تزايدت الاضطرابات خلال الأشهر الأخيرة حول المكان المقدس المعروف عند اليهود باسم جبل المعبد ولدى المسلمين باسم الحرم الشريف، الذي يضم المسجد الأقصى. وحذر الرئيس الفلسطيني ووزير الخارجية مؤخرا من تحول النزاع السياسي إلى نزاع ديني على نطاق واسع. إلا أن القليل يعرفون أن القادة الدينيون المحليون من الديانة اليهودية، والمسيحية والإسلام اجتمعوا بسرعة لإدانة العنف والحث على السلام. ولا بد من تسليط الضوء على هذه الأصوات.
في بيان صدر بتاريخ 9 تشرين ثاني 2014، عبر مجلس المؤسسات الدينية في الأراضي المقدسة عن رثائهم لتحول مكان جبل المعبد والحرم الشريف المقدس ليصبح بؤرة للنزاع. واتفقوا على وجوب احترام الوضع الراهن للأماكن المقدسة، مؤكدين على أن ارتباط كل من المجتمعات الدينية بتلك الأماكن المقدسة يجب ألا تكون سببا في سفك الدماء، والعنف أو أي طريقة أخرى للتعبير عن الكراهية. كما بينوا أنه في حين يتحول النزاع السياسي إلى عنف ذو أبعاد دينية، فإن المتطرفين على كل الجوانب هم الطرف المنتصر.
وفي بيان أكثر إيجازا صدر بتاريخ 18 تشرين ثاني 2014، أعرب المجلس عن الصدمة والرعب على مقتل المصلين في كنيس هار نوج في القدس، مبينا أن مثل تلك الأعمال، وخاصة التي ترتكب في بيوت العبادة "تمثل أقصى درجات الإساءة للدين".
ويضم المجلس ممثلين عن الحاخامية الرئيسية في إسرائيل، ورؤساء الكنائس المحلية في الأراضي المقدسة ووزارة الأوقاف الإسلامية في السلطة الفلسطينية. ويقع مقره في القدس، وقد تم تأسيسه مع تراجع الانتفاضة الثانية -الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت بسبب الأحداث في المسجد الأقصى -في عام 2005. وتعتبر هذه البيانات أحدث بيانين فقط ضمن سلسلة من البيانات التي تدعو إلى احترام الأماكن المقدسة والحرية الدينية. وما هي إلا واحد من الأمثلة على الجهود التي لا حصر لها التي يقوم بها الزعماء الدينيون المعتدلون والمنظمات الدينية في جميع أنحاء العالم لمنع الصراع وإحلال السلام.
ولا يتم في كثير من الأحيان نشر هذه الأنواع من الجهود، او دعمها أو حتى فهمها.
وحتى العقد الماضي أو فترة قريبة من ذلك، كان هناك افتراض قوي بأن مسار التاريخ الحديث سيشهد تحول العالم بشكل أكثر نحو العلمانية، مما سيدفع بالدين إلى هامش الشؤون الدولية. وهذا لم يتحقق على الإطلاق. وبدلا من ذلك، حدثت "طفرة دينية جديدة" في الشؤون الدولية، وهذا ما أشار إليه على نحو متزايد الأكاديميون والسياسيون. ومثلت أحداث 11 سبتمبر نقطة تحول في هذا الوعي الجديد. وكفلت عدم قدرة الجهات الفاعلة الغربية العلمانية على تجاهل الأبعاد الدينية للصراع وللعلاقات الدولية، ودفعت العديد من القادة السياسيين المسلمين للتأكد من تعريفهم بوضوح على أنهم الصوت المعتدل، وغير العنيف للدين.
وقد رأينا ديناميكية مماثلة لدى زعماء مسلمين في الآونة الأخيرة من خلال الرسالة المفتوحة إلى البغدادي، زعيم ما يسمى تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق. وحملت الرسالة، التي صدرت بتاريخ 24 أيلول 2014، عددا لم يسبق له مثيل من التواقيع بلغ 120 توقيعا لعلماء مسلمين من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك مفتي القدس وفلسطين. وأدانت بشدة المنظمة بوصفها غير إسلامية وفندت بشكل قاطع، باستخدام القرآن، فلسفة المنظمة وأعمال العنف التي اقترفتها.
وانضم بناء على ذلك زعماء السنة والشيعة جنبا إلى جنب مع قادة المسيحية، وديانات المدين واليزيدية من منطقة غرب آسيا -شمال أفريقيا للتنديد بصوت واحد بالعنف الذي يرتكب باسم الدين، بما في ذلك ما يرتكبه تنظيم 'الدولة الإسلامية ". وأصدر الزعماء الدينيون إعلان فيينا، الذي يرفض "العنف بجميع أشكاله خصوصا العنف الذي يرتكب باسم الدين"، وأشار إلى معاناة الملايين من النازحين، بما في ذلك الأقليات الدينية الذين استهدفوا بشكل خاص من خلال العنف الجنسي.
بينما نادرا ما تتم مناقشته، فإن هناك العديد من الجهات الدينية الفاعلة التي تسعي الى تحقيق السلام في الصراعات الدائرة في مختلف أنجاء العالم، بما في ذلك منطقة غرب آسيا -شمال أفريقيا. وتنشط هذه الجهات في مناطق النزاع بالعمل في مجال الدعوة، والتفاوض، والتعليم من أجل السلام، والحوار داخل وفيما بين الأديان، والدبلوماسية المكوكية، واللجان المحلية للسلام والوساطة.
