يصادف السادس والعشرون من اب 2015 مرور عام على الهجوم العسكري الذي استمر 51 يوم على قطاع غزة حيث خلف 2251 قتيلا فلسطينيا من بينهم 551 طفلا.
اجتمع المجتمع الدولي في القاهرة في شهر تشرين الثاني الذي اعقب وقف اطلاق النار وتعهد بمبلغ 5.4 مليار دولار من اجل اعادة الاعمار. في شباط من هذا العام, وقد تم جمع فقط 5% من هذا المبلغ, وفي تموز تلقت الأونروا تمويلا كافيا لإعادة بناء 200 بيت فقط من اصل 7000 بيت مهدم كانت المنظمة متعهدة ببنائها. بقي 100,000 من سكان غزة بلا مأوى. قدرت منظمة اوكسفام ان اعادة الاعمار ستستغرق قرنا لإكمالها وفقا للمعدل الحالي.
كبر الاطفال في ظل عنف متكرر على مدار ثلاثة صراعات خلال السنوات السبع الاخيرة. وارتفعت البطالة الابوية والتشرد في غزة, بالإضافة الى الجهود الرسمية لإصلاح المستشفيات والمدارس حيث تضخمت تأثيرات الصدمات النفسية. وما زالت عمليات اصلاح البنية التحتية للمياه متوقفة لغاية الان.
يتمثل التحدي الرئيسي ان اسرائيل هي التي تسيطر على ما يسمح بدخوله من بضائع الى القطاع. وفقا الى المنظمة الخيرية البريطانية, والمعونة المسيحية, سمح بإدخال ما نسبته ا % فقط من المواد الضرورية الى القطاع, حتى مع اقل التوقعات تفاؤلا تكون عادة 10 بالمئة. ثم انشئت اساليب لتسهيل اعادة الاعمار- تشمل الامم المتحدة التي توسطت الية اعادة اعمار غزة- وعلينا ان نغفل عما يراه بعض المعلقين كمفارقة رئيسة وهي: أن اعادة بناء غزة تتطلب الاعتماد والتعاون مع كيان تنقصه الحماسة في احسن حالاته، وفي اسوء حالاته يكون معاديا, لتحقيق هذا الهدف. سواء قبل احدنا بالتبرير الاسرائيلي، ومفاده ان واردات الاسمنت يمكن استخدامها لإعادة بناء الانفاق او عبارة عن اتهامات لمعاقبة حماس اقتصاديا, لا يستطيع احد ان ينكر ان الضحايا الرئيسين هم سكان غزة.
يطرح هذا الوضع تساؤلا، وهو ماذا تتحمل الدول الملتزمة بإعادة الاعمار عند حدوث العمل العسكري- وخصوصا ان هناك طرفا غير متكافئ عسكريا، او ربما في بعض الحالات ما يسمى بالحرب غير النظامية (عند حدوث العمل العسكري بدون تفويض من مجلس الامن للأمم المتحدة)
يفترض المحرضون على الحرب أن مسؤولية إعادة الإعمار كانت موجودة مسبقا , ولكن مثل هذه الحالات تتعارض، و غالبا ما يكون لدى الاطراف الرئيسة لإعادة الاعمار اهتماما استراتيجيا للعب دور معين. فمن الامثلة التي تتضمن عنصر "القلب والعقل" لهدف العسكري، الغزو الامريكي للعراق وأفغانستان, او أن يكون هناك عنصر الاهتمام الذاتي, ففي اعقاب حرب البلقان لم تكن كل من اوروبا و امريكا تريدان أن تريا انتكاسة الصراع الذي يمكن ان يؤدي الى تدفق جماعي لللاجئين داخل اوروبا. وقد رأى البعض ان المجتمع الدولي ملزم اخلاقيا لتحمل تكاليف اعادة الاعمار التي اعقبت تدمير تيمور الشرقية 1999, على الرغم من الضرر الذي أحدثته اندونيسيا.
تناقش انطونيا تشيس معيار اهمية مكاسب الامن الانساني في ان يكون هناك تغيير ملحوظ في الاخلاقيات نحو التزام اعادة البناء. ففي عام 2001 صاغت اللجنة الدولية حول التدخل وسيادة الدولة مفهوم مسؤولية الحماية. تتطلب مسؤولية الحماية- كما اصبحت تعرف R2P- من المجتمع الدولي ان يستجيب لأزمات الامن الانساني والمساعدة في انهائها من خلال الاطار القانوني لميثاق الامم المتحدة. وكانت مسؤولية اعادة البناء "جزء لا يتجزأ من هذه الصياغة" حتى تم حذفها عندما تم اعتماد مسؤولية الحماية بشكل نهائي خلال مؤتمر قمة الامم المتحدة عام 2005 وتمت الموافقة لاحقا بموجب قرار الامم المتحدة رقم 1674.
وهكذا فعلى الرغم من الامور السابقة, وبناء على اسس اخلاقية واضحة ووعي متطور, لا يوجد التزام قانوني يلزم المتدخلين العسكريين بإعادة البناء بعد التدخل العسكري، مثل حالة غزة, ومن المستهجن اخلاقيا ان الكيان المسؤول عن التدمير قادر على ترك الالاف بدون مأوى وتدمير الاقتصاد مما يؤدي القدرة على انتاج الغذاء.
وقد رأينا سابقا ان طبيعة الحرب تغيرت بشكل كبير حيث اصبحت وسائل النظام الدولي قديمة وان قضية الجهات غير الحكومية المسلحة وتدويل النزاع بحدود غير واضحة وزيادة معدلات العمل العسكري خارج ميثاق الامم المتحدة تذكرنا جميعا ان قوانين الحرب تفشل في حماية الضحايا الرئيسين. وربما حان الوقت ان نضيف الى هذه القائمة قضية مسؤولية اعادة الاعمار لما بعد النزاع. تشهد الخبرات في العراق وافغانستان ان الطريقة التي تتم بها اعادة الاعمار لها اثر عميق على السلطة الحاكمة الشرعية والمضمون الشعبي، وتعد اعادة الاعمار هي المفتاح لجميع ابعاد الانتعاش الاقتصادي. ويجب الاخذ بعين الاعتبار الروابط الراسخة التجريبية بين الانتعاش الاقتصادي وانتكاسة النزاع و يفترض أن تعطى هذه المسألة الاولوية من قبل المجتمع الدولي.
في وقت مبكر من هذا العام نافش صاحب السمو الملكي الامير الحسن بن طلال فعالية نظام العدالة الدولية وانها تتوقف على ثقافة التواصل على اساس الفهم المشترك. ولم تطور هذه اللغة بناء على التفسير القانوني الضيق لحقوق الانسان فحسب، بل من خلال التزام اوسع بالحقوق الانسانية. ودعا الى توسيع مدى القانون الدولي ليشمل "قانون السلام" الذي يمكن ان يحتوي على مجموعة قوانين ترتبط مباشرة بالرفاهية الانسانية بحيث تتضمن التزام اعادة الاعمار. وقال صاحب السمو الملكي "لقد امضينا كثيرا من وقتنا ومصادرنا في نقاش كيفية شن الحرب". وفي المقابل قال سموه " الان واكثر من اي وقت مضى نحتاج الى ان نتحدث عن كيفية خوض السلام"