شهدت منطقة غرب آسيا ولادة الحضارة مبكراً، وشكّلت المحور الذي ضم الثقافات والإيديولوجيات. كما عملت بمثابة نقطة
التقاء جمعت الحوكمة الجيدة من الشمال، والجمال من الشرق، والشفافية من الغرب، والإحساس بالمجتمع من الجنوب. بيدَ أن
.هذه المنطقة هي ذاتها قد أصبحت اليوم مثالاً يُذكرنا بالنزاعات والتطرف والتخلف
يبدو أن هذا التحول الذي شهدته منطقة غرب آسيا يُعزى إلى غياب التعليم الملائم والتفكير الناقد، حيث فرضت مدارس الفكر
السائدة في التعليم قيوداً وحواجزاً على التخصصات المختلفة (العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية والعلوم الفيزيائية) وفيما بينها،
مما تسبب بدوره بإعاقة تطور الفهم الشمولي للنُظم المجتمعية وتقييده. فهذه المقاربة الشمولية التي تأخذ باعتبارها المقومات
الثقافية والروحية والإيكولوجية والاجتماعية والاقتصادية للنظام ضرورية لتحقيق التنمية المستدامة في غرب آسيا. علاوةً على
وجود حاجة لإعادة النظر في تعليم القيم الجوهرية للإسلام، حيث تبرز أهمية إعادة تثقيف المجتمع المسلم والمعروف أيضاً
باسم المجتمع الوسط (الأمة الوسط)، ودفعه ليصبح مجتمعاً يعزز التنوع والإصلاح للوصول إلى منطقة جديدة لغرب آسيا تنأى
بنفسها عن الوضع الحالي السائد هناك. ومن هذا المنطلق، يلعب الأئمة دوراً جوهرياً في إيصال رسالة الإسلام على أنه رحمة
أدرجنا فيما يلي بعض الدروس المستمدة من مجموعة من ورش العمل بمشاركة أئمة من أنحاء مختلفة من الأردن خلال عام
.للعالمين
أدرجنا فيما يلي بعض الدروس المستمدة من مجموعة من ورش العمل بمشاركة أئمة من أنحاء مختلفة من الأردن خلال عام
.(2014-2015)، والتي مولتها مؤسسة فريدريش إيبرت - الأردن
:التفكير الناقد (الاجتهاد) والتفكير الأفقي
لقد تسبب السوق المعولم في القرن الواحد والعشرين باستغلال الموارد الطبيعية وتلويثها والإفراط في استخدامها، وخلق
وهماً بوجود سعي لامتناهي نحو النمو. كما بدا أن السياسات التي يقودها السوق والنزعة الاستهلاكية التي تعوزها الرؤية
الإيكولوجية تميل نحو إلحاق الضرر. وعليه، ظهرت هناك حاجة ماسة لتطبيق التعليم التحويلي ونظام التعلم الرامي إلى تعزيز
التفكير النقدي والأفقي كما لم تظهر من قبل. كما برزت الأهمية الكبرى لإعمال العقل في الإسلام، فالاجتهاد هو المبدأ
الديناميكي المتأصل في الكيان الجوهري للإسلام والرامي إلى تسخير المنطق والرصد والتجربة في الوصول إلى الاستنتاجات
الصارمة. ويظهر العصر الذهبي الإسلامي الذي حفّز ولادة عصر التنوير الأوربي شاهداً على الاجتهاد الإسلامي الذي سمح
بالوصول إلى اكتشافات علمية من العديد من الفكرين العرب، مثل ابن رشد وابن طفيلة وابن باجة وابن خلدون، بالإضافة إلى
.الكثير غيرهم
:المقاصد
ترتبط الأزمة الإيكولوجية في جوهرها بالأخلاقيات والقيم، حيث تتولى الأفعال الإنسانية مسؤوليتها تجاه الأزمة الإيكولوجية
العالمية. وبالتالي، فإن أكثر مساهمة فائقة الأهمية للإسلام تجاه الحوار العالمي المعني بالقضايا العالمية يتمثل بإحياء الرؤية
تنشب المشاكل البيئية الرئيسية، كما تدمير الموائل الطبيعية وفقدان التنوع البيئي والتغير المناخي وتآكل التربة، بفعل
