عند بدء انتشار الأخبار المتعلقة بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على موقع تويتر تابع العالم على المواقع الالكترونية و على أرض الواقع قيام التنظيم بالسيطرة على المدن العراقية الرئيسية و مواردها كسد الموصل، و مع أن مواقع التواصل الاجتماعي اعتبرت القوة الدافعة وراء الربيع العربي إلا أنها سرعان ما أصبحت نذير شؤم. و الجدير بالذكر أن استخدام تنظيم الدولة الإسلامية المعقد للإعلام الاجتماعي تم تفصيله في "كيف تتلاعب داعش بتويتر" و الذي يوثق كيف يتلاعب متابعو داعش بمكر و دهاء بتويتر من خلال استخدام تطبيق "فجر البشائر" لزيادة وجودهم على الانترنت.
دفعتني الأحداث الأخيرة في العراق للنظر في ما إذا كان استخدامنا للإعلام الاجتماعي يزيد من فهمنا للأحداث – أم يخربها؟ و هل يمكن أن يبسط العنف؟ و أعتقد أن الإجابة على السؤال الأخير هي نعم.
و يقسم أصحاب النظريات في الإعلام الاجتماعي إلى معسكرين، المتفائلون بالإعلام الاجتماعي و الذين يؤمنون بمذهب كلاي شركي و المتشائمون على غرار موروزوي في مقال 2011 للعلاقات الخارجية، و يكتب شركي "تكمن الإمكانيات في الإعلام الاجتماعي بشكل أساسي في دعمهم للمجتمع المدني و النطاق العام". و يعد الإعلام الاجتماعي لشركي بأنه يقف الى جانب "الناس" و لكن ما الذي يحدث عندما لا يتم استخدام التكنولوجيا من قبل "الأشخاص المناسبين"؟
و حالياً يبدو الإعلام الاجتماعي كما وصفه أحد أصحاب النظريات بأنه "دمقرطة العنف"، حيث يدعوك للتفكير ما ينشرونه من فيديوهات قطع الرؤوس أو المقاتل السوري الذي أكل قلب رجل، و إن وصل مستوى الانحطاط في انسانيتهم الى درجة تمكنهم فعلا من القيام بذلك فلا بد أن تكون هذه الفيديوهات موجودة على الشبكة العنكبوتية في مكان ما في أعماق تلك الشبكة (الشبكة التي لا يمكن الوصول اليها من خلال محركات البحث) و لكنها على الأغلب أمام ناظرنا.
وليس من الجديد قيام المجموعات الإرهابية باستخدام التكنولوجيا، ففي عام 2010 قمت بالبحث حول قيام الجماعة الإسلامية المسؤولة عن أندونيسيا عن تفجيرات بالي و غيرها من الهجمات باستخدام تكنولوجيا الهواتف الخليوية المتنقلة و الانترنت حيث وظفوا تكنولوجيا الهواتف الخليوية المتنقلة لنقل الهجوم الإرهابي مباشرة فيما يمكن وصفه بالنقل المباشر للهجوم الانتحاري، و تملك القاعدة وحدة إعلام متقدمة كما تقوم به طالبان أيضاً (غير أنه و كما عرض مؤخراً نسي واحد من مقاتلي طالبان تعطيل موقعه على تويتر مع ان ذلك لم يكن بالأمر الأكثر تعقيدا).
و ما نستطيع أن نأخذه من ذلك، هو أن نبتعد عن الجدالات حول أن الإعلام الاجتماعي هو قوة خير أو عكس ذلك، لأن الإعلام الاجتماعي ليس شيئاً بحد ذاته، فهو متناقض و غير محسوم، كوعاء يستخدم من قبل المتظاهرين و الثوار و الإرهابيين و المتنمرين على الانترنت و الحكومات على حد سواء، لأغراض المؤاثرين أو العنيفين أو المبتذلين، و ربما تكون المؤسسات الحكومية أسرع في تبني تكنولوجيا الإعلام الجديد و الحكومات نفسها أبطأ في التصرف (مع أنها هي من يضع البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات في المقام الأول) و عندما نتجاوز الوصف البسيط للإعلام الاجتماعي بأنه "جيد" أو "سيء" بكامله عندها قد نقترب من شيء دقيق.
يبدو أن الإعلام الاجتماعي يشوه فهمنا للأحداث حيث تصرخ بعض المنشورات قائلة "أنا حقيقي اضغط على المشاركة و أعد نشرها أو أعد تغريدها" و لكن الواقع - دقة التغريدة أو منشور الفيسبوك- قد يضيع خلال النشر، و سوف أعطيكم مثالاُ – من سوريا. هذه صورة "لطفل سوري ميتم" تم اعادة تغريده من قبل زعيم المعارضة السورية أحمد جربا، لاحقاً و بعيداُ عن تفاصيل الحرب الأهلية السورية حيث اكتشف بأن الصورة مأخوذة من مشروع مصور سعودي و اسمه عبد العزيز العتيبي و أن الطفل على قيد الحياة، و أن ابن أخ العتيبي و القبور مزيفة أيضاً و لم يحد ذلك من سرعة المحاكاة حيث انتشرت الصور على الانترنت دون النظر الى التأثيرات المحتملة – سلباً أو إيجاباً- لإعادة انتاجه.
لذا فإنه من الصعب أن يتم التأكد من أصل الصورة أو اللقطة و لكن سواء كان الأمر حقيقة أم لا فذلك لا يحد من سرعة المحاكاة المحتملة، ففي عالم الانترنت و في الإعلام الاجتماعي التمثيل هو ملك الموقف، " غالبا ما يتجاوز التمثيل المعنى و العكس صحيح" كما كتب الأكاديمي جيلبرت رايتس، حيث كتب رايتس عن فيديوهات سقوط هتلر الفيروسية و لكن نقطته هنا ذات صلة بالإعلام الاجتماعي، فالمعنى على الإعلام الاجتماعي أحياناً يندرج عن طريق التمثيل.
لا شك أن الإعلام الاجتماعي يبدو كمضاعف للقوة، نستذكر هنا حملة دلو الثلج، كما و نستذكر تغريدات داعش التي تقشعر لها الأبدان، حيث أنها تسارع و تضخم و لكنها لا تجلب لنا بالضرورة الحقيقة بل يشوهها.
مإذا نتوقع لداعش في المرحلة المقبلة؟ بالتأكيد محتوى أبشع، و لكن تغريداتهم لن تكون دون طعن، فالمسلمون حول العالم نددوا بهم و استخدموا طرقهم الخاصة لمحاربتهم بضراوة و مثال على ذلك حملة ليس باسمي و أضف الى ذلك التغريدات التي نشرها مسلمون يشعرون و بكل تفهم أنهم لن يعتذروا عن أي شيء، تويتر هو أرض معركة و لا يبدو أن "ضباب الحرب" الرقمية سيغير أي شيء قريباً.