كان لي في شهر أيلول عام 2014 شرف المشاركة في تجربة غنية و فريدة من نوعها في سنغافورة، في أسبوع المياه الدولي في سنغافورة (SIWW). ويعد هذا الحدث منصة للحوار والنقاش وتبادل الأفكار بين كل من كبار العاملين بمجال المياه والشباب من جميع أنحاء العالم، الذين يتوقون للتعامل مع التحديات المائية في بلدانهم.
تعتبر سنغافورة سواءا المدينة والجزيرة دولة حديثة في جنوب شرق آسيا. ويبلغ عدد سكانها حوالي 5.5 ملايين، ولديها ثالث أعلى كثافة سكانية في العالم. واجهت الجزيرة التي يبدو شكلها كالألماس الكثير من التحديات منذ استقلالها في عام 1965، ولكنها وبشكل لافت للأنظار لم تأخذ وقتا طويلا لتتألق.
أضحت قصة هذه الجزيرة الصغيرة معجزة حقيقية. و قبل نصف قرن فقط، بدت فرص الاستثمار المتاحة في سنغافورة لجمع المياه غير واضحة وميؤوس منها، بسبب محدودية توافر الأراضي لجمع وتخزين مياه الأمطار، و زيادة مستويات الجفاف والفيضانات وتلوث المياه. وأصبحت القضايا البيئية أكثر صعوبة وتحديا من قبل عملية التطور المدني والعمراني للبلاد وندرة الموارد الطبيعية.
اليوم، قامت سنغافورة باتخاذ "خطوة كبيرة" نحو تحقيق التنمية المستدامة باستخدام الإدارة السليمة للموارد المائية، من خلال التخطيط الاستراتيجي والاستثمار في البحث والتكنولوجيا. ، وقامت PUB الوكالة الوطنية للمياه في سنغافورة ببناء مشروع تزويد قوي ومتنوع من الماء عرف باسم "الصنابيرالوطنية الاربعة". وتتألف من مصادر عدة لإمداد المياه (1) مستجمعات المياه المحلية (2) المياه المستوردة، (3) المياه المنقية والمعالجة بدرجة عالية المعروفة باسم NEWater، و (4) المياه المحلاة.
تعد سنغافورة واحدة من البلدان القليلة في العالم في حصاد مياه الأمطار في المدن على نطاق واسع لغرض إمدادات المياه. بحيث يتم جمع مياه الأمطار من خلال شبكة شاملة من المصارف والقنوات والأنهار وبرك جمع مياه الأمطار والخزانات قبل معالجتها لتوفير مياه الشرب. وتعتبر ثلثي سطح أرض سنغافورة اليوم مناطق مستجمعات للمياه، وتهدف PUB الى زيادة مساحة مستجمعات المياه إلى 90٪ في المستقبل.
كانت قمة القيادات الشابة للمياه YWLS إحدى الفعاليات التي حضرتها خلال أسبوع المياه الدولي الذي عقد في "سد مارينا " الخزان الخامس عشر في سنغافورة ذو الهيكلية الرائعة، ويخدم السد ثلاثة أغراض: يوفر تخزين المياه والسيطرة على الفيضانات والاستجمام، مقدما بذلك مكانا للأنشطة التي تعتمد على الماء في قلب المدينة. وأتيحت لي في هذه القمة الفرصة لشرب ماء NEWater (الصنبور الوطني الثالث).
تعد مياه NEWater المعالجة عالية الجودة، بحيث تنتج من مياه معالجة مستعملة يتم تنقيتها باستخدام المزيد من تكنولوجيا الأغشية المتقدمة وتعقيم الأشعة فوق البنفسجية ، مما يجعلها فائقة النظافة وصالحة للشرب. يمكن لمختبرات NEWater تلبية ما يصل إلى 30٪ من احتياجاتها من المياه الجارية في البلاد، وتعتبر ركيزة من ركائز الاستدامة المائيه.
لا بد أن التقدم والإنجازات التي توصلت إليها هذه الجزيرة الصغيرة، والتي تبدو في الظاهر بلا موارد، كبيرة جدا، وكنموذج تحفيز لبلدان أخرى تواجه تحديات مماثلة. وتتنوع القضايا المتعلقة بالمياه في أجزاء مختلفة من العالم، ويجب التعامل مع كل واحدة من تلك القضايا من خلال النهج الأكثر مناسبة، فالناس هم وكلاء التغيير ويتوجب عليهم العثور على أفضل الاستراتيجيات. وقد ذكر أحد المتحدثين في SIWW أنه عندما يتعلق الأمر بالمياه، فإن أفضل استثمار هو الشعب، وأنا أتفق بشدة مع هذا الرأي، فيمكن معالجة وتقليص التحديات ، ويمكن إيجاد الحلول، ومن واجبنا العثور عليها.
أعتقد أن تجربة المياه في سنغافورة هي مثال عظيم على تحويل الضعف إلى قوة، وأن لا شيء مستحيل، إذا انتهج الطريق الصحيح. فلمثل هذه القصص يجب أن نلتفت ، عندما لا يكون مستقبل المياه مشرقا. وهذه القصص التي تحفزنا نحن وكلاء التغيير، للوقوف في الواقع واحداث التغيير.