شهد الخطاب العام حول سبل معيشة اللاجئين السوريين تحولا مع دخول الأزمة لعامها السابع. باتت الأزمة الآن طويلة الأمد، ما جعل الدول المضيفة تتخذ تدابير لإدماج اللاجئين في سوق العمل. ومع ذلك، وفي إطار اندفاعنا لزيادة مشاركة اللاجئين في سوق العمل الرسمي، يجب ألا نغفل حقيقة أن الكثيرين يعملون بالفعل بأجر. إن طرق ومزايا إضفاء الطابع الرسمي معقدة، ويجب تقييمها بعناية ضد أهداف سوق العمل الأخرى.
واستنادا إلى عدد التصاريح الصادرة عن وزارة العمل، يعمل حوالي 45 ألف لاجئ سوري رسميا في الأردن. ويرتفع هذا الرقم بشدة إذا أخذ بعين الاعتبار العاملين بشكل غير رسمي.
وبالرغم أن هذا ينطوي على إشكاليات مختلفة – مثل عدم وجود حقوق رسمية للعمال، أو حد أدنى للأجور، وهشاشة وضع العمال والقابلية لاستغلالهم، وما إلى ذلك- فإن غير الرسمية هي سمة من سمات الاقتصاد الأردني تسبق الأزمة السورية. وفي الواقع، أظهرت أسواق العمل الأردنية، وفي سوريا ما قبل النزاع معدلات مرتفعة من العمل غير الرسمي.
ليس هنالك جدوى للجهود الرامية إلى إخراج السوريين من القطاع غير الرسمي إذا لم تستهدف هذه الجهود النظام العام الذي خلق الاقتصاد غير الرسمي، والذي يشكل 44 في المائة من قوة العمل الأردنية. وطالما استمر الأردنيين في العمل في القطاع غير الرسمي، فإن السوريين سيستمرون أيضا.
جمعت مائدة مستديرة عقدت مؤخرا نظمها معهد غرب آسيا وشمال أفريقيا (WANA) ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مفكرين ومختصين في قضايا النزوح من جميع أنحاء المنطقة. ورأى أحد المشاركين أن عزوف الخطاب الحالي عن الاقتصاد غير الرسمي ليس مفيدا بالضرورة لتحسين معيشة اللاجئين.
وفي حين أن هذه العبارة تبدو غير معتادة، فإنها تتضمن جانبا من الصواب. تشكل الفئات التي تعمل في القطاع غير الرسمي أكثر الفئات حرمانا في بلاد الشام، ولا يخالف الوضع في الأردن هذه الحالة. وبدلا من إلغاء سوق العمل غير الرسمي والتضييق عليه بسبب عيوبه، فإنه قد يكون من الأفضل قبول وجوده والاستعانة بشبكات الأمان التي يوفرها في المدى القصير على أقل تقدير.
باختصار، وللحد من اعتماد اللاجئين والفئات الأكثر هشاشة على المساعدات ودون تقويض الاقتصاد المحلي، فإنه قد يكون من الأيسر العمل جنبا إلى جنب مع القطاع غير الرسمي وليس ضده.
الأهم من ذلك أن توافر تصاريح العمل للسوريين لم يحسن بالضرورة رفاههم. إذ أن القطاعات التي تحوي مستويات عالية من العمالة السورية هي الزراعة والبناء. ولم تصدر سوى عدد قليل جدا من تصاريح العمل في قطاع البناء، ما يرجع على الأرجح إلى الطبيعة غير المستقرة لسوق أعمال البناء.
تزداد أعداد السوريين الذين يعملون في القطاع الزراعي رسميا. وهو القطاع الذي يتمتع بأعلى نسبة من العمالة الأجنبية، فضلا عن كونه القطاع ذي تراخيص العمل الأقل كلفة، لحين صدور قرار مؤخرا بتوحيد جميع رسوم تصاريح العمل. وبالرغم من ذلك، فإن ما يقدر بنحو 70 في المئة من مجموع العمال الذين يحملون تصاريح القطاع الزراعي يعملون بالفعل في قطاعات أخرى.
ونظرا للطبيعة الموسمية للعمل الزراعي، فإن حقوق العمال في هذا القطاع يصعب تقييمها وتفتيشها، ما يترك العمال عرضة للاستغلال، بما في ذلك ارتفاع نسبة عمل الأطفال والجهات الراعية التي تطالب اللجان بتقديم طلبات للحصول على تصاريح عمل الموظفين. وعلاوة على ذلك، فإن الحوافز المقدمة للكفيل للحصول على تصاريح العمل هذه لصالح العاملين الذين يستخدمونهم بعد ذلك في قطاعات أخرى أو مع أرباب عمل آخرين مرتفعة.
يجب مراعاة جوانب الهشاشة والضعف عند اعتبار خيارات السياسات المختلفة. ومن المشاكل المشتركة بين اللاجئين أن الارتباط بأحد الرعاة لفترة طويلة يحد من حريتهم في الانتقال من صاحب عمل إلى آخر.
ويشير بعض اللاجئين أيضا إلى عدم قدرتهم على العمل في وظائف متعددة وهو أمر ضروري، في حالة العمل المؤقت أو اليومي، لاستدامة سبل عيشهم. وهو ما يجعل الاقتصاد غير الرسمي أكثر جاذبية للبعض.
إن إضفاء الطابع الرسمي على العمالة هو وفي نواح عدة، أمر ضروري للتنمية الاقتصادية لأي بلد. إلا أنه يجب أخذ السياق بعين الاعتبار. من المهم التحقق من توظيف من لا يملك عقودا مستقرة، لكن مستوى هؤلاء المعيشي يبقى أفضل بكثير بالمقارنة مع أولئك الذين لا يعملون على الإطلاق.
ويمكن فهم ذلك أيضا كوسيلة للاندماج في الاقتصاد المحلي، حيث أن الاقتصاد الأردني مدفوع بشكل كبير بالقطاع غير الرسمي، ويدمج السوريون أنفسهم بنجاح في القطاع غير الرسمي ما يجعلهم أكثر اكتفاء ذاتيا. وبعدة مقاييس، ينبغي أن يعتبر ذلك نجاحا.