن لبناء طريق التقدم، والأهم من ذلك أنهم وضعوا بعين الاعتبار طُرُقَاً يمكن أن نبدأ بها لتغيير هذه المنطقة؛ من أزمة اللجوء إلى التنمية المستدامة، ثم إلى بناء هوية إقليمية.
لن يكون النقاش مجدياً إذا لم يُترجم إلى فعل. وهذا ما يمكن أن يقود عمل زملائي، أي الرغبة لضمان تطور الأفكار في كل منتدى خاص ب (WANA)، والتي تُجمع وتُحوّل إلى نتائج ملموسة. ولهذا السبب أطلق (WANA) في سنة 2012 مشروعين تعاونيين؛ المبادرة العالمية لنهج إدارة المصادر البشرية، وملخص ندرة الماء. وقد قدمت تلك المبادرات مخططات لحلول مُطوّرةٍ محلياً لمواجهة التحديات الإقليمية.
أما بالنسبة لعام 2015 فسنقوم بإعادة إطلاق معهد (WANA)، فبدلاً من كونه سلسة من الفعاليات، سيصبح (WANA) معهداً لتوفير المعرفة، والأدوات، والفرص، والشراكة، وتطوير السياسات خلال العام.
ويجب على أي أجندة بفترة ما بعد 2015 لهذه المنطقة عبر العالم أن تشمل الاستدامة البيئية، والاجتماعية، والاقتصادية، بتركيزٍ على الكرامة الإنسانية في المقام الأول. ولهذا السبب فقد جعل المعهد اهتمامه مرتكزاً على ثلاثة أعمدة: العدالة الاجتماعية، والاقتصاد الأخضر، والأمن البشري.
يهدف معهد (WANA) للانتقال من العمومية إلى العضوية، ومن السياسة إلى السياسات، ومن المؤتمرات الموسمية إلى المؤتمرات الإقليمية. ونأمل عن طريق هذه العملية أن نكون معاً قادرين على اتخاذ الخطوات الأولى باتجاه خارطة طريق ذات معنى لسكان منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، بهدف تأسيس المنطقة وإعادتها إلى مكانتها الحيوية.
ما يُميز معهد (WANA) عن نظرائه هو التزامه بأن يكون تشاورياً وشاملاً. وعلى الرغم من توفر المعلومات والمشورة الكاملة والتي يتم توليدها من خارج منطقتنا، إلا أن تدفق المعلومات والنقاش -وإن وُجد حسن النية- يفتقد جانباً مهمّاً ألا وهو: الأصالة. لذا يجمع معهد (WANA) العقول الرائدة لمنطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا مع بعضهم البعض للسماح بمناقشة الأفكار وتوليدها من هؤلاء الذين كانت لهم الحصة الكبرى في رؤية نجاح هذه المنطقة ألا وهم سكان منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا أنفسهم.
أنتم جميعاً جزء من هذه العملية. وبما أن المعهد يسعى لبناء الحلول على أساس الصوت الإقليمي الأصيل، فهناك حاجة إلى أصواتكم. يجب أن ننخرط في مسابقة من الآراء التي لا تقتل الموضوعية ويمكننا تحقيق ذلك عن طريق العمل معاً على الموضوعات ذات الاهتمام المشترك وليس عبر التحدّث إلى بعضنا البعض حول خلافاتنا. يمكننا إيجاد أرضية للتعاون بالإشارة إلى احترام كرامة الإنسان التي نشترك بها جميعاً.
حان الوقت الآن لنعمل معاً، لتأكيد الكرامة الإنسانية المشتركة فيما بيننا، وبناء نموذج موثوق من الأمل ونحن نتطلع إلى العمل معكم لتطوير حلول لجميع شعوب غرب آسيا وشمال أفريقيا.
صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال