من الغريب أن يظهر التباين والتمييز بين الجنسين عند مناقشة قضية مثل الإرهاب. ويتجلى ذلك في التغطية الإعلامية الإقليمية والدولية للحوادث الإرهابية التي ترتكبها النساء، ويعيق هذا إلى حد كبير مكافحة جهود التطرف العنيف، إذ أن أفضل السياسات هي ما يمكن صياغته من خلال البحوث القائمة على الأدلة.
في 28 نيسان/ أبريل 2017، داهمت الشرطة شمال العاصمة البريطانية لندن منازل ثلاث نساء يشتبه في تخطيطهن لعملية طعن بالسكين في ما كان سيكون "أول هجوم إرهابي من نوعه في جميع أنحاء المملكة المتحدة" وفقا لعدة وسائل إخبارية. واحتجزت النساء، وقد أطلقت الشرطة النار على إحداهن.
انتشرت مجموعة من العناوين عبر الإنترنت، فيما تركزت معظم القصص على زاوية معينة: المرأة الجريحة التي رفضت العلاج من المسعفين لأنها – من المفترض- لا تميل إلى أن تعالج من قبل طبيب ذكر.
ورغم أن هذه النقطة جديرة بالملاحظة، فهي بعيدة كل البعد عن مصدر القلق الرئيسي. اختارت الصحافة "الإثارة" لتسليط الضوء على إطار الجسم الأنثوي كمنصة لإبلاغ الخبر، بدلا من التركيز على الدوافع الكامنة وراء الهجوم والمخاطر المترتبة على الجمهور، أو كيف تم الكشف عنها واحتواؤها.
ومن ثم تحويل محور القصة إلى ملابس النساء. اتهمت النساء الثلاث بارتكاب جرائم إرهابية والتآمر لارتكاب جريمة قتل، ظهرت النساء لأول مرة في المحكمة يوم 12 أيار/ مايو 2017. وجاءت عناوين الصحف: "أوامر الصلح" أول جماعة إرهابية نسائية في المملكة المتحدة "نزعن البرقع في المحكمة أثناء اتهامهن بالتخطيط لمؤامرة هجوم السكاكين" (ذا صن) و"أمر القاضي الأم وابنتها المتهمات في هجوم السكاكين الإرهابي برفع النقاب لرؤية عيونهن"، (التلغراف).
تؤدي هذه التقارير الإعلامية إلى تحويل انتباه القراء إلى جوانب لا صلة لها بالموضوع، وتشتيت انتباههم عن مسؤولية هؤلاء النساء وأهليتهن وتأثيرهن السياسي (Political agency).
تتبع وسائل الإعلام هذا الخطاب العام عند تغطية منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا. والواقع أن النظر عن كثب في التقارير المتعلقة ببعض المقاتلات العربيات البارزات يقدم نظرة ثاقبة على الدوافع المتخيلة لعملياتهن المنفذة أو المحبطة. تتبادر للذهن ثلاثة أسماء عند التفكير في الموضوع: ليلى خالد ووفاء إدريس وساجدة الريشاوي.
حققت ليلى خالد شهرة واسعة على نطاق عالمي وسمعة سلبية، بسبب غموض وضعها وإن كانت مناضلة ساعية للحرية أم إرهابية. في عام 1969 وكجزء من عملية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، اختطفت خالد الطائرة TWA 840 في رحلتها من روما إلى تل أبيب دون أن تسبب ضررا للركاب. ونتيجة لذلك، أصبحت خالد ليلى رمزا للتحرير بالنسبة للكثيرين. إلا أن التغطية الإعلامية المكثفة أفسحت المجال في مهاية المطاف لتصبح خالد "فتاة غلاف" للنضال الفلسطيني.
