تغيير النظام في اليمن وليبيا: من دولة ضعيفة الى العنف
شهدت أربعة بلدان تغيير النظام خلال المظاهرات العربية: مصر، تونس ,اليمن وليبيا. بالرغم من أن هذه البلدان عانت من الاستبداد على مدى عقود،الا أنه منذ البداية كان واضحا أن التحولات سوف تتطور بشكل مختلف تماما في اليمن وليبيا عنه في مصر وتونس. فكانت كل من مصر وتونس موحدة أكثر بالقومية ومهيئة أكثر للانتقال في السلطة.وحتى قبل الثورات، كانت ليبيا واليمن غير مستقرتين، وبسبب هذه الدول الضعيفة كان التغيير في القيادة متبوعا بالانزلاق الى العنف.
ليبيا
بدأت تجربة ليبيا في الربيع العربي باحتجاجات ضد 42 عاما من حكم العقيد معمر القذافي في بنغازي في شباط 2011, وعندما أطلقت قوات الأمن النار على المتظاهرين، اشتعلت المظاهرات في جميع أنحاء البلاد. وبحلول شهر اذار، قرر المجتمع الدولي التدخل: سمح قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 للدول الأعضاء "باتخاذ جميع التدابير الضرورية ... لحماية المدنيين والمناطق الآهلة بالسكان المعرضين لخطر الهجوم" وفرض منطقة حظر جوي في ليبيا1.
سيطرت قوات المتمردين بمساعدة الناتو في شهر اب على طرابلس. وبعد شهر، اعترفت الأمم المتحدة بالمنظمة السياسية للمتمردين والمجلس الوطني الانتقالي , كحكومة مؤقتة في ليبيا. و تم القبض على القذافي وقتل في نهاية أكتوبر،لكن تركت عقود الانقسام والحكم الفاسد ارثا مدمرا.
ولفت قانون الانتخابات الذي صاغه المجلس الوطني الانتقالي انتباه الانتقادات الدولية الفورية بسبب تقييده لحدود التصويت2. ولكن كان من الممكن لأي قانون إنتخاب يمكن أن يفشل نظرا للتحديات الهائلة التي تواجه البرلمان المنتخب حديثا والذي جاء إلى السلطة في آب 2012. حتى أن القذافي كان قد كافح كثيرا للسيطرة على أراضي شرق ليبيا المتمردة، و من دونه، تحدت الميليشيات القبلية المتحاربة أي مظهر من مظاهر القومية الليبية.
بلغ الوعي الدولي للعنف في ليبيا ذروته مع الهجوم على القنصلية الامريكية في بنغازي يوم 11 أيلول 2012، ولكن الاقتتال الداخلي كان مستمرا.ثم تم اختيار خامس رئيس للوزراء في ليبيا منذ سقوط القذافي في أيار 2014؛ والتقى رئيس الوزراء معارضته المباشرة3.
استولت بعد ذلك منظمة ميليشيا تسمى فجر ليبيا على العاصمة الليبية طرابلس في آب 2014 ودعمت المؤتمر الوطني العام كحكومة منفصلة. واضطر البرلمان المعترف به دوليا ورئيس الوزراء الى الإنتقال إلى طبرق في شرق ليبيا4، تاركين ليبيا تحت حكم حكومتين منفصلتين متنازعتين على الحكم في البلاد ومواردها.
ثم أثارت أخبار داعش ،أو ما يسمى الدولة الإسلامية، والتعدي على جميع أنحاء البلاد مزيدا من القلق على مستقبل ليبيا. وأدت جهود الأمم المتحدة للتوفيق بين الفصائل المتقاتلة الى اتفاق سلام في أيلول ذاع صيته كثيرا ولكنه للأسف فشل ليشمل البرلمان في طرابلس، وهو إغفال كبير إلى حد ما5.
