يجيب القنصل البريطاني العام في القدس سابقاً، سير فينسينت، على تساؤلاتكم حول الدولة الفلسطينية في المجموعة الثانية من سلسلتنا التي تعرض رأي الخبير الضيف. ويبحث فيما إن كان الاعتراف بالدولة الفلسطينية يساهم في تحقيق الغرض السلمي أو هو مجرد رمزية، وما هو التوقيت الأمثل لمثل هذه الخطوة؛ فإما أن تكون باكورةً للمفاوضات أو تتحقق بعد أن تتوصل المفاوضات إلى نتيجة ملموسة؟
اعترفت أكثر من 130 دولة من الدول الـ 193 العضو في الأمم المتحدة بدولة فلسطين؛ أي ثُلثي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما فيهم الهند والصين وروسيا والبرازيل، ثم انضمت لهم السويد كآخر دولة تعترف بدولة فلسطين في شهر أكتوبر الماضي. ما هي دولة فلسطين التي اعترفوا بها؟ يشير الجدل الحالي إلى أنها تلك الدولة القائمة على حدود ما قبل عام 1967 (الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية). لقد اعترفت الأغلبية الساحقة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بشكل صريح تماماً بإسرائيل، حسب افتراض نسبة 78 بالمئة من الانتداب الفلسطيني؛ أي اسرائيل قبل عام 1967. واخترت هنا أن أقول "حسب افتراض"، ذلك أنه في حال رغبت إحدى الدول بالاعتراف بالأخرى، لا تحتاج الاعتراف بحدود تلك الدولة. عندما اعترفت المملكة المتحدة بإسرائيل عام 1950، لم تعترف الحكومة حينها بالحدود أو بالعاصمة؛ فبالنسبة لنا وللمجتمع العالمي، يظل تحديد وضع القدس معتمداً على المفاوضات الجارية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مع تصديق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على النتيجة.
وفي حين أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هو المُحرك الأساسي في الأمم المتحدة، تُعتبر الجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة هي المكان الذي يشعر فيه الفلسطنيون بالطمأنينة أكثر كما لو أنهم في وطنهم، فهناك حيث نالت اعتراف ثُلثي الأعضاء. صوّتت الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نوفمبر 2012 على الاعتراف بدولة فلسطين على أنها دولة مراقب غير عضو. ولهذا السبب، وضمن إطار العمل في الأمم المتحدة، تُعدّ فلسطين دولة، تتمتع بإمكانية الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية جنيف الرابعة، والهيئات خارج الأمم المتحدة مثل المحكمة الجنائية الدولية. وهذا بالضبط ما تقوم فلسطين بفعله.
لقد أصبح هناك دولة فلسطينية للاعتراف بها الآن، دولة قائمة على حدود عام 1967. وتمثل فيها السلطة الفلسطينية على أنها السلطة الشرعية في كل من غزة والضفة الغربية. فالمسألة الآن لا تبحث في الاعتراف بحماس أو فتح أو أي حزب فلسطيني عند الاعتراف بالدولة بحد ذاتها. كما أن الاعتراف لم يعد قائماً على وجود قائد سياسي محدد لفلسطين؛ فالمملكة المتحدة تعترف بالدول، وليس بالحكومات. يتمثل موقف الحكومة البريطانية بأن "الهيئة الفلسطينية تُلبي إلى حد كبير معايير العضوية في الأمم المتحدة، بما في ذلك وجود كيان الدولة للحدّ الذي يسمح فيه واقع الحال في المناطق الفلسطينية المحتلة".
يتسم موقف المملكة المتحدة وفرنسا حول الاعتراف ثنائي الجانب بأهميته الكبيرة، ذلك أن هاتين الدولتين ساعدتا في تحديد شكل بلدان المنطقة، ولأننا بين الدول دائمي العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يراقب الآخرون ما نفعله، وربما يقتدون بنا.
