تعتبر التحديات التي تواجه منطقة غرب آسيا وشمال افريقيا ذات طابع ديناميكي ومتعدد الأوجه وسياسي. وأصبح نقص الفرص الريادية والتنافس على الموارد الشحيحة والطائفية والعدد المتزايد ممن تم اجتثاثهم من جذورهم ويتجمعون لتشكيل منطقة تكون فيها الفئة الأقل حظا هي الضحية والفكر المتطرف جزءا من حياتنا اليومية.
وتتطلب معالجة هذه التحديات فهما معمقا لقدرة المنطقة على تحمل الأعباء والتعزيز الاستباقي لقدرتها على الصمود، والقدرات الفردية وقدرات المنظمات والدول على استشراف المستقبل، والاستمرار والتطور في الاستجابة للتحديات والصدمات سواء كانت خارجية أو داخلية.
ويتطلب بناء الصمود نهجا تنمويا جديدا ومتعدد الاختصاصات، نهجا يقوم بتقييم مدى الضغط على قدرتنا على تحمل الأعباء عبر سلسلة من المقاييس التنموية، بما في ذلك التمكين الاقتصادي وإدارة الموارد الطبيعية والعدالة الاجتماعية والحوكمة الرشيدة.
أولا، علينا أن نغرس، عبر الحدود الوطنية، إيمانا متحدا بما يمكن لمنطقتنا أن تكون وما يجب أن تكون عليه، وتصميما مشتركا على تحويل هذه الآمال إلى حقيقة لنا جميعا. فهذا المفهوم القائل بالهوية العربية الواحدة ليس بجديد، فقد تجذر منذ ما يزيد عن 100 سنة. وفي الوقت الذي كانت فيه أوروبا في ذروة حزبيتها، كان أسلافنا في غرب آسيا - شمال افريقيا يحاولون بناء مجتمع اقليمي من العرب. وكانت النهضة العربية، التي ولدت في نهاية القرن التاسع عشر، صحوة فكرية محلية المنشأ، ودعوة للوحدة العربية والاستقلال انطلقت في أواخر أيام الامبراطورية العثمانية. وفي نهاية الحرب العالمية الأولى، كان أسلافنا يحلمون بأمة عربية بدون حدود، تقرر مصيرها بذاتها وتحظى باعتراف المجتمع الدولي. وبدلا من ذلك، ألقت بنا القوى الحليفة إلى عقود من الطائفية التي تسبب الانشقاق والتزاحم الهدام ولأن تحاصرنا الحدود التي فشلت في التطابق مع الحقائق الاقتصادية والإثنية والبيئية على أرض الواقع.
إن غياب الهوية الموحدة هو ما يجبرنا على النظر إلى من يسكنون منطقتنا من حيث هوياتهم الإثنية الفردية وعلى النقيض مما هم عيله فعلا- أنهم عرب. وفي العام 1992، بلغ عدد سكان الأردن 2.5 مليون نسمة، بينما بيلغ عددنا اليوم 11 مليون. وبدلا من أن نتوحد من أجل التنمية الاقتصادية والابتكار والتماسك الاجتماعي، فإننا نصر على تقسيم أنفسنا إلى مجموعات فرعية- اللاجئين السوريين والعراقيين، النازحين الفلسطينيين لعقود مضت، إثنيون أردنيون من قبائل مختلفة وهكذا. أولسنا جميعا عرب؟ إن كنت تستطيع أن تكون أوروبيا أو ألمانيا وبافاريا، فلماذا لا تستطيع أن تكون عربيا، سوريا ومن حلب؟ أو عربيا، عراقيا ومن الأنبار على نفس ذلك المنوال؟
ثانيا، علينا التحول من السياسة قصيرة المدى إلى صنع السياسات بعيدة المدى. وهذه ليست حقيقة اقتصادية فقط، فنحن بحاجة إلى قرارات تتخذ لتستفيد منها الأجيال المستقبلية ولحماية قاعدة مواردنا الطبيعية الهشة. وخلاف ذلك، فإن الحرب التالية التي سنراها تحدث، أو أزمة النزوح التي سنشهدها، ستنتج عن انعدام الأمن المائي والغذائي. فالحالة العامة من اللامبالاة والأزمة الوجودية تعني أن على أصحاب القرار قيادة هذه العملية. لقد صنفت الدراسة المسحية التي أجرتها الأمم المتحدة "العالم الذي نريد" الاهتمامات الرئيسية لـ 50.426 أردنيا. ومن بين المجالات الـ 16 ذات الأولوية التي تم تحديدها، الحصول على مياه نظيفة والصرف الصحي والتي حلت في المرتبة الثامنة فقط، في حين حلت حماية الغابات والأنهار، واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد التغير المناخي في المرتبة الأخيرة. وربما يكون هذا الوضع مختلفا حيث يتم نشر الحقائق بشكل أوسع. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن كل شخص يحتاج إلى 1.000 متر مكعب من الماء يوميا - لدى إحدى عشر بلدا من بين بلدان غرب آسيا وشمال افريقيا البالغ عددها تسعة عشر أقل من 10% من هذه الكمية. ففي اليمن، أدرج الأمن المائي على أنه السبب الكامن خلف 70 بالمائة من النزاعات الداخلية في البلاد.
