حتى مع وجود رياح الحرب وعدم الاستقرار وتعمق الركود الذي ضرب الكثير من مناطق غرب آسيا وشمال أفريقيا (وانا)، إلا أننا نحتاج إلى التفكير في الخطوات الحالية والمستقبلية لمواجهة تحديات التنمية التي تواجه المنطقة. ونعرف أن المخاوف الأمنية تهيمن على بعض النقاشات في المستقبل المنظور. ولكنه يحتم علينا أيضا أن ننظر لما وراء الأفق. وإن بزغ فجر أفكار جديدة في داخل المنطقة، أو تكييفت أفكار أخرى من الخارج، يمكن لذلك أن يسهم في التوصل إلى التغيير الإيجابي
بدأت بعض هذه الأفكار في الظهور من خلال مقالات الرأي الأخيرة لمعهد (وانا)، مع دعوة صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال الشاملة لما يسمى "بنهج جديد ومتعدد التخصصات في التنمية".
تشغل مساهماتي حيزا بسيطا من حساب رؤى تلك المقالات، من خلال عملي في الإقليم وما بعده، ومن خلال مصادر أخرى مثل تقارير التنمية العربية البشرية. وبناءا على تلك العوامل، فإنني أدعو الخبرة الدولية لاقتراح أجندة تنمية محتملة لإقليم (وانا).
هناك تحذير في غاية الأهمية مفاده أن ما يصلح في إقليم أو دولة قد لا يصلح بالضرورة في مكان آخر. لكن وجهة نظري تنص على أن لا نقوم بملئ قائمة حتمية. بدلا من ذلك، أقترح ببساطة بعض الخطوات التي يجب على كل من الوكالات والحكومات و المنظمات غير الحكومية و معاهد السياسات، أن تبحث فيها بطرق متعددة داخل الدول المختلفة التي يتألف منها إقليم (وانا).
تتألف أجندة التنمية التي أقترحها من ورقتين منفصلتين، الأولى تقترح وجود هيئة تسلط الضوء على الإصلاح الشامل وإعادة الإعمار، وهي مبادرة تركز على استخدام القوانين والحقوق بشكل محدد لاحداث النفع للفقراء والأقل حظا، وغيرهم من السكان، وفيها أيضا مبادرة أخرى لتقديم المنفعة للمرأة بشكل خاص (ومن خلالها) الاقليم بشكل عام. أما الورقة الثانية فعنوانها " الخطوات الاستراتيجية للإصلاح الشامل" فتقترح سلسلة من النهج والأنشطة.
وبناءا على ما تم ذكره سابقا، إليكم ثلاث مباردات موصى بها:
هيئة (وانا) للإصلاح والتعافي طويل الأمد. تضاهي هذه الهيئة ممثلة بكل من ( القادة الاصلاحيين وتمثيل هام جدا للمرأة) ما وراء أفق المشاكل التي تعصف بالإقليم، لصنع توصيات لاستراتيجيات طويلة الأمد للإصلاح والتعافي. فستدعو من جهة إلى العمل على مبادرات التمكين القانوني للمرأة المذكورة أدناه. ولكنها أيضا ستأخذ العديد من العوامل الأخرى بعين الاعتبار.
بالنظر إلى داخل (وانا) وخارجه، ستبحث هذه الهيئة في نطاق واسع من البحوث والخبرات. وقد يشمل ذلك على سبيل المثال، عمل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بدءا من تعزيز التعاون بين الأعراق في طاجكستان إلى دعم العيادات القانونية الجامعية للمساعدة في قضايا الهجرة في وسط وشرق اوروبا، وجهود منظمات عديدة لنشر الوعي وبناء قدرة اللاجئين، حتى يتمكنوا من المساهمة في بناء مجتمعاتهم حين تستقر الأوضاع، والسلطة الانتقالية التابعة للأمم المتحدة في كمبوديا التي ساعدت في تأسيس المنظمات غير الحكومية التي لعبت دورا هاما في التثقيف القانوني وكسب التأييد، ومؤسسات المجتمع المفتوح التي تتابع أحوال اللاجئين وبرامج أخرى من شأنها تمهيد الطريق للتقدم ما إن شهدت مينامار انفتاحا سياسيا، والمنظمات الدولية مثل مركز كارتر في ليبيريا، والمنظمة الدولية للإصلاح الجنائي في مالاوي التي عملت على تأسيس منظمات قطرية شريكة ناجحة تساعد الأقل حظا من السكان، وبرنامج العدل التابع للبنك الدولي لمساعدة الفقراء الذي قدم جهود بحثية عدلية على المستوى الشعبي، وبعض لجان الحقيقة والمصالحة لما بعد الصدمة في بعض البلدان، والمحاكم الدولية، والجهود الأخرى التي تتخذ نهج متنوعة لتعزيز الاستقرار والعدالة.
