لا يوجد شح في البيانات والتحليلات التي تبين تدهور إمدادات الماء في العالم. ولكن ما كان يستصعب قياسه هو كمية الماء الفعلية والكاملة المستخدمة على مستوى الدولة والصناعة والفرد. البصمة المائية عبارة عن منهجية جديدة تبين القياسات الحقيقية لاستخدام الماء. وسننظر إلى امكانية جعل تلك المعلومات مترجمة إلى سياسة وبرمجة مائية أفضل .
لقد تم تطوير مؤشر مخاطر أمن الماء العالمي لتمكين الأعمال والمستثمرين من تحديد الدول التي تعتبر إمدادات الماء فيها محدودة أو مقطوعة في المستقبل. وتقدر النسب أن هناك 18 دولة في "خطر شديد" و15 دولة من تلك الدول موجودة في منطقة وانا. يقيس التصنيف الأمني المائي العديد من مجالات استخدامات الدولة المائية بما يشمل ذلك الإجهاد المائي ومعدلات السكان والاعتماد على مصادر الماء الخارجية وفعالية الحكومة والاستخدام الإفتراضي للماء. والأهم من ذلك أن التجارة الإفتراضية بالماء- ذلك الجزء الذي لا يتجزأ من الماء في البضائع والسلع- قامت بتوفير أول خطوة لقياس البصمة المائية الكاملة للإنسانية.
لقد تم تعريف البصمة المائية لأول مرة من قبل البروفيسور آرين هويكسترا من خلال برنامج بحث للمعهد الدولي للهندسة البيئية والهيدروليكلية والبنى التحتية التابع لليونيسكو، كمؤشر لاستخدام المياه العذبة بشكل مباشر وغير مباشر للمستهلك أو المنتج. أما تعريف البصمة المائية للفرد أو المجتمع أو بيئة الأعمال فهي مقدار حجم المياه العذبة المستخدمة لإنتاج البضائع والخدمات المستهلكة من قبل الأفراد أو المجتمع أو المنتجة من قبل الأعمال.
وتكمن الفكرة حول تعقب عمليات الإنتاج والاستهلاك والتعبير عنهم بكمية محددة من الماء أطلق عليها اسم محتوى الماء الإفتراضي. يوفر هذا النهج قياسا أكثر شمولية لاستخدام الماء ويسمح للمستهلكين والحكومات بإيجاد فهم أفضل لاستخدام الماء في الأنشطة أو القطاعات التي إن لم يستخدم فيها هذا النهج ستمر دون رقابة. القطاع الزراعي مثلا، هو أكبر قطاع في استخدام المياه، فمتوسط البصمة المائية العالمية للكيلوغرام من لحم البقر الخالي من العظم تقاس ب 15،400 لترا.
ومؤخرا، تم تناول قضايا توفر المياه العذبة واستخداماتها وإدارتها في ترتيبات مؤسسية وتحليلات تعتمد على مستويات وطنية ومحلية وعلى قياس مستوى أحواض الانهار في التخطيط. كشف الكم لتجارة المياه الإفتراضية العالمية البصمة المائية الفعلية للبلدان والمناطق في جميع أنحاء العالم، فضلا عن الصناعات المحددة. وتعتبر منطقة "وانا" المثال الذي يحتاج لهيكلة حوكمة دولية ، وذلك لأن بعض دول المنطقة فقط لديها ما يكفي من المياه المتوافرة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الناحية النظرية. فالتجارة في هذه الدول لا تساعد على معالجة ندرة المياه، مما يجعل المنطقة تعتمد اعتمادا كبيرا على موارد المياه الخارجية.
المياه الخضراء والزرقاء والرمادية
يعتبر التمييز بين انواع المصادر المائية مهما جدا في إدارة المياه، خاصة في المناطق التي تعاني من ندرة متنامية لمثل هذا المصدر الحي. يشكل ذلك فرقا- على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي - إذا كانت المنتجات الزراعية لديها بصمة مائية عالية زرقاء (المياه الجوفية أو السطحية، التي تم ضخها ونقلها للري) أو بصمة مائية على الأغلب خضراء ( الماء المحفوظ في التربة بفعل هطول الأمطار). وتقع البصمة المائية الرمادية في التصنيف الثالث، وهي التي تقيس درجة تلوث المياه من خلال احتياجات المياه العذبة للتخفيف من الملوثات في مستوى مقبول من الناحية البيئية.
بالعودة إلى مثال لحم البقر، وستكون نتيجة هذا التمييز في قطعة لحم تختلف عن الاخرى. تعتمد البصمة المائية المحددة للحم البقر على نظام الإنتاج الذي اشتقت منه ( الرعي والمختلط والصناعي)، وكذلك على تركيبة وأصل التغذية. ولأن الماشية تنمو بشكل أسرع اذا تم تركيز التغذية ، فعادة ما يكون لدى لحم البقر الناتج من الرعي الصناعي بصمة مائية أقل من لحم البقر الناتج من الرعي والرعي المختلط. ونظرا للجزء الأكبر في التركيز على التغذية في الرعي الصناعي وحقيقة أن تلك التركزات لديها بصمة مائية أكبر من النخالة، يمتلك لحم البقر بصمة مائية زرقاء ورمادية أكبر من لحم البقر الناتج من أنظمة الرعي التقليدية والمختلطة.