اليمن
لم تكن الآمال في اليمن- كواحدة من أفقر البلدان في المنطقة – كبيرة للانتقال بنفسها خلال الربيع العربي. ليس فقط أن شعبها فلا تقتصر المعضلة بمعاناة الشعب المتمثلة من نقص حاد في المياه والمواد الغذائية ، ولم يقدم العالم أي شيء ملموس في مجال الخدمات الاجتماعية؛ بدلا من ذلك –اعتمد اسلوب الاقتصاد الريعي- فقاموا بتوزيع مساعدات مالية على زعماء القبائل والنخبة الساسية للحفاظ على الأمن, وساعدت هذه المساعدات أيضا في الحفاظ على الوحدة في جميع أنحاء الجماهير اليمنية المنقسمة، فقد اتحدت الجمهورية العربية اليمنية والجمهورية الديمقراطية الشعبية اليمنية (اليمن الشمالي والجنوبي، على التوالي)، فقط في عام 1990، وواصلت الحركة الانفصالية في الجنوب تهديد استقرار اليمن.
بدأت مظاهرات تطالب بإنهاء حكم الرئيس علي عبد الله صالح الذي استمر 33 عاما في كانون الثاني عام 2011. ولم يكن استخدام صالح للحوافز الاقتصادية لاخماد المتظاهرين فعالا في هذه المرة، ثم أدت حادثة شهر آذارعندما تعرض القناصة الموالين للنظام للمتظاهرين السلميين الى تحول الانتفاضات في اليمن إلى العنف. وعلى الرغم من الحفاظ على السلطة لعدة أشهر، نقل صالح السلطة في نهاية المطاف لنائبه عبد منصور هادي والذي تم إنتخابه كرئيس في شباط 2012.
خلال حكم هادي، صدرت إصلاحات لامركزية، وبالتالي، تم تحويل السلطة الى الديمقراطية من خلال تحويل اليمن إلى نظام فيدرالي من ست ولايات6. أنتج هذا الإصلاح القليل من التأثير إلايجابي, وفي أيلول عام 2014، انهارت الحكومة الهشة للمتمردين الحوثيين في شمال اليمن الذين استولوا على العاصمة ردا على رفع أسعار الوقود. ثم استقال في البداية الرئيس هادي، ، ثم ألغى فيما بعد استقالته وأعلن عدن عاصمة جديدة ومن هناك بدأ هجوما مضادا، بدعم خارجي كبير.
يحتوي العنف في اليمن على عنصر مضاف وهو الطائفية: الحوثيون في اليمن، الذين يقودون
حملة ضد تنظيم القاعدة، هم من الشيعة المرتبطة بإيران. وهكذا فقد شاهدت القوى السنية في دول الخليج، المنزعجة بالفعل من ارتفاع قوة إيران، التطورات المجاورة بقلق.
في آذار 2015، تحول القلق الى مشاركة فعالة؛ حين قامت الدول السنية بقيادة السعودية بحملة قصف متقطعة لدحر الحوثيين، مما جعل الصراع المدني على المستوى العالمي .
انضمت القوات البرية الإماراتية الى هذا التحاف في شهر آب 7.حيث أن فتيل التصعيد الأقليمي بين السنة والشيعة ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك ، و يبدو أن تنظيم القاعدة هو المستفيد الحقيقي، فبالتشارك مع عدو وتحالف أجنبي قوي سمح ذلك لها بالتمدد وتعزيز قبضتها8.
النظرة المستقبلية
على الرغم من التفاوت الجغرافي بين اليمن وليبيا لكن بينهما الكثير من القواسم المشتركة ، الأهم من ذلك، ان الدولتين هما بالأصل دول ضعيفة . كل منهماعاشت تحت حكم رجل قوي ديكتاتوري مع موارد نفطية ، ولم يقوموا بتطوير حكومات فاعلة او شعورا قويا بالقومية.
تعد العقبات التي تعترض بناء دول فاعلة مثبطة للديمقراطية . وعلى الرغم من أن كلا من الدولتين ليس لديها نظرة إيجابية للمستقبل على المدى المتوسط، فليبيا تفتقر إلى التجانس الديني الذي غادر اليمن وجعلها جاهزة للإستغلال الطائفي . وهكذا، حتى مع وجود داعش على الأرض الليبية فإن الأمة الإفريقية قد تكون بمنأى عن وطأة العنف الطائفي الذي انتشر في المنطقة.