بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من الاهتمام المستمر في بحوث مكافحة التطرف العنيف في الأردن، لم يتغير سوى القليل في الهياكل العميقة للحكم. ولا تزال العلاقات بين أصحاب المصلحة والشأن الرئيسيين الذين يمكن أن ينشروا تغييرات إيجابية في السياسة العامة هي نفسها. عقد العديدون آمالا كبيرة على الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف العنيف التي تم الانتهاء من صياغتها في أيار/ مايو 2017، لكن لم يتم نشرها حتى الآن ولم تقرها الحكومة.
تستند معظم التقارير البحثية المتاحة عن التطرف في الأردن على البحوث الميدانية في الفترة بين 2015 - 2017، والتركيز على محركات التطرف وأنواع المقاتلين، ودور الفاعلين الرئيسيين في عملية التطرف وجهود نزع التطرف.
وعادة ما تشير الدراسات إلى عوامل الدفع والجذب من أجل شرح التطرف. وتتألف عوامل الدفع من الإحباط السياقي والفردي اللذان قد يدفعان الفرد للانضمام إلى جماعة راديكالية مسلحة. من جهة أخرى، فإن عوامل الجذب هي الحوافز التي تقدمها المجموعات الراديكالية لتشجيع هذا القرار.
تعكس عوامل الدفع السياقية عدم كفاءة القطاع العام في التعامل بفعالية مع قضايا مثل الفساد والمحسوبية والتهميش والتحديات الاجتماعية والاقتصادية والخطاب الديني والتربوي القديم. ويتفق معظم خبراء التطرف المحليين على أن عدم كفاءة الحكومة ونقص الإرادة السياسية وضعف مستويات الثقة في الحكومة تسهم جميعها في تطرف الأفراد الذين يشعرون بأن الدولة لا تستمع لمطالبهم، ولا تقدم الحماية لهم.
التفكير في التطرف كعوامل دفع وجذب سياقية يوفر الفهم العام لهذه الظاهرة. إلا أنه يخلي الحكومة من مسؤوليتها عن إجراء تغييرات في السياسات التي تعالج محركات التطرف. إذ تشير الدراسات إلى التحديات الاجتماعية والاقتصادية- السياسية السياقية، ولكنها تخجل من مساءلة الحكومة عن فشل سياساتها. وهكذا، فإن أبحاث التطرف تتغاضى عن عجز الحكومة على القيام بوظائفها.
إن الانفصال ما بين الهيئات الحكومية وأصحاب الشأن هو العامل الرئيسي وراء هذا التغاضي عن عجز الحكومة. إذ تستند أبحاث مكافحة التطرف العنيف على المسوحات الكمية والأدوات النوعية مثل المناقشات الجماعية والمقابلات مع المجموعات المستهدفة في المجتمعات المحلية. وتساهم الهيئات الحكومية بشكل هامشي في هذه المناقشات.
ولا تحرص المنظمات غير الحكومية ومراكز البحوث العاملة في مكافحة التطرف العنيف عادة على إشراك القطاع الحكومي لسببين: أولا، تميل البيروقراطية الحكومية إلى وضع عقبات في عملية التنفيذ. وإذا كانت الهيئات الحكومية منخرطة كشريك، فإنه من المتوقع حصول تأخيرات لعدة أشهر ما ينعكس على ميزانية المشروع. ثانيا، يتبنى القطاع العام موقفا دفاعيا عند مناقشة عجزه عن أداء وظائفه؛ ما يعيق النقاشات المفتوحة والابتكار في تصميم مبادرات مكافحة التطرف العنيف. ونتيجة لذلك، لا يزال صانعو السياسات والمسؤولين في القطاع العام بعيدين عن مراقبة أثر إخفاقاتهم على أرض الواقع، أو من تقديم مدخلات مباشرة إلى نتائج البحوث.
علاوة على ذلك، فإن دور وحدة الدولة المعنية بمكافحة التطرف العنيف، التي بدأت كوحدة في وزارة الداخلية ثم انتقلت بعد ذلك إلى وزارة الثقافة لا يزال غامضا وضعيفا. وبوصفها كيانا تنسيقيا، كان من المفروض أن تيسر التعاون بين الهيئات الحكومية ومجتمع البحث في الأردن.
عندما تجري مناقشات مشتركة مع ممثلي الحكومات، فإنها عادة ما تكون نتيجة للمبادرة الفردية للباحث وحماس الوزراء بشكل فردي لتسمية الممثلين. نجحنا في معهد WANA في تنظيم اجتماعات قصيرة منتظمة، غير أنه يلزم وجود شراكة أكثر تنسيقا مع آليات الرصد والتقييم للتأثير وتغيير السياسات.
ينبغي للجهات المانحة والوكالات المنفذة المحلية أن تستثمر في تصميم برامج مكافحة التطرف العنيف التي تعزز الشراكة الثلاثية بين الهيئات الحكومية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني ومعاهد البحوث. وتعتمد مبادرات مكافحة التطرف العنيف أولا وقبل كل شيء على جهود وتفاني الجهات الفاعلة المؤهلة في المجتمع المدني. كما أنها تتطلب ثقة ومشاركة كاملة من الهيئات الحكومية التي ما زالت معزولة ومحصورة في عمان. وأخيرا، يمكن لمعاهد البحوث توفير قاعدة الأدلة اللازمة ونقل المعرفة بشأن المبادرات الناجحة من أماكن أخرى.
يتعين على القيادة الجديدة لوحدة مكافحة التطرف العنيف القيام بهذا الدور. وينبغي أن تحسن الوحدة فهم المؤسسات الحكومية لكون نجاح جهود نزع التطرف يعتمد على قدرتها على تصحيح الانفصال الحالي مع التحديات المحلية. ينبغي أيضا وضع خطة منسقة لإشراك المجالس المحلية التي ستظهر بعد انتخابات اللامركزية في آب/ أغسطس من هذا العام في البحوث والمبادرات المتعلقة بمكافحة التطرف العنيف.
لم يعد من الممكن أن تبقى النقاشات حول عوامل الدفع السياقية عامة. ويجب على الحكومة ومولدي المعرفة أن يتحملوا بشكل متكافىء مسؤولية إخفاق السياسات في مواكبة وتيرة التغيير ومستويات التهديد المرتبطة بها. وينبغي أن يتم شمول الحكومة في عمل الهيئات البحثية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني. وفي الوقت نفسه، يتعين على الوزارات المختلفة أن تلتزم بمستوى من التعاون إذا أردنا أن نواجه بنجاح تحديات التطرف ونلبي احتياجات إعادة تأهيل العائدين.