يصنف معدل توافر المياه في الأردن على أنه الأدنى في العالم، مما يؤدي إلى الإفراط الشديد في استخدام المياه الجوفية المتجددة والأحفورية في الأردن، ويتفاقم هذا الإفراط بسبب الاستخدام غير الكفء وغير المنضبط لموارد المياه الشحيحة. كما تسبب التوسع الديموغرافي، وتدفقات الهجرة والنمو الاقتصادي في زيادة الطلب على المياه. هل يمكن لدول المنطقة، المنخرطين في صراع لا نهاية له على ما يبدو، أن يجتمعوا معا لإيجاد حل لمشكلة المياه؟
تقدر منظمة الصحة العالمية أن الشخص يحتاج إلى 1000 متر مكعب من المياه سنويا، بينما يحصل المواطنون في الأردن وغزة والضفة الغربية حاليا على 100 متر مكعب من المياه سنويا. ويحصل الإسرائيليون على 300 متر مكعب. ولتوضيح هذه الأرقام ووضعها في سياقها الصحيح، يحصل الشخص الواحد في السويد على 20,000 متر مكعب من المياه المتجددة سنويا.
على مدى الخمسين عاماً الماضية، زاد تدفق المياه من نهر الأردن إلى أكثر من النصف. وقد استنزفت تدفقات الأنهار في تركيا وسوريا والعراق بنسبة 50 في المائة إلى 90 في المائة. كما قل تدفق نهري دجلة والفرات الذين يغذيان أكثر الحضارات قدمًا في العالم في بلاد ما بين النهرين بقدر الثلث. كما تدهورت نوعية المياه في نهر الأردن بشدة. يتكون نهر الأردن الأدنى الآن أساسا من مياه الصرف غير المعالجة والتدفقات الزراعية العائدة ورشح المياه الجوفية، وكذلك المياه المالحة من الينابيع التي تم تحويلها إلى النهر بعيدا عن منطقة بحيرة طبريا.
يتوقع خلال عقدين من الزمن أن يضطر 45 مليون إيراني للبحث عن موطن في مكان آخر. ومن المفارقات، أن ينطبق نفس الرقم على دلتا النيل، حيث يهدد ارتفاع منسوب المياه في البحر الأبيض المتوسط 45 مليون شخص.
عندما تقوم بحساب الاتجاهات السياسية والاجتماعية والبيئية في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، ثم إضافة موضوع المياه، يمكنك البدء في فهم سبب التشاؤم في القصص التي تحكي عن المياه. هل يمكن لدول المنطقة، المنخرطة في صراع لا نهاية له على ما يبدو، أن يجتمعوا معًا من أجل حل مشكلة المياه؟
عين الرئيس الأمريكي ايزنهاور اريك عام 1953 جونستون كسفير خاص وكلفه بالتوسط في وضع خطة شاملة للتنمية الإقليمية لنظام نهر الأردن. عمل جونستون مع الأردن وإسرائيل وسوريا ولبنان لوضع إستراتيجية موحدة، فيما أصبح يعرف باسم خطة جونستون.
واستندت الخطة على مبادئ تهدف إلى الحد من احتمالات الصراع من خلال تعزيز التعاون والاستقرار الاقتصادي. ومع ذلك، عملت سياسات إسرائيل "العين بالعين"، ثم سوريا ولبنان على عرقلة الغرض الأصلي للخطة وباءت بالفشل عام 1967.
وقد أضعفت طريقة عمل الصفقة أيضاً من حقيقة أنه تم التوصل إلى الاتفاقيات على المستوى الفني. لم تكن هناك اتفاقيات عميقة تؤدي إلى عمل الدول معًا في مجالات مثل إدارة الطلب على المياه، وكفاءة استخدام المياه، وتغير المناخ أو التكيف مع الجفاف، كما لم يكن هناك فرص لتبادل الخبرات والابتكارات في مجال البحوث والعلوم والتقنيات.
قد لا تكون خطة جونستون نجحت في تحقيق كافة أهدافها. ولكنها وفرت مؤشراً على ما يمكن تحقيقه من خلال التعاون فوق الوطني. وبالحديث عن هذا التعاون مع العمل في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، هناك ثلاثة أنشطة حرجة لابد وأن تؤخذ بالحسبان:
أولا، يتعين على البلدان أن تعمل على تبادل الخبرات الفنية والعلمية، ويتعين على الدول تحديد مبادئ التعاون بطرق متعددة، سواء كان ذلك تحديد الأهداف لكفاءة استخدام المياه، وتغير المناخ، أو البحث والتطوير.
ويمكن لهذه الأنشطة وضع الأساس لإدارة متكاملة للموارد المائية، على المستوى الأساسي، وأن تكون مسؤولة عن أي احتمالات مستقبلية يمكن أن تشكل خطرًا.
يعزز نهج الإدارة المتكاملة لموارد المياه مصادر تنمية أكثر تنسيقا وإدارة الأراضي والمياه السطحية والجوفية، وأحواض الأنهار والبيئات الساحلية والبحرية المجاورة، ومصالح المنبع والمصب. كما تهتم بإصلاح النظم البشرية لتمكين الناس من الحصول على فوائد مستدامة ومنصفة من هذه الموارد.
