ورات العربية المتوقفة: سوريا والدول ذات الحكم الملكي
هل فشل الربيع العربي ؟
بينما يشير الرافضون لمبدأ تحول الربيع العربي إلى النتائج المخيبة للآمال في مصر، واليمن، وليبيا، إلا أن معظم الدول العربية لم تصل إلى نقطة اختبار مطالب المتظاهرين. سواء أكانت مطالب المتظاهرين بتغيير النظام أم بإصلاحات ديمقراطية فقط، لكن الاصلاحات لم تكن في معظم الحالات كافية وبقيت الأنظمة كما هي.
أظهر نموذج واحد من الحكومات مرونة معينة في التعامل مع المتظاهرين:ألا وهو النظام الملكي الوراثي. يوجد في العالم العربي ثمانية أنظمة وراثية -المغرب، الأردن، البحرين، سلطنة عمان، المملكة العربية السعودية، الكويت، قطر، الإمارات العربية المتحدة وقد أحكمت هذه الملكيات قبضتها على الحكم. أما بالنسبة لأداء النظم الجمهورية في العالم العربي فقد ناجحا ولكن بشكل قليل؛ بحيث كان هناك 4 من القادة الذين تم استبادالهم في الثورات العربية ، كلهم رؤساء.
ولم تسقط كل الجمهوريات العربية, فقد كان الرئيس السوري بشار الأسد الذي تشبث بالقوة بالسلطة واحدا من الرؤساء الذين تعرضوا لوجه واحد فقط من المعارضة واسعة النطاق.
لقد كان موقف الأسد دائما مختلفا عن موقف مبارك أو القذافي. وفي نواح كثيرة كان الصراع السوري يوازي بشكل قريب النظام الملكي في البحرين. إلا أن هاتين الدولتين وصراعهم الدامي يكشف عن الطائفية الشرسة التي تؤجج أجزاء من غرب آسيا وشمال أفريقيا.
لكن المظاهرات التي فشلت في سوريا والبحرين وغيرها من الملكيات العربية لا تحتاج الى دليل على ادعاءات المتشككين بأن العالم العربي غير متوافق مع الديمقراطية؛ فهناك عوامل أخرى وهي أن الإصلاحات الحقيقية لم تحصل على الفرصة بعد.
كانت العديد من هذه الدول قادرة على قمع المظاهرات باستخدام الحوافز المالية. فنجحت بعض الملكيات بانتقاء حركات الإصلاح، ووضع ثقل الإصلاح على الحوارات الوطنية لترتيب المصالح الوطنية. واستخدم البعض الآخر القوة، فكانت البحرين من بين الملكيات التي كان ردها عنيفا ، ولكن عنفها لا يمكن أن يقارن في الحرب الأهلية الجارية في كل سوريا.
سوريا والبحرين: السلطة بالقوة
يرجع الكثير من الفوضى الجارية في سوريا الى المذهب الديني وسياسة الرئيس السوري، بشار الأسد، فعائلة الأسد هي من الطائفة العلوية ، وهي طائفة دينية صغيرة تعتبر مسلم/ شيعي من قبل بعض القادة الدينيين، ويمثل الرئيس الأسد حزب البعث السياسي العلماني القومي. أثارت هاتين الخاصيتين دعم من الأقليات الدينية المختلفة في سوريا، ولكن كان تمثيل الغالبية السنية تمثيلا ناقصا في سوريا.
