يزداد شعور السكان في جميع أنحاء العالم بآثار تغير المناخ. ويتوقع البنك الدولي أن تصبح بعض المدن غير قابلة للعيش فيها، وأن تنخفض قابلية الزراعة وتتفاقم الضغوط على موارد المياه الشحيحة بالفعل، ما قد يزيد من الهجرة وخطر الصراع. شكل توقيع اتفاق باريس في تشرين الأول / أكتوبر 2016 خطوة هامة إلى الأمام لتعزيز الاستجابة العالمية لخطر تغير المناخ، والجهود المبذولة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة.
يجمع اتفاق باريس بين نهجي من القمة إلى القاعدة ومن القاعدة إلى القمة في التعامل مع القضايا، ويشمل الفاعلين من الجهات الحكومية وغير الحكومية. ويدعو الاتفاق الدول إلى إبقاء درجات الحرارة العالمية مرتفعة فوق درجتين مئويتين في هذا القرن، على أمل زيادة الدفع نحو ارتفاع 1.5 درجة مئوية. ويطلب من البلدان أن تضع أهدافا طموحة من خلال طرح المساهمات المحددة وطنيا (NDCs)، والإبلاغ عن انبعاثاتها من الغازات وجهود الحد منها.
لا يخلو اتفاق باريس، أول اتفاق شامل بشأن المناخ من الانتقادات. فهو يدعو جميع البلدان إلى تقديم مساهمات طموحة، إلا أن هذه المساهمات غير ملزمة. ولا توجد آلية لإجبار بلد ما على وضع لجان استراتيجية وطنية، ولا تلبيتها في فترة زمنية معينة. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة المعني بتغير المناخ اتفاق باريس بأنه "اسم وخطة تشجيع"، وليس سوى عملية تحفيز.
خلال ورشة عمل مع شبكة العمل المناخي (CAN) -العالم العربي، التي عقدت في لبنان في شهر آذار/مارس الماضي، كرر الخبراء التحديات التي تواجه توسيع الطاقة المتجددة في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا. وأعربوا عن أسفهم لأن العائد على الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة لا يزال منخفضا في بعض البلدان. ما يقلل الحافز للاستثمار فيها. علاوة على ذلك، فإن مصادر الطاقة المتجددة الأكثر شيوعا (الرياح والطاقة الشمسية) عرضة للأوضاع المناخية، إضافة للتحديات التي تواجه تخزينها.
قد يكون تحقیق المساھمات المحددة محليا صعبا، إلا أن بعض التقدم أفضل من عدم إحراز أي تقدم علی الإطلاق. وهذا هو السبب في عدم وجوب النظر لاتفاق باريس باعتباره "نهجا شاملا أو لا شيء"، وإنما كعملية تدريجية نحو التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه.
من الممكن أن لا تصل البلدان إلى مساهماتها المحددة وطنيا، أو إلى هدف الدرجتين مئويتين. ولكن يمكننا على الأقل أن نجد العزاء في فكرة أن الدول في جميع أنحاء العالم التزمت للمرة الأولى في تاريخ تغير المناخ باتخاذ خطوات إيجابية في معالجة تغير المناخ قبل فوات الأوان.
داخل منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا، تفتقر العديد من السياسات الوطنية إلى الحوافز المطلوبة لتنمية سوق الطاقة المتجددة. إلا أن هناك ضوء في نهاية النفق يتمثل في الحملة الشاملة التي تدفع إلى زيادة مصادر الطاقة المتجددة لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وعلى الرغم من أن البلدان النامية لديها أصعب الخيارات التي يتعين اتخاذها فيما يتعلق بالموارد المالية والإنفاق، فإن طموحات التمويل الجديدة لما بعد عام 2020 لصندوق المناخ الأخضر - وهو صندوق في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ يهدف إلى مساعدة البلدان النامية - ستدعم ممارسات التكيف والتخفيف مكافحة تغير المناخ.
ويظهر التقرير الثاني الذي أعده برنامج الأمم المتحدة للبيئة "الائتلاف العالمي" (Gigaton Coalition) خطوات إيجابية نحو سد فجوة الطاقة النظيفة عن طريق إشراك البلدان النامية في مشاريع كفاءة الطاقة. وهو يبين أن عددا من مشاريع الطاقة المتجددة المدعومة دوليا في البلدان النامية التي نفذت بين عامي 2005 و 2015 لها القدرة على خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنحو 0.116 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2020. وإذا تم استخدام التمويل المناخي بشكل مناسب ورفعه إلى 25 مليار دولار أمريكي سنويا بعد عام 2015، يتوقع التقرير أن يتم بلوغ هدف 1 غيغا طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 2020.
وعلى الرغم من التحديات الإنسانية والتنموية العديدة التي تواجه منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا، فإن البلدان ملتزمة بالعمل معا للتخفيف من تغير المناخ والتكيف معه. وتواجه معظم الاقتصادات احتياجات متغيرة وصعبة من الطاقة، مما يهدد بشكل مباشر النمو الاقتصادي في المستقبل. ومع تزايد الطلب على الطاقة، واستنزاف موارد الطاقة غير المتجددة، والآثار السلبية لتغير المناخ، فإن الطاقة المتجددة هي سيناريو مربح للجميع. وفي حين أن بلدان المنطقة قد تتخذ خطوات فردية صغيرة في ملفاتها المتعلقة بالطاقة المتجددة، فإن بذل جهد جماعي قد يساعدنا على تحقيق هدفنا المشترك.