ثالثا، علينا أن نبني اقتصادا مستداما ومتنوعا يكون ناجعا لنا جميعا ويحمي كلا القطاعين والأفراد من الصدمات. ونقوم في معهد غرب آسيا وشمال افريقيا "وانا" بتطوير أجندة لبنك إقليمي لإعادة الإعمار والتنمية يمكنه توجيه دفة التحول الاقتصادي وأن يصبح القوة المحركة للأفكار الجديدة والابتكار. وضمن بنك من هذا النوع، يمكن لصندوق مركزي للزكاة ان يقوم بإعادة توزيع الصدقات لتقديم المساعدة في الإغاثة الإنسانية والتنمية طويلة المدى. وقد يساعد توزيع الصدقات الفردية من خلال منظمة شفافة وخاضعة للمساءلة في معالجة مواطن الفقر ودورات الإعالة بطريقة منظمة واستراتيجية.
إن المفتاح لاطلاق امكانياتنا الكامنة هو استعادة الثقة بين المجتمعات والحكومات، وبين شعوبنا، وبين المنطقة وبقية العالم. ومع ذلك يظل السؤال السرمدي قائما. لقد مرت المنطقة بحرب كبرى واحدة على الأقل في كل عقد من الزمان بدءا من العام 1940، وبعد سبعة حروب في ست سنوات، هل يمكن لمنطقة تشارك في نزاع يبدو أنه بلا نهاية أن تجتمع مع بعضها البعض للوصول إلى حل للتحديات الماثلة أمامها؟ فقد وصلت قدرتنا على التحمل مداها الأقصى، وبتوقع نمو سكان المنطقة بمعدل 17.3 بالمائة خلال السنوات العشر القادمة، ستتعرض هذه القدرة إلى أكثر من ذلك. ويجب أن يعتبر استمرار عدم قدرتنا على تكوين نظام اقليمي من التعاون والأمن واحدا من القوى الرئيسية التي تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة.
إن السلام لا يعني مجرد الإيقاف التام للحرب، بل هو عملية يتم بناؤها بين من يعملون باتجاه تحقيق هدف مشترك. ويقع على عاتقنا مسؤولية التخلص من الشلل الذي ألحقناه بأنفسنا، وأن نجد الشجاعة والإرادة السياسية لتكوين مناخ من التعاون الإقليمي ونظاما للأمن يقوم على خطط استراتيجية تستند إلى الأدلة، والتضامن البشري والكرامة الإنسانية التعددية. وهذه ليست خيارات من الجيد توفرها- بل خيارات يجب توفرها.
لقد آن الأوان لأن تقوم حقبة جديدة من العقلانية العربية بتوجيه الازدهار الحضاري وأن تمهد الطريق نحو المستقبل: نهضة عربية جديدة، تشمل في جوهرها مبادئ التماسك الاجتماعي والتعاون الاقليمي. وستيطلب هذا عملية إعادة تقييم صادقة لأسباب اخفاقاتنا السابقة بدءا من حقبة الاستعمار وحتى الوقت الراهن. ويمكننا عندها فقط، وبرؤية واضحة ومشتركة للنجاح والالتزام بالتمسك بالكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، أن نعمل معا لبناء غرب أسيا وشمال افريقيا صامدة وآمنة ومستدامة للأجيال القادمة.