السلوكيات البشرية وأنماط التطوير. ولهذا فإن الحفاظ على سبل المعيشة الإنسانية وخدمات النظام البيئي والطبيعية وحمايتها
.الروحية للطبيعة والإدارة البشرية ودور الوصي
.هي المقاصد الرئيسية في الفقه الإسلامي
:الحوار الجديد الذي يركز على الدين والمنطق والتعاطف ويربط بينهم
.(يخلو الحوار الإسلامي الحالي من المنطق والتعاطف الوجداني (رحمة للعالمين)، وتغيب عنه الرؤية الإيكولوجية (البصيرة
فقد تأثرت فلسفلة التعليم الغربي بالنموذج النيوتوني الذي يعتبر الطبيعة بمثابة فرصة للاستغلال، وليس مصدراً للإلهام
والابتكار. إن هذه المقاربة للتعليم أوصلتنا إلى حالة من "اضطراب العوز لحياة الطبيعة"، وساهمت في إحداث التحديات
العالمية الحالية بما فيها النزعة الاستهلاكية والفقر وتغير المناخ. فالتعلم التحولي الذي أنارته وأرشدته الآراء العالمية الإسلامية
والذي يركز على توحيد العلوم الطبيعية والاجتماعية وتوحيد العقل والروح وتوحيد رأس المال الاجتماعي والطبيعي وتوحيد
.هذه الدنيا والآخرة له أهميته الفائقة
ولهذا، نرى أنه من الضروري إعادة النظر في أنظمتنا التعليمية التي أغفلت جمال وعظمة قوى الطبيعة والكون من حولنا رغم
اعتبارها أساساً في إغناء عالمنا الداخلي. قد يستمر انقراض الكائنات حولنا (أُمم أمثالكم) وقد يمتد إلى النوع البشري ما لم
تتغير وجهات نظر العالم من حولنا وكذلك نماذج التطوير. وعند مراقبتنا لنظام الأرض على أنه إشارة من الخالق (كتاب
منثور)، يظهر بأن توجهنا للدين والفلسفة والعلوم وعلوم الاقتصاد هو الحل لإعمال وعي جديد وأنماط تعلم جديدة، نظراً إلى
.أن جوهر أزمتنا الإيكولوجية ينبعث من تلك الرؤى العالمية والعقليات الحالية
:(نماذج المساجد الخضراء في الأردن بتمويل من الصناديق الاستئمانية (الوقف
تبرز القيم الثقافية الإسلامية، كالمسؤولية الاجتماعية والزهد، كمبادئ متأصلة راسخة للتنمية المستدامة؛ ذلك أن المسؤولية
الاجتماعية تشمل المفهوم الإسلامي للوقف أو التبرع. ولهذا يُعد من الضروري استرداد تلك المفاهيم المتجذرة في العلاقة بين
الأفراد وبيئتهم بغية دعم الانتقال نحو الاقتصاد صديق البيئة في منطقة غرب آسيا. تتمحور الطاقة الخضراء ببساطة حول
الابتكار وتكريس العلم والتقنية لتحقيق الاستدامة. إن بناء قدرة الأئمة في العلوم والتقنية وتحويل المساجد إلى مبانٍ صديقة
للبيئة قد تمثل طريقةً لتعريف العامة بمبادئ الاستدامة. تُمثل المساجد الخضراء وغيرها من المباني الأخرى العامة أمثلة حية
.عن مفهوم التعليم من أجل التنمية المستدامة
باختصار، إنه لمن الضروري العمل على تطوير كفاءات القادة والأئمة في المجتمع وتمكينهم من التماشي مع الغموض والقيم
المتنازعة والوقائع. إن العوامل الرئيسية التي تتسبب بإتلاف أي مجتمع أو مؤسسة هو غياب الإبداع والتفكير المتجانس
والخيارات المقيدة ومحدودة التفكير الحر والإبداع (الاجتهاد). لقد أصبحت منطقة غرب آسيا في زمننا الحالي المضطرب في
أمس الحاجة لمجتمع مُفكّر، يتمتع بالشفافية، ويشارك بفعالية وجوهرية بحل المشاكل وصنع القرار، ويُقدّر ويحترم الوسائل
.البديلة للتفكير؛ وبالتالي، فهو قادر على الاستجابة للقضايا الناشئة على نحو أفضل