كان الإسلاميون السوريون على خلاف مع موقف الحكومة العلمانية بشدة، و في منتصف آذار 2011، أشتعلت المظاهرات في مدينة درعا بعد اعتقال وتعذيب مجموعة من أطفال المدارس لكتاباتهم عبارات مناهضة للنظام1. وعندما فشلت محاولات الأسر في معالجة هذه القضية من خلال الوسائل القانونية، خرجوا إلى الشوارع وشارك معهم الآلاف من المؤيدين. قدمت الحكومة محاولات ضحلة لتلبية مطالب الشعب، لكنها ركزت على التعامل بمبدأ العصا و الجزرة. فكانت إحدى التنازلات الكبيرة، وهي إنهاء لعقود من قانون الطوارئ، ولكن ذلك لم يعني الكثير عندما بقيت قوات الأمن فوق القانون، ثم حاصرت القوات المدن، واستخدمت الذخيرة الحية على المتظاهرين العزل، ومنعت العائلات من الوصول إلى القتلى الذين سقطوا في الاشتباكات. وبررت الحكومة الإستجابة الشديدة من خلال إلقاء اللوم على المتظاهرين الذين يتم إدارتهم من عبر المحرضين المزعومين من المتطرفين الدينيين والعصابات والولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائها ضد الفلسطينين و المملكة العربية السعودية والمعارضة اللبنانية للأسد2.وفي الوقت نفسه، استهدف النظام السوري المعارضة الإسلامية والعلمانية الأكثر اعتدالا، وترك المعارضة الأكثر تطرفا وعنفا لملئ الفراغ الخاص بهم.
ويرجع الإستهداف الإستراتيجي للأسد جزئيا ، في أواخر عام 2012، إلى اثنتان من الجماعات الإسلامية المتشددة المنتمية إلى القاعدة والتي ظهرت على السطح في سوريا: الأولى جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة, وداعش أو ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية. وقد غير نمو داعش المروع وعديم الرحمة في سوريا والعراق المفاهيم الدولية للصراع. وقد أصبح للعديد من القوى الخارجية الآن لديها مفهوم جديد مفاده أن الأسد هو "أهون الأمرين"، ويجب أن تكون السياسة السورية موجه الى تدمير وانحدار هذا التهديد الجديد.
أدت الممارسة العملية لهذه السياسة الى التحالف الدولي ضد داعش، والذي استهدف عن غير قصد أهم المعارضين الى نظام الأسد بدلا عنه, مما أتاح للجيش السوري مزيدا من التركيز على الحركات المعتدلة المتبقية.
أما المساهمة الأكثر أهمية في إستمرار قبضة الأسد على السلطة هو دعم ايران ومنظمة حزب الله اللبنانية. و قد زاد تدخل هذه القوى الشيعية من أثار التوتر بين السنة والشيعة في المنطقة. حتى لو كان هناك الكثير من الشك في شرعية العلويين كمسلمين شيعة، فإن هاتين القوتين الشيعيتين تفضلان الأبقاء على البعثيين كالأسد، لانه أفضل إلى حد كبير من منافسه السنة الجديدة. وقد انعكس هذا المزيج من التأثير الخارجي والتوتر الطائفي على انتفاضة البحرين. ولكن كان السنة والشيعة في البحرين، على طرفي نقيض من الإعتصام، فالأسرة الحاكمة السنية ضد الأغلبية الشيعية.
اشتعل الربيع العربي في البحرين في منتصف شباط 2011 بعد عقود من الاحتجاجات للإصلاح السياسي وزيادة لحقوق الإنسان. وعلى الرغم من أن المتظاهرين أبقوا مطالبهم محايدة دينيا، إلا أن الشيعة قادوا عموم المظاهرات.فلم تكن دعواتهم بالتمثيل المتساوي مقلقة لأفراد العائلة المالكة في البحرين فقط انما للدول المجاورة للبحرين. فدول الخليج السنية قلقة من النفوذ الشيعي المتعدي لإيران، وذلك في حين لم يمارس المحتجون في البحرين مبدأ العنف الذي اتسمت به المظاهرات في جميع أنحاء الربيع العربي، لكن لم تلتزم القوات الحكومية بهذا المبدأ.
وكما هو الحال في سوريا، تدخلت القوى الخارجية نيابة عن النظام في البحرين, فأرسلت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة 1500 جندي لدعم القوات البحرينية في قمع المحتجين في آذار 32011. وواصلت المعارضة الأساسية المناهضة للحكومة العادية وقاطعت الانتخابات في البحرين تشرين الأول 2014. وقد توجت محاولات الحكومة الضعيفة في الإصلاح في الحوار الوطني المتقطع مرارا وتكرارا، ويبدو أن أي فكرة للمصالحة قد تلاشت خلال التوترات الإقليمية المتزايدة. وفي الوقت نفسه، قامت الحكومة على نحو متزايد بإسكات المعارضة السياسية، في كثير من الأحيان من خلال حملات الاعتقال الإداري، مما أدى الى تصاعد إستخدام المعارضة للعنف4.