ينبغي النظر لإدارة الموارد المائية المتكاملة باعتبارها عملية وليس نهجا لمرة واحدة، كحل تكراري، على المدى الطويل. وكنتيجة لعملية التغيير التي تسعى لتحويل تطوير المياه ونظم الإدارة من أشكالها التي لا يمكن تحملها في الوقت الراهن، لا يوجد للإدارة المتكاملة للموارد المائية بداية أو نهاية محددة.
ثانياً، يجب الاعتراف بأهمية المياه الجوفية، حيث تشكل المياه الجوفية أكثر من 54٪ من المياه المتوفرة في الأردن، و 60 في المائة من موارد المياه العذبة في إسرائيل وتشكل 100 في المائة من موارد المياه العذبة في الأراضي الفلسطينية.
وبسبب الإفراط في ضخ المياه الجوفية على الحدود بين إسرائيل وغزة في عالمنا اليوم، ظهر خطر زحف المياه المالحة من بحر الجليل. وكنتيجة لاستغلال هذه الموارد المائية، يتوقع بعض الخبراء أن آثار ملوحة المياه الجوفية تنتهي بلا رجعة بعد عام 2020.
أخيرا، يجب أن نركز على آثار الهجرة على إمدادات المياه. ففي السنوات الأخيرة، نزح الملايين من الناس في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا داخليا أو عبروا الحدود إلى بلدان جديدة بسبب العنف أو آثار تغير المناخ.
ومنذ عام 2011، استوعبت الأردن ما لا يقل عن 600,000 لاجئ سوري. في حين أن ثلثي السوريين يعيشون داخل المدن الأردنية، ويستضيف مخيم الزعتري، الذي أصبح من أكبر المخيمات للاجئين في العالم، حوالي 120،000 سوري في عام 2013، ليصبح بذلك خامس أكبر مدينة في الأردن.
ويقدر الاستخدام الكلي للمياه من قبل 600,000 لاجئ حوالي 2.3٪ من إجمالي استهلاك المياه في الأردن. وقد زاد الطلب على المياه بنسبة 16 في المائة في عام 2013، في حين تم تعيين العجز المائي في الأردن بزيادة بنسبة 50 في المائة. ويتسبب تدفق اللاجئين السوريين أيضا بضغط على شبكة الصرف الصحي المحلية، الأمر الذي يؤدى إلى الفيضان في كثير من الأحيان. ويتم توليد أكثر من 34 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي سنويا من قبل اللاجئين السوريين في الأردن.
لا يمكننا تجاهل هؤلاء الناس لمجرد تشكيلهم لمخاوف مؤقتة. فالتقارير تشير إلى أن متوسط اللاجئين لفترات طويلة من المهجرين من وطنهم قد تصل إلى 17 عاما. ولابد على الحكومات، بالتعاون مع منظمات الإغاثة، أن تعمل على تنفيذ برامج جديدة للحد من التوتر بين السوريين ومواطني البلدان المضيفة للتحضير لتأثير طويل الأمد لأزمة اللاجئين. ويعد تجديد الاتفاق الثنائي بشأن المياه أمراً ضرورياً، ولكن يعتبر تعزيز التعاون الإقليمي الأكبر أكثر أهمية.
في الأشهر الأخيرة، كانت الدولة الإسلامية تقاتل من أجل السيطرة على مصادر المياه في العراق. فقد سيطرت المجموعة في فترة وجيزة على سد الموصل في شهر أغسطس، ولكن تم صده من قبل الهجوم المضاد المشترك العراقي والكردي الذي تدعمه الولايات المتحدة. في ذلك الوقت، وقد صرح الرئيس أوباما: "اذا تم اختراق هذا السد، فقد كان من الممكن حدوث كارثة، مع السيول التي تهدد حياة الآلاف من المدنيين". في الواقع، يمكن أن ينجم عن ندرة المياه أيضاً كارثة على البلد بأكمله.
وفي محاولة للتلاعب بتدفق المياه من أجل إرغام وإجبار معظم دولة العراق على الرضوخ، قد أدركت الدولة الإسلامية هذه الحقيقة الأساسية التي يبدو أنها استعصت على بقيتنا. فإذا كان الماء يمكن أن يعطينا الحياة، فمن ثم يمكن أيضا أن يذهب تدمير أنظمة توصيل المياه لنا بحق الحياة.
إن غياب الماء هو سلاح الدمار الشامل الأكبر والأكثر فعالية لمنطقتنا. علينا أن ندرك قيمة الماء في توفير حياة وأمن الإنسان، والتوقف عن اعتبار الأمر كهبة. ينبغي أن نتعاون في الحفاظ على المياه. وستكون هذه الخطوة هي الأولى بين العديد من الخطوات التي من شأنها تحريك منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، والمناطق في جميع أنحاء العالم، من الصراع إلى التعاون.