وفي نوفمبر 2011، اعتبر وزير الخارجية آنذاك أن للمفاوضات ضرورة جوهرية، و"هذا يتضمن استعداد الحكومة الإسرائيلية لتقديم عرض أكثر حسماً عما كانت مستعدة لتقديمه في السابق". وأترك لكم لتقرروا فيما إن كانت إسرائيل قد قدمت ذلك العرض الحاسم. إن إسرائيل تستحوذ على معظم البطاقات في هذه المفاوضات الجوهرية: فهي تسيطر على كافة الحدود، باستثناء معبر رفح من غزة إلى مصر، وتفرض سيطرتها العسكرية، كما لا يُسمح للفلسطينيين بأي تنقلات دون إذنها، وتسيطر على الموارد المائية وحتى على شبكة الانترنت في المناطق الفلسطينية المحتلة، حيث منعت وصول شبكتي الجيل الثالث والجيل الرابع لأسباب "أمنية"، إلا عن المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الضفة الغربية.
هل الاعتراف بفلسطين عمل موجّه أم أنه مجرد رمزية؟
يتصف الاعتراف بدولة فلسطين بأنه عمل موجّه ورمزي في آن واحد. دعونا نبدأ بأثره على البلدان التي اعترفت بدولة فلسطين، كما في بلدي أنا، المملكة المتحدة. نقول بأننا ندعم حقوق الإنسان والقانون الإنساني العالمي بكل جدية، وأنا شخصياً، أؤمن بأننا ندعمها. ومن خلال اعترافنا بدولة إسرائيل عام 1950، قمنا بنسب تلك الحقوق والمسؤوليات إلى إسرائيل فقط: حق العيش بأمان وحرية، ومسؤولية الالتزام بسيادة القانون الدولي والذي كانت المملكة المتحدة قد ساعدت بوضعه. تتمتع إسرائيل بهذه الحقوق، بما فيها حق الدفاع عن النفس، وتؤكد حرصها على التمتع بتلك الحقوق. وهنا يُثار السؤال عن الحقوق وعن المساواة بموجب القانون. فإن للفلسطينيين الحقوق والمسؤوليات ذاتها، والاعتراف بالمستحقات على ذات الأساس، حيث التوقع الواضح بأنها سوف تلتزم بالقانون الدولي، وتتحمل العواقب الناجمة عن إخفاقها بذلك الالتزام. إن الاعتراف بفلسطين جنباً إلى جنب مع إسرائيل يمنحنا شعوراً بالمساواة، حيث يُمكّن من تطبيق نهج متساوٍ اعتمدته المملكة المتحدة لحلّ النزاع، وعرض إجابة حتميّة لكل من يتهمنا بازدواجية المعايير في تعاملنا مع الإسرائيليين ومع الفلسطينيين.
أما تأثيره على الفلسطينيين فهو بث الأمل إلى المؤمنين بأن اللاعنف واحترام القانون والمؤسسات الدولية والأمان والتعاون مع إسرائيل ومبدأ المفاوضات قادرٌ على تحقيق النتائج على الرغم من الوقائع المؤلمة في عالمنا اليوم. لا يمنح هذا الاعتراف أي دعم لمبدأ حماس الخاطئ والمستحيل بوجود دولة واحدة فقط تمتد من البحر المتوسط إلى نهر الأردن؛ فكيف يمكن لاعترافنا بدولتين أن يُسّهل من الوصول إلى دولة واحدة تتطلع إليها حماس من طرفها، ومن الطرف الآخر تعتبرها إسرائيل حقاً لها؟ إن الغرض من الاعتراف بدولتين هو تقريب الفجوة أثناء التفاوض للتوصل لحل يتضمن وجود الدولتين.