ولقد أجريت سابقا البحوث التجريبية، إلى جانب البروفيسور اسحق سفينسون، التي تركز على جزء صغير جدا من هذه الجهات. وأدى هذا إلى الكشف عن 48 حالة من الوساطة الدبلوماسية الدينية في الصراعات المسلحة داخل الدولة الواحدة منذ عام 1989. وعملت هذه الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية من الأديان المسيحية، والإسلامية والبوذية كطرف ثالث في الوساطة بين الأطراف المتحاربة. وقد وجدنا أن النسبة الأكبر من هذه الجهود كانت ناجحة (55 في المائة) في التوصل الى اتفاق سلام مقارنة مع معظم الأنواع الأخرى من الوساطة في الحروب الأهلية. وقد تمت عشرة من هذه الحالات في منطقة غرب آسيا -شمال أفريقيا، بما في ذلك الوساطات التي جرت عام 2004 بين الحكومة العراقية والدولة الإسلامية في العراق، وجيش المهدي وأنصار الإسلام وقام بها البابا يوحنا بولس الثاني، وأعلى السلطات الدينية الشيعية في العراق بما في ذلك آية الله علي السيستاني. لماذا لا يمكن أن تشكل هذه الحالات نموذجا لبذل المزيد من الجهود في المنطقة؟
ويمكن أن توظف الجهات الفاعلة الدينية موارد مختلفة أكثر مما تقدر عليه الجهات الفاعلة العلمانية. فهي تشن السلام على جبهات مختلفة. على سبيل المثال، استخدم بعض الزعماء الدينيين على جانبي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي اللغة الدينية والنصوص والرموز لتجنيد المؤمنين من خارج المنطقة، مما أدى إلى تحويل النزاع المناطقي في الأساس إلى دولة دينية، ونزع الشرعية عن الهوية الدينية للطرف الآخر وارتباطه بالأماكن المقدسة. لذا، يؤدي كبار الزعماء الدينيين دورا حاسما في مواجهة هذه الديناميكية. وهم قادرون على اجتثاث هذه التأثيرات ونفيها، وإعادة تشكيل الهوية والمطالب الدينية.
وعلى سبيل المثال، درس البروفيسور الإسرائيلي اسحق رايتر الفتاوى (الآراء القانونية) التي قدمها المفتين (القادة الإسلاميين) في منطقة غرب آسيا -شمال أفريقيا. وتعتبر الشريعة الإسلامية ركبا ثقافيا هاما ومقبولا في معظم بلدان المنطقة. وقال انه تبين أن عددا من تلك الفتاوى تعتمد على الشريعة الإسلامية لتبرير ودعم اتفاق السلام مع إسرائيل. والبعض منها مهما بشكل لا يصدق، كتلك الفتاوى الصادرة عن مفتي مصر الذي قدم الدعم لاتفاق السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979.
وعلى عكس العديد ممن يشجبون دور الدين في الصراع، فإننا نضم صوتنا إلى اثنين آخرين حاولا مؤخرا لفت الانتباه إلى الدور الإيجابي الذي يمكن أن تقوم به القيادات الدينية وتعزيز زيادة شمولها. ومن الأمثلة على ذلك، الزيارة التي قام بها جيري وايت، نائب مساعد وزيرة الخارجية الامريكية في مكتب النزاعات وعمليات تحقيق الاستقرار، في أكتوبر الماضي إلى روما. وكان الهدف من الزيارة تشجيع النقاش حول معاهدة السلام بين الأديان، مشيرا إلى أنه بسبب ارتباط الكثير من أعمال العنف في العالم بالدين، فمن الواجب أن يكون الدين جزءا من الحل أيضا. الأبيض كما اعترف وايت ضمنيا بالدور الذي قام به البابا فرانسيس في العمل على خلق مساحة يمكن أن يتم من خلالها إجراء الحوار الفعال عبر الحدود، منوها إلى دور "الضلع الثالث" أو الوسيط المحتمل. وفي الواقع، تطرقت الرحلة "الدينية البحتة" للبابا فرانسيس إلى الأردن وإسرائيل وفلسطين في وقت سابق من هذا العام بشكل دبلوماسي إلى العديد من النزاعات في المنطقة.
وبالمثل، أوصى عوفر زالزبيرغ من مجموعة الأزمات الدولية (ICG) في وقت سابق من هذا العام بشمول الزعماء الدينيين بشكل أكبر في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، وخاصة في المفاوضات التي تتعلق بمسألة القدس. واقترح ضرورة استكشاف الخيارات التي قد تكون غير بديهية والتي تقدمها الجهات الدينية، مثل الفكرة التي طرحها الملك حسين عاهل الأردن والمتمثلة بإعلان الموقع المقدس لجبل الهيكل والحرم الشريف تحت السيادة الإلهية بدلا من أن تتبع سيادة أي من الطرفين. ويأتي ذلك بعد التقرير الصادر عن مجموعة الأزمات الدولية نهاية العام الماضي والذي حث المجتمع الدولي على دعم الحوار بين الأديان حول القضايا السياسية المتعلقة بمفاوضات السلام. وتعتبر التوصية الأخيرة أكثر بروزا نظرا للجهود الحالية لمجلس المؤسسات الدينية في الأراضي المقدسة حول الموقع المقدس لجبل الهيكل والحرم الشريف.
دعونا نأخذ قفزة إيمانية ونتأكد من الاستماع لأصواتهم الداعية إلى السلام.