كل منا يعمل على مشاريع فردية بصفتنا زملاء أبحاث في معهد (وانا)، وقد يكون أو لا يكون بيننا الكثير من القواسم المشتركة. ولكن الشيء المشترك على التوالي في جميع هذه المشاريع هو المرونة.
نحاول في المعهد إيجاد سبل لتحويل المرونة من المفهوم المجرد إلى سياسات قابلة للتطبيق. ولكن هذا لم يتحقق حتى قام فريق الأمن البشري بزيارة الى مخيم الزعتري للاجئين في شهر أيار، عندها أصبح مفهوم المرونة مرئيا بالنسبة لي بشكل شامل.
واحدة من أهم الطرق الرئيسية التي نستطيع من خلالها فهم المرونة، ليست فقط القدرة على البقاء على قيد الحياة، ولكن أيضا الإزدهار في الشدائد.
كنت أعرف قبل الزيارة أن الزعتري يوفر جميع الخدمات اللازمة لضمان الجودة الأساسية للحياة. ولكن كانت الابتسامات الجماعية والأنشطة التي تجري تحت أشعة الشمس الحارقة هي التي جسدت الرفض لعدم البقاء على قيد الحياة فقط، ولكن للعيش في الزعتري. قد تكون مراقبتي للمدى الذي يبتسم فيه هؤلاء الأشخاص هو الجزء الأصعب بالنسبة لي، كما أنني كنت أفترض أن سكان المخيم لن تكون لديهم البهجة والسرور، إلا أن رؤية وجوههم المتوهجة أجبرتني أن أسأل نفسي سؤالا صعبا - إذا كان بمقدور سكان المخيم الابتسام رغم كل ما قد مروا به، كيف لا يمكنني العثور في نفسي على الابتسام بشكل دائم؟
دفعتني هذه الأفكار إلى استنتاج واحد مفاده أنني لم أكن بالتأكيد اتمتع بالمرونة كأي من الناس الذين يعيشون هناك.
تم بناء مخيم الزعتري قبل ثلاث سنوات في تسعة أيام فقط. بدءا بحوالي 100 عائلة، وكانت الفكرة أنه سيكون ترتيبا مؤقتا حتى تستقر الأمور في سوريا وتعود كما كانت عليه, وهو الآن أكبر مخيم للاجئين في الشرق الأوسط، ورابع أكبر مدينة في الأردن، ويضم حوالي 80،000 شخص.
ثم تطور من مخيم إلى "مدينة" - مجهزة بالخدمات العامة مثل المدارس ,المستشفيات ,المساجد ومراكز الشرطة، و لا أحد من سكانه يعيشون في الخيام, ومع ذلك، فإن الرائع في الزعتري هو أنه، على الرغم من الحنين في العودة إلى ديارهم، ذهب اللاجئون بطريقتهم لخلق شعور من الحياة الطبيعية لأنفسهم, جاعلين من المعيشة في الزعتري تتطلب الكثير من الإبداع.
تجربتي المفضلة عن الإبداع كانت نافورة المياه التي تعمل بكامل طاقتها والتي كانت بمثابة وسام في وسط متجر الشاورما الأكثر شهرة في المخيم. استغرق الأمر مني بعض الوقت لأدرك أن النافورة كانت في الواقع دش للإستحمام تم قلبه رأسا على عقب. والأكثر إثارة للإعجاب أن هذا التزيين الصديق- للبيئة جعلها تعمل فقط حين يكون هناك عدد كاف من العملاء في المتجر. بدون الحاجة الى الغلو ولكن من وجد هذه الإرادة لبناء نافورة الماء سيجد بالتأكيد قوة الإرادة لإعادة بناء سوريا يوم ما.
إن القدرة على ابتكار "الشانزليزيه" الخاص بهم والنابض بالحياة وهو المصطلح الذي يستخدمه سكان المخيم على الطريق الرئيسي الذي يمر في وسط الزعتري, كان تذكيرا بمدى عضوية وطبيعية التجارة وكيف يمكن أن تكون.
ليس بالضرورة أن يكون متصلا بنفس الإسم. ويصطف في شانزليزيه الزعتري حوالي 2500 متجر تم انشائها بالكامل وتشغيلها من قبل اللاجئين. وهي تتراوح ما بين الحلاقين ومحلات الزفاف ومقاهي الشيشة، وخدمة تسليم البيتزا.
الشانزليزيه يجسد تماما مقولة آدم سميث "اليد الخفية'- حيث يزدهر الاقتصاد ويرتب نفسه عضويا وبكفاءة دون تدخل الدولة.
إنه السوق الوحيد الذي ذهبت اليه حيث عبارة "إحتفظ بالباقي" لم تعطي أثرها المنشود.
في محاولتي الأساسية أن أكون مهذبا، اقترحت على الرجل الذي باعني العصير المثلج ذو الأوان الزاهية أن يحتفظ بباقي الدينار الذي أعطيته إياه,. أجاب بحزم "شكرا سيدتي،لكنه يكلف فقط 10 قروش".