شهدت ضفاف نهر دجلة قبل 4500 عاماً ما يمكن وصفه بأول نزاع على المياه في التاريخ بين مدينتي - دولتي لكش وأوما السومريتين. والآن في 2016 تشن حروب مرة أخرى للتحكم في مصادر المياه في إقليم غرب آسيا وشمال أفريقيا. وتستخدم المياه كهدف وسلاح في آن واحد من قبل عدّة أطراف – من الدول والجماعات غير النظامية – في النزاع الدائر في كل من سوريا والعراق.
وتعد المياه أمرا جوهريا في استراتيجية داعش طويلة الأمد لبناء دولة الخلافة التي تنشدها. وخاصة بعد أن أصبحت الجماعة تمارس أنشطة شبيهة بتلك التي تمارسها الدولة النظامية (مثل فرض الضرائب وتقديم الخدمات) ومن ضمن ذلك نشأت حاجة لإدارة المياه. وأصبح التنظيم يمد يده معطيا ويأخذ ما أعطاه باليد الأخرى: إذ يعتبر تقديم المياه (بالإضافة إلى الكهرباء والمساعدات الإنسانية والخبز والكهرباء) جزءاً من سياسة التواصل مع المجتمع مما يجعل التنظيم يحظى بشعبية. ولكن وفي الوقت ذاته يقوم بإغراق القرى ويهدد بإغراق بغداد ومنع وصول المياه إلى بلدات بعينها. في شباط 2014 على سبيل المثال أقفل التنظيم 8 من أصل عشرة بوابات سد في منطقة النعيمية مما أدى لفيضانه ويهدف ذلك بشكل واضح لضرب القوات التي تحاصر الفلوجة ولكن المدنيين والمياه بالنسبة لهم ليست سلاح بل وسيلة للحفاظ على الحياة في هذه المناطق الجافة وجدوا أنفسهم بين فكي كماشة وبسبب فيضان السد فقد هرب العديد منهم من منازلهم إلى مناطق آمنة.
وحتى السيطرة لفترة وجيزة على مصادر المياه، مثل ما استيلاء داعش على سد الموصل في العراق في آب 2014، أكثر من كافية لإحداث أضرار جسيمة وذلك نتيجة للتدخل في عمليات الصيانة اللازمة والضرورية للسد. ويوصف سد الموصل بأنه "أخطر السدود في العالم" ويعتبر غير صالح للاستخدام لفترة زمنية طويلة وذلك بسبب "وجود تشكيلات الصخور القابلة للذوبان" ومؤخراً، ارتفعت وتيرة التحذيرات من انهيار السد وذلك بعد إطلاق السفارة الأمريكية تحذيراً بحدوث تشقق في السد وداعية القاطنين على ضفاف دجلة على الانتقال إلى مناطق بعيدة. ومن البديهي القول بأن تبعات انهيار سد الموصل قد تكون كارثية – إذ قد تؤدي إلى حالة طوارئ معقدة على نطاق واسع بالإضافة إلى تقديرات بعض الخبراء بأن 21 متر من المياه المُنفلتة من السد يمكنها أن تغمر مدينة الموصل بالإضافة إلى امتداد تأثير الفيضان ليصل تكريت وسامراء وحتى العاصمة بغداد.
اعتباراً من نوفمبر 2015 فإن تنظيم الدولة الإسلامية يبسط سيطرته على ستة سدود في سوريا والعراق. ووفقاً لمصادر فإن النظيم يستخدم السدود للحماية من الغارات الجوية بالإضافة إلى الاحتفاظ برهائنه المهمين وملجأ للقادة. ويستند منطق التنظيم على أن السدود لن تكون هدفاً للغارات بسبب الدمار الكبير الذي يمكن أن يخلّفه قصف سدود المياه.
ولا تنفرد داعش باستخدام المياه سلاحاً وهدفاً. في حلب في أيار 2014 توقفت محطات الضخ عن العمل – وتبادل كل من النظام وقوات المعارضة اللوم على ذلك ولاحقا في حزيران من العام ذاته قصفت جبهة النصرة –ذراع القاعدة في سوريا خط المياه الرئيسي. وطالت أزمة المياه الناتجة عن تلك الحوادث أكثر من مليوني إنسان. كما استغل الثوار في عين الفيجة سلطتهم على الينابيع في المنطقة لمعاقبة دمشق التي تشرب من مائها. ويعتبر استخدام المياه سلاحاً أو استهدافها أمرا معقدا لعدة أسباب أولها فإن تعذر الوصول إلى مياه نظيفة وخدمة الصرف الصحي ستواجه المجتمعات أزمات تتعلق بأمن الغذاء والمياه كما يمكن أن تتعرض الكهرباء للانقطاع أيضاً (لأن الكهرباء تولّدها المياه من السدود). كما إنه من الممكن أن تزيد قلّة المياه من حدة وتيرة الهجرة القسرية (ومن ضمنها النزوح داخليا) في العراق وسوريا وأن تؤدي إلى زيادة في عدد المصابين. ولعل الأكثر أهمية إضافة على ما سبق الدمار الذي يلحق بالبنية التحتية الخاصة بالمياه سيؤثر على الجهود المبذولة لإعادة بناء العراق وسوريا بعد انتهاء النزاع في البلدين.
بينما يعد استخدام المياه سلاحا تكتيكياً على المدى القصير في الحرب يؤتي بثماره بالنسبة للمتحاربين إلا أن مضاعفاته على المدى الطويل خطيرة جدا. ولا يبدو أن سياسة داعش باستخدام المياه كوسيلة لشراء دعم الناس وأيضا كسلاح في الوقت ذاته مستدامة بل في الواقع قد يكون انفصام الشخصية لدى هذه الجماعات ما سيؤدي إلى فنائها للأبد؛ إذ من ناحية تقوم بالاشتراك في نشاطات بناء الدولة ولكن من ناحية أخرى فهي تنظيم عسكري "جهادي" ذات تطلعات توسعية وتشترك في القتال على عدة جبهات. وقد يكون ذلك أن التنظيم لا يستطيع القيام بأي من هذه الأمور السابقة بشكل صحيح. إذ إن استراتيجية مبنية على استخدام المياه سلاحاً قد ترتد على التنظيم مسببة لهم الضرر لاحقاً وبشكل خاص إذا تكونت من القدرة على تقديم خدمات أساسية مثل المياه والكهرباء للمدنيين في المناطق التي تسيطر عليها داعش، وإذا كانت هذه هي الحال فإن الدعم الذي اشترته من السكان مقابل الخدمات سيكون قصير الأمد.
وقد افترض أحد الباحثين بأنه قد لا يكون لدى داعش نية تدمير السد الآن قد يقومون بذلك في المستقبل. ولكن فعلاً إذا كانوا يواجهون هزيمة عسكرية ساحقة. أعتقد بأن هذا رأي يتناسب مع نمط تفكيرهم ورؤيتهم الانتحارية وكما وصفه توبياس فون لوسو بأن مثل هذا العمل سيكون "استعراض القوة للمرة الأخيرة".
المياه ومن يتحكم بها ومن يستطيع الوصول إليها سيستمر من دون شك القوة الدافعة في سوريا والعراق كما قد يقرر مخرجات الحرب. ولكن يبقى السؤال الماثل من دون إجابة: ما الثمن.