ركزت وسائل الإعلام الدولية في الأسابيع الأخيرة الأضواء على قوات البشمركة التي انضمت إلى المعركة في كوباني، واتهامات العبودية الجنسية التي ارتكبها مقاتلو الدولة الإسلامية، والغارات الجوية المستمرة التي يقوم بها التحالف بقيادة الولايات المتحدة، مرة أخرى من دون موافقة مجلس الأمن الدولي. تستجدي هذه التطورات طرح السؤال التالي: هل تطورت طبيعة الحرب الحديثة بشكل كبير جدا بحيث أصبح البنيان القانوني الدولي أمرا عفا عليه الزمن؟
لقد أظهر دمار البنية التحتية والخسائر في الأرواح خلال الحرب العالمية الثانية أن القانون الدولي آنذاك، الذي فرض التزامات أساسية على الدول، لم يكن كافيا لحماية المدنيين خلال الصراع. ومهد هذا الطريق لاتفاقية جنيف الرابعة (1949) التي حددت الحقوق والحماية الممنوحة للمدنيين وغير المقاتلين داخل وحول مناطق الصراع.
اليوم، ربما يمر الناس في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا "وانا" بشيء من هذا المشهد.
ويعتبر انتشار الجهات الفاعلة غير الحكومية المسلحة السمة المميزة للصراع في المنطقة. وكما تم تعريفها في المؤتمر الذي عقد عام 2013 والذي نظمته ابيل دي جنيف، فإن هذه الجماعات تعمل خارج سيطرة الدولة وتفتقر إلى القدرة القانونية لتصبح طرفا في أي معاهدة دولية. وتشمل (ولكن لا تقتصر على) حركات التحرر، والسلطات الحاكمة بحكم الأمر الواقع، والدول التي لا يعترف بها دوليا أو يتم الاعتراف بها جزئيا.
في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا "وانا" تحصل المنظمات ذات الدوافع الدينية على معظم التغطية الصحفية، وعلى الأخص، داعش وهي منظمة سنية متشددة نصبت نفسها حاكمة لدولة ولكنها غير معترف بها. وحزب الله من أشرس المعارضين لداعش، وهو حزب سياسي شيعي ووجهة عسكرية فاعلة.
لكن الدين لا يكاد يكون الدافع الوحيد. فقد ادعت المنظمة الثورية الماركسية اللينينية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المسؤولية عن الهجوم الأخير على كنيس القدس. فمن الممكن أن تتداخل دوافع الجهات الفاعلة غير الحكومية المسلحة أيضا، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى تحالفات متناقضة: بينما يحارب حزب الله المنظمات السنية في العراق وسوريا، فقد وقفت المنظمة مع حركة حماس السنية في تحديها لاسرائيل في الصيف الماضي.
في حين أن الجهات الفاعلة المسلحة غير الحكومية ليست قمعية حصرا، في سياق منطقة غرب آسيا وشمال افريقيا "وانا"، فقد تميز البعض في الآونة الأخيرة من خلال أعمال متطرفة من العنف الذي يرتكب ضد السكان المدنيين: كالاغتصاب والزواج القسري والتجنيد والتشويه والاعدام. وفي مواجهة هذا الفساد، لا بد من السؤال، كيف يمكن أن تتوقف هذه الجماعات، وإلى أن يأتي ذلك الوقت، كيف يمكن فرض التزامات أكبر عليهم خلال فترات الحرب؟
هناك ثلاثة مصادر ذات صلة من الفقه الدولي. تحمي المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربعة المدنيين من العنف والتعذيب والإعدام دون محاكمة في النزاع المسلح غير الدولي. وينص القانون الدولي الإنساني العرفي المتصل بالجهات الفاعلة غير الحكومية المسلحة على أن المدنيين الواقعين تحت سيطرة قوة العدو يجب معاملتهم معاملة إنسانية وحمايتهم من كل أشكال العنف والمعاملة المهينة، بما في ذلك القتل والتعذيب. ويمتد البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف (1977) لقواعد قانون النزاعات المسلحة في النزاعات المسلحة غير الدولية. ومع ذلك، في حين تمت المصادقة عالميا على اتفاقيات جنيف، وينطبق القانون الدولي الإنساني عالميا، فلم تصادق العراق أو سوريا على البروتوكول الإضافي الثاني.
قد تكون التفاهمات السائدة في قانون حقوق الإنسان أيضا متطورة في الإقرار بدور الجهات الفاعلة غير الحكومية. فقد ذكر تقرير نشر عام 2009 عن المفوض السامي لحقوق الإنسان أن الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تمارس وظائف شبيهة بالحكومة وتسيطر على الأراضي ملزمة باحترام قواعد حقوق الإنسان. ويمكن العثور على معايير أخرى في مصادر غير ملزمة للقانون الدولي، مثل المبادئ التوجيهية بشأن النزوح الداخلي (1988).
لذلك، هل يعالج الإطار القانوني الحالي موضوع الجهات الفاعلة غير الحكومية المسلحة؟ نعم. وهل يعتبر شاملا كما ينبغي أن يكون؟ بالتأكيد لا. وهناك ثغرات في القانون الدولي الإنساني، على سبيل المثال عدم وجود الحق العام في حرية التنقل، والالتزامات المفروضة على الدول هي أكثر قوة منها على الجهات الفاعلة غير الحكومية المسلحة. وعلاوة على ذلك، فشل الإطار القانوني في التعامل مع التحديات الناشئة مثل الحرب غير المتكافئة، وصول المساعدات الإنسانية والاعتقال من قبل الجهات الفاعلة غير الحكومية المسلحة ولكن في حين أن هناك مجالا للتحسين، فإن القانون موجود.
