غالباً ما يناقش الأكاديميين والخبراء وصناع السياسات الطريقة التي يمكن للأئمة والدعاة الدينيين المساعدة في منع التطرف العنيف (PVE). بينما لا يذكر إلا القليل عن دور الواعظات (أو المرشدات). وهذا ليس بناءاً لأغراض منع التطرف العنيف، لأن معظم المعارف الدينية للنساء في المجتمعات العربية الإسلامية يتم تناقلها ومناقشتها من قبل الواعظات.
إن استثناء الواعظات من مبادرات منع التطرف العنيف تحد من فعالية هذه التدابير، لأنها تقوض من قوة وفاعلية المرأة فيما يتعلق بالتطرف واجتثاثه، وقبل كل شيء فإنه يتجاهل تأثير الواعظات في إحداث التغيير الاجتماعي. ويمكن لحقيقتين اثنتين تسليط الضوء على ضرورة تقييم وتمكين جهود الواعظات في منع التطرف العنيف.
أولاً، إن الإحصائيات حول المقاتلين الذين التحقوا بالتنظيمات متطرفة من منطقتنا غير مصنفة حسب الجنسين، أما الإحصائيات التي تتعلق بالنساء اللواتي انضممن إلى داعش، على سبيل المثال، فإنها من الدول الغربية. ومع ذلك فهناك أدلة تشير إلى أن نساءاُ من المنطقة انضممن عمداً إلى الجماعات المتطرفة في سوريا.
ثانياً، إن دور المرأة في التشجيع على التطرف موثق في دراسات مختلفة. وهناك حالات حيث يبدو أن الأمهات شجعن أبنائهن للإنضمام إلى الجماعات المتطرفة أو إقناع المقاتلين بالعودة إلى ديارهم. ويرتبط هذا الدور المحوري للمرأة بالأدلة من المنطقة وأماكن أخرى حول دور الشبكة الاجتماعية للأفراد بأنها واحدة من أهم العوامل الرئيسية المتعلقة بعملية التطرف.
وإذا كان التطرف يبدأ من المنزل، عندها يجب أن يتم الحد من التطرف من المكان ذاته. لذا فإن الواعظات يشكلن أفضل مدخل لتعزيز آراء وأفكار مكافحة للتطرف، حيث يستطعن الوصول بشكل مباشر إلى البيئة الخاصة لربات البيوت والأمهات، ومجموعات النساء الأخريات اللواتي لا يشاركن بشكل واسع في الفضاء العام. وهو نطاق لا يمكن للأئمة الذكور من الوصول له بالطريقة ذاتها أيضاً.
تضم الواعظات في المجتمعات العربية الموظفات الرسميات التابعات لوزارات الأوقاف الإسلامية والشؤون الدينية وكذلك الواعظات المتطوعات. تعمل المتطوعات بمبادرات فردية، أو ممكن ينتمين إلى مجموعات أكثر مركزية وهيكلية مثل القبيسيات في الأردن. تلتزم هذه المجموعات بفلسفات أو طوائف دينية محددة وتجمع ما بين الوعظ والعمل الخيري. والواعظات المتطوعات عادةً ما يقدمن دروساً أسبوعية في المنازل. أما الواعظات الرسميات يعقدن اجتماعات أو حلقات تدريس في المساجد. لذا فإنه من المهم جمع جهود كلا المجموعتين لتمكين الواعظات في جهود الحد من التطرف العنيف. اقتصار هذه الجهود فقط على الموظفات الحكوميات سوف يؤدي إلى نتائج جزئية. وكلا المجموعتين تكمل إحداهما الأخرى وجنباً إلى جنب تصلان إلى شريحة أوسع من النساء في المجتمع.
ويمكن تعزيز دور الواعظات في منع التطرف العنيف من خلال الشروع في ثلاث عمليات متوازية.
أولاً، يجب على وزارات الشؤون الدينية إدراك الحاجة الملحة في بناء قدرات الواعظات. ووفقاً لدراسة أجريت بمصر فإن الواعظات غير قادرات على معالجة ما يتعلق بالتطرف كما أنهن يفتقرن إلى المعرفة والمهارات ذات الصلة. وإن أغلبهن يعتمدن على وسائل الإعلام في الحصول على المعلومات المتعلقة بالتطرف والإرهاب والجهاد. وتتطلب مواجهة هذا النقص التشارك مع كليات الشريعة لتقديم تغييرات في المناهج التعليمية وتوفير التدريب المستمر على رأس العمل في المجالات التالية: المدارس المتنافسة في الإيديولوجيات والفكر السياسي الإسلامي، ومهارات المناظرة والتوسط لإصلاح ذات البين، وأسباب ودوافع التطرف في المنطقة. وأظهرت التجارب في الغرب وفي دول جنوب شرق آسيا تقدماً جيداً في هذا الصدد، مما يمكن الاستفادة منه في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا.
ثانياً، يجب أن تضم هذه البرامج وغيرها واعظات من جميع الأطياف والتيارات الدينية. مما سيوفر للنساء من مختلف الجماعات الدينية (مثل الصوفية، الأحباش، الإخوان وحتى السلفية) الواعظات ذوات الكفاءة والقادرات على التصدي للهواجس والأسئلة المتعلقة بالتطرف ومواجهته. ومن الممكن طبعا أن تحظى هذه الجهود بردة فعل عنيفة في حال فُهمت هذه الجهود على أنها محاولة لفرض الصيغة التي تصادق عليها الدولة من التدين والروحانية. مع ذلك، وبما أن الأسئلة حول التطرف ومحاولة التمميز بين الظواهر المختلفة واردة في كافة المجموعات الدينية، فإن إهمال ضم واعظات من مختلف التيرات الدينية ممكن أن يؤدي إلى مخاطر أكبر.
ثالثاً، غالبا ما يحصر الواعظات جهودهن على "قضايا المرأة". وإن الجهات الفاعلة في المجتمع المدني ووسائل الإعلام بحاجة إلى تأكيد المسؤولية الدينية والاجتماعية الواسعة للواعظات. كما يجب تنبيهن إلى أن من بين جمهورهن نساءاً يكافحن لإعادة مقاتلين أو لإقناع الأقارب لنبذ التطرف العنيف.
إن هذا الدور المتوخى من الواعظات يساهم في عملية أواسع تعرف بالأمن الفكري التي يطالب بها المحللون في المنطقة. تسعى هذه العملية إلى تعزيز القيم الإسلامية في التسامح والتعايش، وتقديم المناقشات والحوارات العامة الأكثر ثراءً حول القيم الإنسانية في الإسلام لمحاربة الآراء المتطرفة. وستبقى هذه العملية على المستوى والشأن العام غريبة إن لم توازيها جهوداً مماثلة على صعيد نشاط الواعظات من مواجهة الآراء المتطرفة وتعزيز الآراء المعاكسة داخل الأسر والمجتمعات المحلية.
1- مصطفى الساجذلي، "دروس من ليبيا في جهود منع التطرف العنيف" (العرض، اجتماع الخبراء فيما يتعلق بالتطرف والتطرف العنيف، أنقرة، تركيا، 1-2 آذار 2016).
2. أميرة علي، "تقييم دور وزارة الأوقاف للواعظات من النساء مع إدراك إرتفاع خطورة الإرهاب ومكافحة الإرهاب (باللغة العربية) "(العرض، المؤتمر الدولي الثاني لمكافحة الإرهاب، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، 22-23 نيسان 2014) 359-340.