هناك أسباب عديدة لكون مدينة معان الأردنية، الواقعة على بعد 220 كم جنوب العاصمة عمان مميزة ضمن السياق الوطني. إذ وصفت وسائل الإعلام الدولية مثل الإيكونوميست والجزيرة المدينة الجنوبية التي تحيط بها الصحاري الممتدة، بكونها "بؤرة لداعش".
ووفقا لصحيفة الفايننشال تايمز، يمكن اعتبار معان المعادل الأردني لمدن عراقية مثل الموصل وتكريت. وبسبب التهميش الحكومي والأوضاع الاقتصادية السيئة، اعتبرت المدن العراقية عرضة بشكل خاص لتأثير الجماعات المتطرفة. من المهم إدراك أن وضع معان ضمن هذه المجموعة من المدن خطير ومدمر.
خلال مناقشة جماعية جرت مؤخرا من قبل معهد WANA ورتبت من قبل جمعية أنور الخيرية، أشارت عينة من سكان معان بوضوح وعلى نحو غير مستغرب ربما، أنهم يكرهون ويرفضون هذه السمعة. ويشعر الكثيرون بأنه يتم تشويه المدينة في وسائل الإعلام، وتمثيلها بشكل غير عادل لما وصف من قبل أحدهم بأنها "مدينة كريمة وسخية".
وقالت امرأة مسنة شاركت في المناقشة: عادة ما يقولون إن هناك تطرف في معان، ولكن هذا ليس هو الحال، هناك رجال عاطلون عن العمل ولا علاقة لهم بأي شيء، وليس لديهم فرص لتطوير مهاراتهم، ما يجعلهم ينضمون "للجهاد" .
وبحسب الحكومة الأردنية، فإن أعلى معدلات البطالة المسجلة في البلاد هي في معان، حيث يبلغ متوسطها 17 في المائة تقريبا، ويعتقد أن الأرقام أقرب إلى 30 في المائة بالنسبة للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة. وتعد المحافظة أيضا أفقر محافظة في البلاد، حيث يعيش العديد من السكان تحت خط الفقر.
يعتقد العديد من أهل معان، أن السياقات الاقتصادية والاجتماعية تتحمل على نطاق واسع مسؤولية الروابط المزعومة مع التطرف. وبوجود تراث قبلي قوي وتاريخ من الخلافات مع الحكومة، هناك حالة واضحة من عدم الرضا، ولكن من المثير للاهتمام والضروري النظر فيما إذا كانت هذه الحالة تترجم إلى دعم داعش.
تعتقد جمعية أنور الخيرية أن 62 شخصا غادروا معان للقتال في سوريا والعراق بين عامي 2012 و 2013. إلا أن الجمعية تدعي أنه لم يكن هناك أي مجندين من معان في العام ونصف العام الماضي. وقد يكون هذا نتيجة لازدياد الاشمئزاز وخيبة الأمل من تكتيكات داعش المتطرفة، على الرغم من أنه قد يعكس أيضا عدم رغبة السلطات في التصريح عن الأرقام ذات الصلة.
وأوضح مدير الجمعية: "هناك أشخاص لديهم أفكار راديكالية في المدينة، ولكن ليس بالضرورة أن ينشئوا أو ينضموا لمجموعة متطرفة". ظهرت هذه الأفكار المتطرفة في السنوات القليلة الماضية في احتجاجات صغيرة رفع فيها علم داعش. وكانت هناك أيضا حالات من التأييد لداعش بالكتابة على الجدران وتزين المدينة القاحلة برسومات غرافيتي مناصرة للتنظيم. ما جذب انتباه وسائل الإعلام الدولية قبل أن تقوم السلطات بمسح هذه الرسومات.
من السهل أن نرى كيف قفزت الرموز الصغيرة، مثل الأعلام ورسوم الغرافيتي، على أنها ربما مؤشرات لمشكلة صاعدة ومتنامية في المدينة، ولكن بأخذ الأرقام في الاعتبار، فإن عدد من يتصرف حسب هذه المؤشرات يبدو ضئيلا. وربما كان هذا الاختلاف بين التطرف الأيدولوجي والسلوكي، والذي يشكل جوهر عملية سوء تمثيل معان. هناك وجود واضح من التفكير المحبط والراديكالي إلى حد ما، ولكن الغموض يكتنف ما إذا كان هذا التفكير يتضمن بالضرورة التغاضي عن السلوك العنيف.
يعتقد الكثيرون في معان أن داعش لا يمثل تفسيرا صحيحا للاسلام، وأن الذين يقتنعون بالانضمام هم في كثير من الأحيان، وإن لم يكن في جميعها، غير متعلمين ومضللين. وأشار العديد من المجيبين إلى الدعم العملي الذي تعد به داعش المقاتلين على أنه السبب المرجح الذي يجذب الأفراد للالتحاق. وقالت امرأة شابة من النقاش: "إنهم يقدمون الرعاية لأسرهم، ويعدونهم بالزواج، والناس يائسون".
وشارك شاب من معان فهمه لتكتيكات التوظيف في داعش: "تستخدم داعش نهجا إعلاميا يطرحون فيه ثلاثة أسئلة لا يمكن أن تجاب إلا بنعم. يسألون "ألستم محبطين مما يحدث في سوريا؟" نعم. "ألا تعتقد أن على الدول العربية أن تفعل شيئا؟" نعم. "هل رأيت كيف يعاني الناس؟" نعم. ثم تجيب داعش: "حسنا هؤلاء هم المسؤولون، عليك مهاجمتهم". مرة أخرى، تركز نقاط الضغط وتتلاعب على الشؤون الحالية والعناصر السياسية المعارضة للعقيدة الدينية.
ظهرت في إحدى أحدث مقاطع الفيديو التي تم إنتاجها من قبل داعش، والتي نشرت في أوائل شهر نيسان/أبريل، عمليات قطع رأس وحشية لأربعة سوريين تم تدريبهم من قبل الأميركيين بالتعاون مع الجيش الأردني. وفي إطار الفيديو حاولت داعش على وجه التحديد الوصول إلى أفراد العشائر المختلفة للانضمام إلى دعوتهم.
يمكن أن يؤثر هذا النوع من الدعاية على المحافظات المحرومة التي لها إرث عشائري قوي، مثل معان. ومع قربه الجغرافي من الضفة الغربية والمملكة العربية السعودية وسوريا، ينظر الكثيرون –ومن ضمنهم داعش- إلى الأردن كمحاور هام في المنطقة. وهو موقف يمنحه وزنا سياسيا على الصعيد العالمي، ما يتعارض –ربما- مع قوته الاقتصادية.
يتضح مما سبق أن معان معرضة للقوى الخارجية وتحوي العديد من الإحباطات العميقة الجذور، ولكن ربط هذه العوامل تلقائيا مع التأثيرات الراديكالية سيكون وفقا للسكان، خطأ. بدلا من ذلك، من الواضح تماما أن معان تحتاج إلى دعم على شكل تدابير أمنية إنسانية. من المطلوب بشدة وبشكل حيوي فتح مخرج للشباب المحبطين. لا تبدو فرص العمل والصوت السياسي وسبل العيش اليومية، بالنسبة للكثيرين في معان أمورا متاحة حاليا.
إذا نجحت داعش بالفعل في خلق المتعاطفين والمجندين المحتملين في معان، فقد يرجع ذلك إلى أن المجموعة توفر فرصا في بيئة لا يزال خلق الفرص فيها بعيد المنال.