وعلى صعيد آخر، تتجلى هناك صعوبةً أكثر في تقييم الأثر على إسرائيل. فهناك جدل بأن الاعتراف بفلسطين عند حدود عام 1967 يُعزز ويؤكد على الاعتراف بإسرائيل عند حدود عام 1967، دون أن يتعلق بأدنى حد بإزالة الشرعية من دولة اسرائيل؛ فالاعتراف بدولة ثانية في حل ينطوي على دولتين لا يشمل انتزاع أي شيء يخص الدولة الأولى. بل على النقيض، إن هذا الاعتراف يسهم في تمهيد الأساس القانوني والسياسي نوعاً ما لمنصة لابد وأن تستند عليها المفاوضات، وتعمل على تقريب التوصل إلى نتيجة عادلة ومتساوية كوليدة للمفاوضات التي تُعنى بتعزيز أمن الشعبين؛ وهذه هي النتيجة الوحدية التي ستدوم.
الاعتراف بالدولة قبل اكتمال المفاوضات بنجاح أو بعدها؟
هل ينبغي علينا انتظار نتيجة نجاح عملية المفاوضات؟ إني اعتمد وجهة النظر النموذجية، فالمحاولات الكثيرة للوصول إلى حل جوهري من التفاوض قد أخفقت في التوصل إلى نتيجة دونما اعتراف المملكة المتحدة بدولة فلسطين. لماذا ينبغي لاعترافنا الآن أن يكون مسؤولاً عن الفشل في أية جهود لاحقة؟ يجب علينا أن نقوم بما نؤمن أنه الصحيح، مع التزامنا بالقانون الدولي أثناء القيام بذلك. هل سيُسهم ذلك الاعتراف بالحث على إجراء مفاوضات حقيقية؟ يعتمد هذا على الطرفين. بيد أن هناك حقيقة واحدة جلية، تنص على أن: الطرفين، وجميع من اعترف بدولة فلسطين، يدركون بأن هذا العمل وحده لن يُنهي الاحتلال الذي بدأ عام 1967؛ بل وحدها المفاوضات من ستحقق ذلك.
لا أصدق ذريعة أن الاعتراف من قبل المملكة المتحدة بدولة فلسطين سوف يدفع الفلسطينيين إلى العزوف عن التفاوض؛ بل أؤمن بأن الرئيس عباس سوف يقبل بالمفاوضات في ظل وجود لإطار عمل ثابت يحدد تلك المفاوضات في قرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع، والقائم على قرارات سابقة لمجلس الأمن، رقم 242، 338، 1850 و1860، فهذا الأخير، القرار الممول من المملكة المتحدة قد حقق للأسف إنهاءً مؤقتاً للنزاع في غزة عام 2009، والذي شهدنا بعده نزاعين اثنين في غزة. إن المفاوضات على أساس راسخ هي وحدها من ستتمكن من تجنب حدوث نزاع رابع.
المستقبل
يعتمد إلى حدّ كبير على نتيجة الانتخابات في كل من إسرائيل بتاريخ 17 مارس وبريطانيا بتاريخ 7 مايو. أُعلّق الآمال على أمرين اثنين: بأن يختار جمهور الناخبين في إسرائيل قادةً يرون الخَيبة والخطر الذي سيلحق بإسرائيل من مشروع الاستيطان غير الشرعي، وبأن تقرر الحكومة البريطانية التالية الاعتراف بدولة فلسطين على الفور بالاتفاق مع فرنسا. لا أتوقع أكثر من هذا التطور الإيجابي؛ حيث سيحظى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذا العام باستعادة دوره المشروع كوسيلة لمعالجة هذا النزاع، وذلك من خلال التوصل إلى قرار متفق عليه بالإجماع، نرسم من خلاله ملامح إطار تلك المفاوضات الجوهرية. إنها أفضل فرصة لنا للتفاوض على أساس عادل وآمن وسلمي، قائم على الاحترام المتبادل والكرامة الشخصية. في هذه الأثناء، يعتبر الاعتراف بالدولتين في الأرض المقدسة فرصتنا لإعادة اكتساب التوازن من خلال منح فلسطين في 2015 الحقوق والمسؤوليات ذاتها التي أُنعمت بها اسرائيل قبل 65 عاماً.
هذه المقالة نسخة معدّلة عن الخطاب الأخير الذي قدمه سير فينسينت فين في كلية لندن للاقتصاد.