المقابلات الشخصية قد تكون أكثر الوسائل فائدة و متعة لإجراء بحث ما. ولدى إعدادنا لأحد الأبحاث التي ستنشر قريبا، كنا نبحث عن مستثمرين سوريين اختاروا الأردن كملجأ آمن لأعمالهم الصناعية، أوصى عدد من شركائنا بأن نزور مصنع الدرة، أحد عمالقة إنتاج الصناعات الغذائية السورية، كاستثمار سوري رائد في الأردن وقد يكون أكبر شركة سورية تختار الانتقال إلى الأردن. وهناك الكثير مما يمكن معرفته من الأسباب وراء نقل الدرة لعملياتها إلى الأردن، لذا شعرنا بضرورة الذهاب إلى إربد وزيارة مصانع الشركة في اربد. وكما اتضح لنا فقد كانت نتيجة هذا الانتقال مثال متكامل للأرباح التي يدرها هكذا استثمار على جميع الاطراف.
تأسس المصنع في 2011 واتخذ مقره في مدينة الحسن الصناعية باربد بين عشرات من المصانع الأخرى وقد تبنى نموذج عمل التكتل الصناعي. علاوة على نظام المصنع المثير للإعجاب فإن إنجازات الدرة على مدى الأربع سنوات الماضية كانت مذهلة بشكل خاص.
حال وصولنا إلى المصنع كان هناك من أرشدنا إلى قاعة الاجتماعات وهناك كانت تعرض على الرفوف تشكيلة واسعة من المنتجات الغذائية الشرق أوسطية. ولكن المثير للإعجاب فعلا إلى جانب التغليف الجميل هو أن هذه المنتجات معدة للتصدير، مما يعني أن الدرة تسهم إيجاباً في الميزان التجاري الأردني.
وسرعان ما التقينا المدير العام للمصنع السيد محمد خير النان. وما كان مخططا لأن تكون مقابلة لنصف ساعة لغايات البحث أصبحت حواراً امتد لساعتين من الزمن حول الدور الذي يمكن أن يقوم به رجال الأعمال السوريين في مساعدة عملية التنمية الاقتصادية في الأردن – وقد نجح السيد نان في عرض وجهة نظر قوية.
فالشركة اليوم تدير المصنع الوحيد في المملكة الذي يطبق قواعد الاتحاد الأوروبي الصارمة للرقابة على الجودة، وبالتالي فإن ذلك يزيد من قدرة الأردن على التصدير إذ تباع منتجات المصنع في أوروبا مكتوب عليها "صنع في الأردن". وبالإضافة إلى ذلك وبفضل الشركة أصبح الأردن وللمرة الأولى على الإطلاق مصدراً للحلوى الرمضانية الشهيرة "قمر الدين" وهي سلعة كان الأردن يستوردها لتباع في الأسواق بسعر أغلى.
استهل مصنع الدرة عمله بما يقرب من 500 عامل –أغلبيتهم من السوريين – في 2011. ولكن أثار اهتمامنا بأن المصنع قد تمكن بعد انتقاله من جلب الخبراء الفنيين معه من سوريا ولكن عندما كنا نقوم بجولة حول المصنع فقد لاحظنا عددا كبيرا من الطلبة الأردنيين يتدربون في المصنع وفقا لاتفاقية أُبرمت مع الجامعات الأردنية في المناطق المجاورة. وتلتزم الدرة بحصص العمال الأردنيين في القطاع الصناعي حيث يعمل لديها أكثر من 400 موظف أردني. ولكن ما كان هذا ليتحقق لولا نهج نقل المعرفة الذي يسره المصنع حتى الآن.
إلى جانب الاعتماد بشكل أساسي على اليد العاملة الأردنية فإن هناك جانبا مهما وهو أن أغلب العاملين في المصنع من النساء – في كل المواقع سواء التي تتطلب حرفية منخفضة أو مستوى عالياً من الحرفية. ويتضح مستوى التقدير لدور المرأة أكثر عندما التقينا عددا من الخبراء الذين انتقلوا مع المصنع من سوريا لأن خبرتهم غير متوافرة في السوق الأردني، ثلاثة من هؤلاء الخبراء الخمسة كن من النساء واللواتي عملن في المصنع لأكثر من 15 عاما بمواقع تتطلب حرفية عالية. ونظرا لأن مساهمة النساء في سوق العمل الأردني تقف عند 14% فقط فإن الدرة تقدم مثالا حيا على رفع نسبة مشاركة النساء في سوق العمل بما يتفق مع أهداف التنمية في الأردن وبشكل خاص الأهداف المتعلقة بالقطاع الصناعي.
قد يكمن سبيل التقدم بالنسبة للأردن في خلق نشاطات اقتصادية ذات قيمة مضافة مثل تطوير القطاع الصناعي وتحسين نسبة مشاركة الأيد العاملة لكل من الرجال والنساء وبموازاة ذلك تنظيم وإتاحة العمل في المملكة للسوريين المقيمين فيها. وتظهر تجربة مصنع الدرة أن هذه العملية قابلة للتطبيق. وهذه الأهداف قابلة للتحقيق إذا ما تمكن الأردن من جذب الاستثمارات الأجنبية. إن مصنع الدرة مثال عملي على إمكانية تحقيق الأهداف الثلاثة تحت سقف واحد بل ويمكن لكل منها أن يكمل الآخر.