صنف الأردن منذ فترة طويلة على أنه اقتصاد تهيمن عليه الشركات الصغيرة والمتناهية الصغر. ويتمثل أحد آثار ذلك في أن ينمو البلد بوتيرة أبطأ من الاقتصادات ذات الأعداد الأعلى من الشركات الكبيرة. ومع ذلك، فإن مسألة كيفية حفز النمو الثابت مفقودة بشكل واضح في النقاشات حول كيفية تحسين القدرة التنافسية في الأردن.
ووفقا لأرقام غرفة الصناعة الأردنية لعام 2014، فإن الكيانات التي توظف أكثر من 100 عامل تمثل حوالي 0.4 في المئة من الشركات المسجلة. وتمثل الشركات المتوسطة 1.4 في المئة، وتمثل الشركات الصغيرة 6.7 في المئة. فيما تمثل الشركات المتناهية الصغر التي توظف بين 1 و 4 عمال نسبة غير متناسقة من الشركات المسجلة بحوالي 91.5 في المئة من إجمالي الشركات.
منذ أزمة الديون الأوروبية في عام 2009، أصبح الرأي القائل بأن رجحان كفة الشركات الصغيرة يشكل عقبة أمام النمو. وبات هذا المبدأ توجيهيا في دوائر التنمية الاقتصادية، والواقع أن الأدلة تتصاعد حول العلاقة بين حجم الشركات الصغيرة في الاقتصاد وضعف النمو.
وفي آذار / مارس 2012، نشرت مقال في مجلة الإيكونوميست بعنوان "الانحدار والصغر" وطرحت فيها أهمية الشركات الكبيرة مقابل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم (SMEs). مع عنوان فرعي "الشركات الصغيرة هي مشكلة كبيرة في محيط أوروبا"، وجادل المقال بأن التحيز تجاه الشركات الصغيرة يحد من نمو الإنتاجية. وأكدت مقالة مماثلة بعنوان "لا جمال في الصغر" على أن جميع الشركات الصغيرة أقل جاذبية سياسيا وثقافيا، وأقل إنتاجية وتدفع أجورا وضرائب أقل من الشركات الكبيرة.
ووفقا لهذا المنطق، فإن الاقتصادات التي تهيمن عليها الشركات الصغيرة غالبا ما تنمو بوتيرة أبطأ من الاقتصادات التي لديها أعداد أكبر من الشركات الكبيرة. وتتجاوز إنتاجية شركات منطقة اليورو التي يزيد عدد العاملين فيها عن 250 عاملا إنتاجية الشركات التي يقل عدد العاملين فيها عن 20 عاملا بنسبة 50 في المئة تقريبا. وفي اليونان وإيطاليا والبرتغال - ثلاثة اقتصادات يعوق نموها بطء الإنتاجية وفقدان القدرة التنافسية - تمثل الشركات التي توظف 250 عاملا أو أكثر أقل من نصف حصة وظائف التصنيع مقارنة بألمانيا.
تستحق مسألة كيفية حفز النمو الثابت في الأردن مزيدا من الاهتمام. ويعترف صانعو السياسات بالشركات الصغيرة والمتوسطة بأنها أساس نسيج الاقتصاد الأردني، وركزت جهودهم لإشعال شرارة النمو الطويل الأجل على التسهيلات الائتمانية وغيرها من المنصات المصممة لتوفير الدعم المالي والتقني. وينبغي أن يستمر هذا النهج، ولكن سيتم تعزيزه بجهد متضافر لتحديد المشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة التي لديها القدرة على النمو.
وفي الوقت الحاضر، تركز استراتيجية تحسين القدرة التنافسية إلى حد كبير على إنشاء مشاريع جديدة، من خلال الحاضنات (incubators) والمسرعات وغيرها من المرافق التي توفر التمويل للمشاريع الناشئة. وقد أسفر هذا النهج عن نتائج ملحوظة، غير أنه سيستكمل بجهود لاحتضان الأعمال التجارية القائمة من جميع الأحجام التي تكون منتجاتها وخدماتها قادرة على المنافسة، ولكن تفتقر إدارتها إلى خارطة طريق واضحة أو تمويل للتوسع.
هناك مجموعة مفيدة من المبادرات الموازية التي اتخذت في أسواق أخرى لمساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم على النمو. وطورت رومانيا – على سبيل المثال- مجموعات متعددة القطاعات تدعم الابتكار. بينما تقدم برامج المساعدة التجارية الدولية في كندا المساعدة إلى الشركات التي ترغب في التصدير. كما تقدم أستراليا منحا لتنمية سوق التصدير تساعد الشركات الصغيرة والمتوسطة على تغطية تكاليف التصدير.
ولا ينبغي أن تقتصر هذه المبادرات على البرامج الحكومية . قامت المجموعة المتخصصة بمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة (Inspire) في المملكة المتحدة –على سبيل المثال- بمساعدة الشركات في جنوب غربي البلاد على نطاق واسع، وتعمل بالشراكة مع الجهات الفاعلة في القطاع الخاص لتوفير الشركات ذات النمو المرتفع مع المنح والحلقات الدراسية وفرص التواصل. في الولايات المتحدة، يقدم المركز الوطني للسوق الأوسط، وهي منظمة بحثية أسستها مجموعة GE Capital وكلية إدارة الأعمال في جامعة ولاية أوهايو، بيانات هامة وتحليلا ورؤى لتسريع النمو وزيادة القدرة التنافسية وخلق فرص عمل للاقتصاد الأمريكي. وفي إسبانيا، أطلق برنامج Cre100do، الذي تديره شراكة بين القطاع الخاص والهيئات الحكومية، لاحتضان 100 شركة متوسطة الحجم من خلال ورش العمل والتوجيه.
ويجب أن لا تكون المبادرات برامجية فحسب، بل موجهة أيضا نحو البحوث. ووفقا للتقديرات، فإن السوق غير الرسمية في الأردن تعادل 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وكجزء من الجهود الرامية إلى الحد من الطابع غير الرسمي، فإن الجهود البحثية التي تسعى إلى فهم تردد الشركات في إضفاء الصبغة الرسمية عليها قد تكون فعالة في تعزيز تسجيل الأعمال التجارية، إلى جانب خطوات لتبسيط عملية التسجيل والتكاليف المرتبطة بها.
ومع ذلك، يلزم بذل المزيد من الجهود لفهم كيف يمكن أن يثبط التنظيم الشركات التي يحتمل أن تنمو بدرجة كبيرة من أن تتجاوز عتبة معينة. وینبغي أن یستكمل ذلك بالنظر إلی العوامل (المنتج والإدارة والتوعیة بالأسواق الخارجیة) التي تحد من نمو المشاریع المتناهية الصغر والصغیرة والمتوسطة في الأردن.
وسيكون تعزيز الوعي حول رعاية إمكانيات النمو للشركات القائمة في الأردن خطوة أولى نحو مساعدة الشركات المتناهية الصغر لتصبح صغيرة، ولتصبح الشركات الصغيرة متوسطة، ولتصبح الشركات المتوسطة كبيرة.