تتصل معظم مشاكل المياه العذبة في منطقة "وانا" في معظمها إلى ندرة المياه الزرقاء وتلوث المياه، وإلى حد أقل، في التنافس على المياه الخضراء. وهكذا، فإن نظم الرعي التقليدي هي أفضل من نظم الإنتاج الصناعي من منظور الموارد المائية.
إعلام صناع القرار وأصحاب العلاقة
تُجمع بصمات المياه الخضراء والزرقاء والرمادية لتشكيل ناتج البصمة المائية للاستهلاك أو/والإنتاج. يوفر مؤشر الوحدة الواحدة هذا مع تصنيفات الماء الثلاث ميزة كبيرة لهذه الفكرة، لأنها تقوم بترجمة أنماطا معقدة ومتنوعة إلى أرقام مجهزة وقابلة للمقارنة. وأفضل مثال في هذا الصدد هو العمل الذي قامت به انجيلا موريللي في رسمها البياني وكتابها حول البصمة المائية الإنسانية.
حتى يتم إعلام صناع السياسات، ومستخدمي المياه والمنظمات غير الحكومية لا بد من تقديم تفاصيل حول تقييمات البصمة المائية. تقدم بيانات استخدام المياه على المستوى المحلي لكل القطاعات، الفرصة لتحديد معايير التنفيذ، وكذلك تقوم بربط بصمات المياه الزرقاء والرمادية لتصدير قيم المنتجات والتكاليف البيئية والإجتماعية. يمكن أن يتم إعلام المستثمرين حول استدامة مشروع معين في مكان معين حيث تعتبر المياه فيه مصدر حرج. بل من الممكن تحفيز إعادة الاستخدام والمعالجة من خلال التسعير أو فرض ضرائب على مستويات التلوث.
كان هناك جدلا كبيرا حول حساب كميات المياه وتقييماتها وبانها لا تسهم في صياغة السياسة المائية أو تحديد الأهداف أوالرصد أو غيرها من أساليب التقييم. ذلك لأن البصمة المائية تحسب كمية الماء المستهلكة فقط بدلا من حساب مدخلات أخرى ولا تحتسب تكاليف الفرصة لمدخلات الإنتاج. إلا أنه لا بد من الاعتراف أن الكثير من المنتجات تنتج في أماكن مختلفة من الأماكن التي تستهلك فيها، وأن تصدير واستيراد مثل هذه المنتجات تلعب دورا كبيرا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للأمم.
يعتبر هذا الأمر صحيحا بالنسبة إلى البلدان القاحلة وشبه القاحلة، كتلك الموجودة في منطقة "وانا". إن استيراد المنتجات الزراعية في المنطقة لن يحل فقط محل استيراد المنتجات الزراعية كميات كبيرة من الماء المستخدم في الإنتاج المحلي، بل ولكن ذلك سيحرر المصادر المائية من استخدامها في القطاعات الصناعية والمحلية والخدمات، والذي سيسهم بنهاية المطاف بايجاد حصة أكبر من الناتج المحلي الاجمالي وبالتالي تحسين القدرة الشرائية لعمليات الاستيراد الزراعية.
والأهم من كل ذلك، أن فائدة تقييمات البصمة المائية يمكن أن تظهر التدفقات التجارية في العديد من القطاعات الاقتصادية المختلفة وفي الأماكن المختلفة في أحجام المياه وأنواعها، شريطة أن يكون المقياس الزماتي والمكاني لتقيمات البصمة المائية مركزا على المستويات المحلية، ويمكن لذلك أن يولد بيانات مفصلة. إن التعامل مع كميات المياه وأنواعها يعتبر وجوديا بالنسبة إلى الأردن واليمن وغيرها من دول منطقة "وانا". بالإضافة إلى أنه يمكن للمنظمات المحلية غير الحكومية أن تنخرط في أنشطة إدارة المتطلبات، بتركيز أكبر على اعادة استخدام الماء وتلوثها.
واليوم، يوفر معيار الآيزو 14046:2014 نموذجا لتقييم البصمات المائية وهو مصمم لدعم الحكومات والهيئات غير الحكومية. اذا كنت ترغب بقياس البصمة المائية الشخصية الخاصة بك، يمكنك استخدام آلة حاسبة سريعة مزودة بشبكة بصمة مائية. ويمكن أن تقوم بعملية حسابية أكثر تفصيلا ودقة لبصمة المياه لو أخذت بعض الوقت للنظر في أنماط الاستهلاك الفردية الخاصة بك.
تشتمل البصمة المائية الوطنية على عنصرين: جزء البصمة الذي يقع داخل الدولة (البصمة المائية الداخلية)وجزء البصمة التي يضغط على دول اخرى (البصمة المائية الخارجية) ويمكنك ايجاد معلومات حول البصمة المائية الوطنية من خلال استخدام آلة حساب البصمة المائية العالمية .
لا يتمحور المستقبل المستدام والمرن حول الماء فقط. يمكن لتقييمات البصمة المائية أن تكون أداة لصناع القرار والشعب والمجتمع الدولي لايجاد طرق للتعامل مع التحديات الإجتماعية والاقتصادية والبيئية الموجودة. وبالجمع بين التصميم والتصور، يمكن لمفهوم البصمة المائية أن يساعد على التواصل ورفع الوعي حول واحدة او أكثر من التحديات الضاغطة للإنسانية.