تصاعد التطرف العنيف في السنوات الأخيرة ليصبح من أكثر المخاطر الأمنية تعقيدا في زمننا الحالي. بالرغم من الاجماع حول ضرورة التصدي للتطرف العنيف الا أن هناك صعوبة في التطبيق. تتجه الجهود الحالية إلى وضع برامج شاملة لبناء المرونة وخلق سياق بديل ومغاير (إجراءات وقائية) للانضمام للمجموعات المتطرفة والعنيفة، اذ يتراوح نطاقها من رد عسكري (أثناء الحدث) إلى تقديم خدمات إستشارية لأسر وأصدقاء المُجندين وبرامج إعادة التأهيل لإعادة إدماج العائدين منهم (بعد الحدث).
تعددت البرامج، و لكن تخلو معظمها من النهج المبني على البراهين والشواهد الداعمة للتطبيق، وآليات المُتابعة والتقييم لفهم اثر الإستجابات في تخفيض التجنيد لصالح أعمال العنف.
تدعو ديناميكية المنطقة السياسية والإجتماعية، وتاريخها الحافل بالأزمات، إلى تطوير آليات للتعامل مع هذه التهديدات الديناميكية وتطوير إستراتيجية لمكافحة التطرف العنيف (CVE)، بحيث أن تكون موائمة لطبيعة منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا.
تكمن مشكلة إستراتيجية مكافحة التطرف العنيف الحالية في تركيزها شبه الحصري على مجموعات التطرف العنيف الدينية مُتجاهلة الدوافع الأخرى. يتأثر الكثير من الأفراد بالفكر المُتطرف فينضموا إلى الجماعات المُتطرفة العنيفة على أساس مُعتقدات فلسفية مبنية على فهم مُشوة للأديان. بينما ينضم آخرون إلى الجماعات المُتطرفة العنيفة لتعزيز التغيير السياسي والإجتماعي معتقدين أن إنضمامهم لصفوف القتال يحمي أسرهم، او للهروب من بيئة محدودة الفرص للتقدم الإجتماعي أو الإقتصادي.
توفر المجموعات المتطرفة العنيفة بدائل للمصاعب السياسية والإقتصادية للفئات والمجتمعات المُهمشة. بينما ينجذب الآخرون إلى عنصر المغامرة. و لكن لن تحقق الجهود المبذولة مآربها ولن تستطيع خلق بيئة مناهضة لجذب المجموعات المتطرفة العنيفة دون سياسات علاجية للدوافع الإقتصادية والإجتماعية.
و بينما تحتوي إستراتيجية مكافحة التطرف العنيف الشاملة على اجراءات مثل تضيق الخناق الأمني وتحسين جمع المعلومات الإستخبارية والتطبيق الصارم للقانون، الا أن هذه الاجراءات وحدها لا تكفي. لا تُساهم طبيعة إستراتيجية مكافحة التطرف العنيف العالمية، بما فيها منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا، في تمكين قادة المُجتمع والمبادرات المجتمعية ومشاركاتهم في بناء قدرات تحمُّل المُجتمعات ومرونتها. يجب بناء ومواءمة جهود إستراتيجية مكافحة التطرف العنيف من خلال قيادات المُجتمعات المحلية وإشراكها. تلعب قيادات المجتمعات المحلية دورا هاما في إكتشاف وتحديد مراحل التطرف الأولى وإدراك المخاطر قبل تفاقمها.
والأهم من كل هذا ضرورة توجيه جهود إستراتيجية مكافحة التطرف العنيف في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا نحو الأفراد في جميع مراحل التطرف العنيف. اذ يتطلب هذا فهما مُتقدماً ومُعقداً لعقلية الشخص المتطرف. الإنتماء إلى جماعات دينية أو عرقية أو إجتماعية أو إقتصادية لا تؤدي إلى التطرف إذ لا وجود لمجتمعات مُتطرفة بل أفراد مُتطرفون متُأثرون بدوافع وديناميكيات تختلف من شخص إلى آخر. ولذلك يجب على المجتمع - بما فيه العاملين في القطاع الحكومي وغير الحكومي، توفير حلول سريعة للأشخاص المعرضين للمخاطر. علينا إمدادهم بخيارات تغنيهم عن خيارات العنف وإمداد يد العون لهم لاعادة دمجهم في المجتمع الاردني.
لبناء فهم شامل للدوافع الفاعلة، على الإستراتيجيات أن تنظر إلى ما بعد الدوافع الفكرية و تحليل الدوافع النفسية والإجتماعية والإقتصادية والظروف السياسية والمناهج التعليمية ودور الدعاة و استخدام مواقع التواصل الإجتماعي كوسيلة للتجنيد.
خلال السنوات الثلاث القادمة، سيقوم معهد غرب آسيا وشمال إفريقيا بجميع الجهود المذكوة أعلاه لمكافحة التطرف العنيف. و من خلال شراكات مع الإتحاد الأوروبي، الوكالة الألمانية للتّعاوُن الدُولي (GIZ)، والحكومة الهولندية، سيتم تطوير قاعدة تضم شواهد وبراهين علمية لدوافع التطرف العنيف بإستخدام آلية رصد الطريق المُبتكرة (Journey Mapping) بالإضافة إلى مراجعة المناهج المدرسية وتحليل حسابات على مواقع التواصل الإجتماعي و دراسة برامج الأمن الانساني في الاردن ولبنان ومصر وتونس. توفر القاعدة البحثية المبنية على البراهين والشواهد، المعلومات اللازمة لتطوير البرامج والنشاطات التطبيقية الوقائية لمكافحة التطرف ومنع تصاعده نحو العنف و وضع توصيات سياسات عامة لتحسين الأمن الإنساني في المنطقة.
أي عسكري استراتيجي يعرف أن هزيمة العدو تتطلب معرفة ذلك العدو. لكننا لم نصل حتى الآن إلى فهم ومعرفة واضحة لتهديدات التطرف العنيف مما أدى إلى وجود إجراءات مُكافحة مبنية على الإفتراضات. هناك حاجة ماسة لوجود استراتيجية مصممة و مبنية على البراهين و الشواهد لمكافحة التطرف العنيف، و الأبحاث الحثيثة حول التطرف العنيف هي المعركة الأولى في الطريق لقهره.