مبادرة التمكين القانوني التابعة لإقليم (وانا). يميز التمكين القانوني الناس في استخدامهم للقانون والحقوق للوصول الى الخدمات الحكومية والأنظمة العدلية، بقدرتهم على الحصول للأوراق الثبوتية، وتعزيز وضع المرأة والحد من الفقر ومكافحة الفساد، بالاضافة إلى تحسين ظروف معيشتهم، ولا يساهم فقط بتلك الاهداف المهمة إنما بطول مدى استقرار المجتمعات
ومثل هذا "التمكين"، لا يجب ينظر إليه كتهديد إنما كوسيلة بناءة للإصلاح والتعافي. وعلاوة على ذلك، فقد أثبتت جهود التمكين القانوني (التي تبدأ غالبا من المجتمع المدني) فاعليتها حتى في وجه المؤسسات الحكومية التي تعاني خللا في أداء وظيفتها، فهي قادرة على حثها وتحفيزها. وقد دعمت الأمانة العامة للأمم المتحدة والجمعية العامة هذا المفهوم بناءا على ما سلف ذكره. وقد أظهرت مصادر أخرى فاعليتها كالبحوث المتزايدة من البنك الدولي ووزارة التنمية الدولية البريطانية، ومعهد التنمية الخارجية، والمنظمة الدولية لقانون التنمية، ومؤسسة آسيا والبنك الآسيوي للتنمية.
تشمل مبادرة التمكين القانوني المقترحة صندوق التمكين القانوني و مجموعة سياسات التمكين القانوني. يمول الصندوق المشاريع المدعومة بالبراهين والبحوث القائمة على الأدلة والمؤتمرات وعمليات تبادل المعلومات، وغيرها من الأنشطة المتعلقة بتأثير التمكين القانوني والدروس المستفادة. تشرف مجموعة السياسات (التي تتكون من قادة معهد السياسات والمنظمات غير الحكومية، والأكاديميين، وغيرهم من العاملين في مجال الإصلاح) على الصندوق بالإضافة إلى جمع ودعم ونشر البحوث القائمة على الأدلة ذات الصلة من داخل وخارج (وانا). ويمكن لنتائجها وتوصياتها أن تكون ملائمة لمجتمعات وحالات محددة. وقد تشمل بعض الخطوات إجراءات فورية، إلا أن البعض الآخر يمكن أن ينتظر التنفيذ حتى تسمح الظروف بذلك.
مبادرة تمكين المراة في إقليم (وانا). هناك كما هائلا من الأدلة الدولية التي تبين بأنه ليست المرأة فحسب من يستفيد من برامج تحسين الوضع والمعيشة بقدر ما في تلك الأهداف من أهمية، بل علاوة على ذلك تستفيد المجتمعات كلها، من حيث الأداء الاقتصادي، وصحة الأطفال والتعليم، ومجموعة من المؤشرات الأخرى. لكن من أهم الأسباب التي تجعل أجزاء كبيرة من أقليم (وانا) متأخرا عن المناطق الأخرى – ويمكننا القول أن هناك سببا رئيسا وراء سبب عدم استقراره - وهو محدودية دور المرأة في صنع القرار في معظم مستويات المجتمع والحوكمة.
تعالج مبادرة تمكين المرأة المقترحة التحديات والفرص الناجمة عن هذا الوضع. ويشكل هيكلها مرآة لمبادرة التمكين القانوني، من حيث الصندوق ومجموعة السياسات، وتتألف الأخيرة أساسا من النساء الرائدات في مجال الإصلاح من إقليم (وانا).
تعمل المبادرة على فحص القيود الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والقانونية، والقيود الأخرى التي تواجه النساء في المنطقة، فضلا عن الأنشطة والاستراتيجيات المستخدمة للتغلب عليها. وقد يبدو أن هناك بعض التداخل المحدود مع مبادرة التمكين القانوني، إلا أنه يجب أن ينظر إلىه باعتباره مصدرا للتآزر. وبالرغم من وجود نطاق واسع وفعال من المنظمات الشجاعة الفعالة التي تعمل مع النساء في إقليم (وانا)، إلا أن مبادرة تمكين المرأة لم توجد للتنافس معها، بل لمتابعة التمويل، والدعم السياسي، والبحوث للمساعدة في الحفاظ على استدامتها وتقويتها.