مرونة الملكيات
تمكنت البحرين- زميلة الملكيات - من الصمود في وجه الربيع العربي بسفك أقل للدماء، و تقف جميع الملكيات الثمانية اليوم صامدة. ما الذي ساعد الملكيات العربية على الصمود بقوة؟ هناك عامل واحد وهو النفط والغاز - ثروة النفط - التي سمحت لبعض الأنظمة الملكية العربية في العمل كما بنظام الريعية، وذلك باستخدام الموارد الطبيعية المربحة للحصول على الأموال بدلا من العائدات الضريبية، فعندما لا يكون هناك ضرائب، تقل الرغبة لدى المواطنين في التمثيل في الحكومة. فمنذ عام 2011، ضخت ممالك الخليج مليارات الدولارات في مشاريع التنمية وخلق فرص العمل5.
ولكن كما هو معروف، ليست كل الأنظمة الملكية العربية لديها القدرة على أن تعمل بالنظام الريعي. فممالك الأردن والمغرب لا يمكنها الاعتماد على نظام الدفع لمواطنيهم. بينما تعد الدول الخليجية غنية بحيث تمتلك القدرة على استقرار البنية الملكية من حولها، فأنفقت الملكيات الغنية المليارات في مساعدة نظرائهم الأقل ثراء للحفاظ على الإستقرار تعويضا للعجز في الميزانية العامة6.
كما شكلت الأردن و المغرب نوعا فريدا من أشكال النفوذ، إذ أنها يمكن أن تنفذ في الواقع إصلاحات حقيقية. ولكن دول الخليج وراثية إلى حد كبير، خاصة إذا هيمنت العائلة المالكة على الحكومة كلها ، فإنه من الصعب للغاية إجراء تغييرات جوهرية. أما الأردن و المغرب فلديها أنظمة مستقلة من ملوك فرديين و حكومات مستقلة، وقد سمح محمد السادس ملك المملكة المغربية وعبد الله الثاني ملك الأردن بإتخاذ خطوات بشكل أكبر نحو السلطة البرلمانية والإصلاحات الديمقراطية7. وأعطت هذه الأرقام فسحة للإصلاحات المرغوبة، وصرف النظر عن انتقادات المسؤولين المنتخبين والقائمين على عملية الإصلاح8.
المستقبل للإصلاح والثورة في سوريا والملكيات
لقد انتهى الأمر بهؤلاء الذين يسعون الى الثورة بدفع ثمن كبير في البحرين وسوريا. ومع أن الوضع في البحرين أقل عنفا من سوريا الا انه لا يزال قابلا للإنفجار. وعلى النقيض من الإشتعال الصغير للعنف المستمر في البحرين ، فقد قتلت الحرب الدامية في سوريا ما يقارب 220،000 شخص وشردت أكثر من 11.5 مليون آخرين، وتراجع العنف لا زال قليلا9 .
وبينما ازداد اضطراب المشاعر التي أججت نار المظاهرات المبنية على الشعور النابع من القلب في الملكيات، يستمر العنف والدمار الناجم عن الثورة في تأثيره على طموحات الدول المجاورة. واجهت الحركات الاحتجاجية في كل من هذين البلدين حواجز رئيسية هي: التأثيرات المزدوجة للقوى الإقليمية وأموال النفط. والأهم من ذلك فمنذ الانغماس في الثورات في 2011 انتشرت موجة جديدة من زيادة الصراع الطائفي في جميع أنحاء المنطقة، وسيؤدي ذلك في المستقبل القريب، الى أن يكون الصراع الطائفي المعدي متوقعا أكثر من تجديد الدعوة إلى إجراء إصلاحات ديمقراطية في غرب آسيا وشمال أفريقيا.