فلماذا لا يؤدي هذا إلى وقف العنف؟ في بعض الحالات، ليس لدى الجهات الفاعلة غير الحكومية المسلحة علم بالتزاماتها القانونية الدولية. والقضية الرئيسية، مع ذلك، هي الإنفاذ. فإذا وجدت المبادئ القانونية، ولكن القدرة أو الاستعداد لإنفاذها غير موجودة، فلن يتم احترامها.
هناك أربع قواعد قانونية واضحة يمكن على أساسها تبرير التدخل ضد داعش. أولا، يمكن لسورية و/ أو العراق ممارسة حقها في الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة (1945). وما إذا كانت قادرة على القيام بذلك بشكل فعال فهذه مسألة أخرى، ويظهر تقدم داعش المستمر عدم قدرتهما على ذلك.
ثانيا، يمكن تصور التدخل الدولي بموجب المادة 42، ولكن هذا يتطلب تفويضا من مجلس الأمن الذي يبدو أن الحصول عليه غير مرجح في ظل المناخ الحالي.
ثالثا، هو تدخل طرف ثالث بناء على طلب أو بموافقة الدولة المتضررة التي لا يمكنها القيام بعمل دفاعي. ويغطي هذا بالتأكيد تصرفات قوات التحالف التي تضم الولايات المتحدة والبحرين والأردن وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في العراق. ويحتج البعض أن سوريا أعربت ضمنا عن موافقتها، وذلك بالرجوع إلى تصريحات الحكومة فيما يتعلق بالعدو المشترك والحاجة إلى العمل معا، ويتضح ذلك من عدم محاولة وقف أو الرد على الضربات الجوية التي يشنها التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد أهداف داعش في سوريا. وهناك أراء متضاربة حول صحة هذا الادعاء.
رابعا، هناك الفرضية التي قامت عليها قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة وتعتمد على اتخاذ إجراءات في سوريا: الحق الجماعي في الدفاع عن النفس في سياق تكون فيه سورية غير قادرة أو غير راغبة في القيام بهذه المهمة بنفسها. ويملك العراق بشكل واضح مطلبا صحيحا في الدفاع عن النفس، وممارسة هذا الحق بشكل جماعي. وما إذا كان من الممكن تمديد هذا المطلب إلى سوريا تعتبر مسألة غير واضحة مرة أخرى في القانون الدولي، وعما إذا كان بإمكان دول التحالف القيام بالشيء نفسه، تعتبر مسألة أقل وضوحا من ذلك.
تعد المساءلة آلية أخرى لتشجيع الجهات الفاعلة غير الحكومية المسلحة على الالتزام بقواعد الحرب، ولكن مرة أخرى فالإطار القانوني مليء بالثغرات. ويمكن محاكمة انتهاكات القانون الدولي الإنساني في المحاكم الوطنية أو المحاكم شبه الدولية، ولا يبدو أي منهما واقعيا في هذه المرحلة من الصراع. وعلاوة على ذلك، فلا سوريا ولا العراق من الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998). وبوسع المحكمة أن تحصل على الاختصاص القضائي فقط إذا قام مجلس الأمن بإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة (جرت محاولة القيام بذلك في أيار 2014 ولكن اعترضت كل من الصين وروسيا)، أو إذا قبلت سوريا طوعا بالاختصاص القضائي للمحكمة.
وللحث على الامتثال، من الضروري اتخاذ نهج جديد، وأن يمتد تفكيرنا خارج القانون. إن الالتزام الخاص بـ ابيل دي جنيف هو آلية مبتكرة تسمح للجهات الفاعلة غير الحكومية المسلحة التعهد باحترام المعايير الإنسانية المحددة والمساءلة العامة. وقد تكون الالتزامات الإيجابية التي نصت عليها اتفاقات السلام الثنائية وسيلة أخرى يمكن اتباعها في المستقبل. وقد يشمل ذلك تعاملا أفضل مع مثل هذه الجماعات، وهو الأمر الذي قاومته بشدة الدول والأطراف الحكومية الأخرى ذات المصلحة على أساس أن المشاركة تدل على الشرعية.
وهناك نهج آخر وهو المستوى الأفضل من إشراك الفعاليات الدينية في بناء السلام، بما في ذلك الوساطة الدينية، أو بالاعتماد على القوانين الإسلامية في الحرب. والرسالة المفتوحة التي بعث بها مؤخرا 120 من علماء المسلمين إلى الدولة الإسلامية التي تتضمن الإنكار عليهم وتصفهم بأنهم غير إسلاميين تعتبر رمزا للمدى المتاح لاتباع نهج أكثر دقة بما يتناسب مع سياق منطقة غرب آسيا وشمال افريقيا "وانا". وعلى المدى الطويل، على نظام العدالة الدولية علاج هذه المشكلة، ولكن لا يمكن لاحتياجات المدنيين أن تنتظر حتى ذلك الوقت. ويقع العبء على الدولة والجهات الفاعلة الدولية من أجل التوصل إلى بدائل ممكنة.