تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون خلال الأشهر الأخيرة عن الحاجة لإعادة رسم الشرق الأوسط، وتقسيم الدول العربية التي أنشأها الغرب. وقد كشف كلماته عن وجود اتجاه في التفكير في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا؛ إذ يحاول صناع السياسة تقليص مشاكلهم عبر تقليص الدول وبناء الجدران. فمن خلال التخلي عن الجهود الرامية إلى شن السلام، تحولوا إلى "إدارة الصراع". ويعتبر هذا الاتجاه من أعراض وباء فكري أكبر: التركيز على سياسات انقسامية بدلا من سياسات عامة شاملة.
إذا بقيت منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا منشغلة بالتسييس والأحادية، فلن يؤدي حل مشاكل المنطقة من خلال تقسيم الدول إلا إلى إيجاد المزيد من الأقسام المتنازعة فيما بينها. وبدلا من ذلك، نحتاج إلى تحويل طبيعة النظام نفسه، و"هيكليته" إذا جاز التعبير.
يستشهد السياسيون تاريخ المنطقة في الآونة الأخيرة من الصراع والعنف كتأبين لكل أمل. ولكن لا بد لي من أن أذكر لكم، بدلا من ذلك، تاريخا أطول بكثير من الاعتماد المتبادل. تحض قوانين الضيافة عند البدو على تقديم المساعدة للغرباء، وحتى الأعداء. وقد سيطرت مواثيق الشرف والمواثيق الشمولية تلك على النظام الإقليمي قبل وقت طويل من النزاعات الحديثة. ويبدو أن هذا الإيثار غير متوقع في العصر الحالي الذي يقدم فيه السياسيون طموحاتهم الشخصية على الرفاه الوطني.
وعلى العكس من ذلك، يقتضي منا العجز في مواردنا المشتركة أن نأخذ نهجا جماعيا. ويسعى "الآخرون" كما تعرفهم السياسات الانقسامية للحصول على نفس ما نسعى نحن للحصول عليه من المياه، والأمن، والكرامة. وطالما أن الحال سيبقى على ذلك، فإن مبدأ التكافل هذا سيبقى مهما. ويبقى الأمل الأفضل في المصالح الجماعية والإنسانية المشتركة. ولا يؤدي صنع السياسات الشمولية إلى تعظيم الموارد الهامة فقط، ولكن إلى إرواء الجفاف الذي تعانيه منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا من حيث الكياسة.
ولا توجد في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا حاجة إلى المزيد من المساعدة الدولية في رسم خطوط على الخرائط. بل تحتاج بدلا من ذلك إلى تحول في العقلية الداخلية نحو ترتيبات تعاونية مفيدة للجميع.
وتكمن الطريقة للبدء في هذا التحول في إنشاء منظمة معاهدة الشرق الأوسط (METO)، على غرار منظمة معاهدة حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي اقترحت عام 2001. وبعد مرور ثلاثة عشر عاما، فإن الحاجة إلى التعاون فوق الوطني بهدف تعزيز النمو الاقتصادي والاستقرار تبدو أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. ويمكن أن تعالج هذه الهيكلية، المتجذرة ربما في جامعة الدول العربية، التهديدات الإقليمية مثل التطرف وانتشار أسلحة الدمار الشامل على مستوى السببية. ويظهر النجاح الذي حققه الناتو في أوروبا إمكانات التعاون العسكري والأمني لتعزيز التقدم الاقتصادي والسياسي. ويجب علينا النظر في كيفية إنهاء الحروب، وخطة لمرحلة ما بعد الصراع، ومشروع خطة لإعادة هيكلة المنطقة بدلا من مراكمة الأسباب التي تؤدي إلى تأجيج الحروب الجديدة.
ويجب علينا تعزيز بيئة من الإدماج والمشاركة المدنية والكرامة الإنسانية ضمن نظرة مستقبلية وائتلاف موحد للدول العربية.
يمكن اتخاذ إجراءات سياسات طبيعية في بناء دوائر التعاون التي تركز على الموارد لتمكين التعاون عبر الحدود حول قضايا تقاسم الموارد والمحافظة عليها. وبشكل أكثر تحديدا، فإن هذه المنظمات تدعم البحث والتطوير في مجال المحافظة على المياه وتغير المناخ وتنفيذ سياسات نابعة من هذا البحث. ويمكن أن تخلق معاملة الموارد المشتركة كسلع وطنية مأساة على مستوى المنطقة من المشاعات، التي تتنافس فيها البلدان لتحقيق أقصى قدر من سباق الاستهلاك الداخلي نحو خط النهاية المتمثل في الاستنفاذ الكامل للموارد. التحديات التي تواجه الموارد، مثل الحرب الباطنية على الإرهاب، هي بطبيعتها عابرة للحدود الوطنية ويجب أن يكون التصدي لها مهمة جماعية.
والخطوة الثالثة، والتي تعتبر ذات أهمية خاصة لتمكين شعوب منطقة غرب آسيا -شمال أفريقيا وتعزيز تقرير المصير، هي تطوير صندوق زكاة مركزي وإقليمي. ويمكن من خلال هذا الصندوق، المتجذر في المبادئ الإسلامية، إعادة توزيع الصدقات المطلوبة بالفعل من المسلمين في المنطقة لمنظمات التنمية الاجتماعية. وقد يؤدي انتقال الصدقات والتبرعات الخاصة إلى منظمة شفافة وخاضعة للمساءلة إلى تعطيل دورات الفقر ودورات الاعتمادية، والاستعاضة عنها بدورات من التعاون. ويعني تعزيز النمو الاقتصادي من الأسفل إلى الأعلى أن الحكومات تنفق بحكمة أكثر، مما يحد من الحاجة لانخفاض العائد على الإنفاق على المدى القصير وتوفير الوقت والطاقة لخلق سياسات مدروسة. وتسمح إعادة استثمار جزء من هذه الصدقات وفقا لتقليد الوقف الإسلامي بان يصبح هذا الصندوق مبادرة مستدامة وطويلة الأجل.
بشكل جماعي، يمكن لهذه الخطوات بناء القدرة على التكيف. والنظر إلى منطقتنا على أنها تنقسم، وتمزقها الصراعات إلى ما لا نهاية، أصبح نبوءة تحقق ذاتها. ومع ذلك، تظل نظرة الزعماء على نحو متزايد إلى المستقبل على أنه مستقبل تسيطر عليه الحروب. تماما كما أن الحرب ليست أكثر من التهرب من مشاكل السلام، فالسياسة ليست أكثر من التهرب من مشاكل الحكم. ويعتبر السلام قرارا واعيا، كما هو الحكم الذي توجهه السياسات. لقد تركنا التحديات التي تواجهها منطقتنا تسيطر لفترة طويلة جدا، وجاء الآن الوقت المناسب للاستفادة من نقاط القوة الجماعية المتوفرة لدينا.