وبدلا من التركيز على ما فعلت خالد، كانت وسائل الإعلام أكثر اهتماما بمظهرها. وفي مقابلة أجريتها معها العام الماضي قالت لي: "كانوا دائما يقولون إنني جميلة، واحدة من وجوه الكفاح الفلسطيني، اهتم الصحفيون الأجانب بقدراتي في الطهي. كنت أقوم بمهمات بعثات، وخضعت لست عمليات تجميل لتغيير مظهري حتى أستطيع أن أواصل ما كنت أفعله دون خطر أن يمسك بي الإسرائيليين، إلا أنهم كانوا مهتمين بمدى مهارتي في الطهي".
بلا شك فإن وفاء إدريس، أول انتحارية فلسطينية، وساجدة الريشاوي، الإرهابية العراقية هن متطرفات عنيفات. إلا أن وسائل الإعلام قامت بتحويل الأنظار عن أهليتهن للقيام بالهجمات.
تلقت إدريس الكثير من التكهنات للسائقين للدوافع والمحركات وراء هجومها، الذي قتل فيه بالإضافة لها شخص آخر وأصيب أكثر من مئة بجروح. وجاء في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز بعد العملية في 31 كانون الثاني / يناير 2002: "ولدت إدريس في مخيم للاجئين، وعاشت ظروف الانتفاضة الفلسطينية الأولى ضد إسرائيل، قبل أن تصاب بخيبة أمل إثر طلاقها من زوجها بسبب فشلهم في إنجاب أطفال، وزاد من سخطها عدم؟ معالجة الأطفال الفلسطينيين الجرحى في الصراع الحالي".
تسلط قضية الريشاوي الضوء على أهمية فهم علم النفس للإرهابيات. وذكر مقال نشرته مجلة نيوزويك في 25 كانون الثاني / يناير 2015: "في عام 2005، هاجمت الريشاوي وزوجها فندق راديسون ساس في الأردن، ولكن لم تنفجر إلا شحنة المتفجرات الخاصة به. وبعد أن فشلت في التفجير، فرت الريشاوي مع الحشد ولكن تم اعتقالها لاحقا. وعقب اعتراف متلفز ادعت ساجدة الريشاوي أن زوجها هو العقل المدبر لخطة التفجير الانتحارية المزدوجة، وحكم عليها بالإعدام".
المقصود عموما هو أن الزوجين تزوجا فقط لخلق قصة تغطية لدخول الأردن لتنفيذ الهجوم. هذه التقارير غير المسؤولة، فضلا عن بيانها الكاذب، يعطي الانطباع بأن الريشاوي تم التلاعب بها في مؤامرة من قبل زوجها.
تكون المعلومات العامة المتعلقة بالمقاتلات الإناث في غرب آسيا وشمال أفريقيا محدودة في أحسن الأحوال. غير أن البحوث التي أجريت حاليا في معهد WANA أثبتت أن دور المرأة في كل من عملية التطرف وعملية الحد من التطرف أمر بالغ الأهمية. في إحدى حلقات النقاش الأخيرة، لاحظ أحد المشاركين أن للمرأة ما يزيد عن 20 وظيفة مختلفة داخل المنظمات الإرهابية. وتشمل الزواج وتجنيد نساء أخريات، وفي بعض الحالات، القتال. ووجدت الدراسة أيضا أن رسائل التوظيف مصممة بشكل مختلف للنساء في الشرق والغرب.
وتركز وسائط الإعلام على المظهر الجسدي والعلاقات الشخصية إلى حد ما تعفي المرأة من أهليتها في القيام بأعمال إرهابية. إن سوء تفسير دوافعهم وصراعاتهم أمر يدعو للقلق، لأنه يمنع الأكاديميين والصحفيين والباحثين من فهم الدوافع الحقيقية للإرهابيات. وتمتد هذه القيود إلى البحوث التي تستثمر في دور المرأة في مكافحة التطرف العنيف، بدلا من كيفية تجنيدها وكيفية مشاركتها في المنظمات العنيفة.
يجب تصحيح القيود الناجمة عن المنظور غير الدقيق الذي تقدمه وسائل الإعلام، فضلا عن الحساسيات الثقافية في مناقشة المرأة في المنطقة، من أجل البناء على فهمنا لدورها في التطرف العنيف، وتجاوز هذه الظاهرة المتنامية.