بين الفينة والأخرى يتبين جليّاً أن النهج المتبع لا يهدف لكسب المعركة ضد الفقر والنزاعات في العالم. كما تظهر مصطلحات جديدة ومن أحدثها شيوعاً مصطلح المرونة " Resilience " وهو مفهوم يستخدم أساسا في العلوم الطبيعية. ولكن إذا تصفحت بشكل سريع المواقع الالكترونية للمنظمات التنموية لعلك معذور في أن تعتقد أن "المرونة" هي الحل لكافة مشاكل وقضايا القرن الواحد والعشرين؛ ابتداء من أمن الإنسان مروراً بالإرهاب وانتهاء بالتغيّر المناخي. ولكن الخوض في معنى مصطلح المرونة وما يحمله صعب وكيفية تطبيقه أصعب بكثير. ولكن المرونة كما أظهر الأردن في إدارته لأزمة اللاجئين الحالية لا تتضح بثبات الأمور على حالها بل بالتغييرات التي تحدث في مواجهة المجهول.
في مواجهة تبعات الربيع العربي وسقوط حسني مبارك والحروب الأهلية في ليبيا واليمن والصراع الدموي في سوريا، فقد أجمع الباحثون والسياسيون على ثناء واستحسان "مرونة" الأردن في تعاملها مع الثورات العربية. لقد واجهت المملكة مظاهرات احتجاجية، ولكن ما الذي منعها من التفاقم؟ هل كانت الإصلاحات السريعة التي نفذتها الحكومة أو احترام الشعب للعرش الهاشمي أو مرونة البلد وثباته؟ لعل التحديات التي تواجه الأردن في الوقت الحاضر أكبر وأكثر خطورة من تلك التي واجهها في 2011، إذ حلّ الأردن في المرتبة الثانية عالميا من حيث ندرة المياه ويتعامل مع تدفق غير مسبوق لللاجئين ويواجه خطر التطرف العنيف من حدوده الشمالية والشرقية. فالسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يتمكن الأردن من الحفاظ على استقراره؟
تعريف المرونة بحسب مركز ستوكهولم للمرونة "قدرة نظام، سواء كان فرداً أو غابة أو مدينة أو اقتصاد للتعامل مع التغيير والاستمرار بالنمو. فالمرونة هي القدرة على استغلال الصدمات والاضطرابات لتحفيز التجديد والتفكير الإبداعي". وبالتالي، فإن مصطلح المرونة ليس مقصورا على الصمود في وجه آثار الأزمات الإقليمية والبيئية والسياسية ولكن يشتمل على التطور وانتهاز الفرص والاستفادة من الاضطراب.
أرهق 630,000 لاجئ سوري مسجل في الأردن الاقتصاد وفاقموا الضغط على الموارد الطبيعية وخلق أعباء اجتماعية جديدة، ولكن الأردن لم يقف ساكناً بانتظار المجتمع الدولي لكي يطعم الجياع، بل وظّف هذه الأزمة واستغلّها كفرصة لإعادة تنظيم اقتصاده.
قدّم الأردن في مؤتمر لندن للمانحين الذي عُقِد في بدايات هذا الشهر استراتيجية تركز على خلق الوظائف وإعادة تأهيل المجتمعات المضيفة وتحسين الخدمات الصحية والتعليم والبنية التحتية. لقد أثمر هذا النهج إذ أمّن الأردن مساعدات تزيد عن مليار دولار أمريكي ومنح الاتحاد الأوروبي تسهيلات للأردن في قواعد متطلبات بلد المنشأ. وربما ينبغي أن تكون الخطوة التالية – إن لم يتم التفكير بذلك مسبقا – أن يصبح الأردن في المقدمة في عملية إعادة الإعمار بعد إنتهاء النزاع في سوريا. وهذه لا تعد انتهازية بل تفكير استراتيجي في الصميم.
إن النظر إلى الأزمة السورية على أنها فرصة للتطور والاستثمار في النمو وبناء نماذج لحلول مستدامة لم يكن مقتصرا على القطاع العام؛ إذ خلقت الأزمة مساحة للابتكار والابداع. على سبيل المثال، قامت مجموعة من رواد أعمال مختصون بالتكنولوجيا بالتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لاستخدام نظام مسح القرنية على نطاق واسع – وهو نظام يُمَكّن اللاجئين من الوصول إلى مساعداتهم من دون الحاجة إلى استخدام بطاقة بنكية أو رمز سري. وتعتبر هذه الطريقة لإثبات الهوية من أكثر الطرق فعالية لتوزيع المساعدات الإنسانية في العالم.
مثال آخر وهو مشروع صغير ناشئ يدعى ((Refugee Open Ware (ROW) أي البرمجية المفتوحة لللاجئين، حيث يستخدم المشروع الطباعة ثلاثية الأبعاد وتقنية اللاسلكي لصناعة الأطراف الصناعية ومن ضمنها أذرع كهروعضلية يمكن أن يتحكم بها المستخدمون من اللاجئين الذين تعرضوا لبتر أطرافهم. إن هذه المشاريع الناشئة والروح الريادية والابداع مدعاة للإعجاب والتقدير ويجب أن تعتبر أساسا لمرونة الأردن.
إذن كيف حافظ الأردن على استقراره؟ لعل هذا السؤال ليس في محله لأن مصطلح المرونة ليس متعلقا بالاستقرار بل بالإحاطة بالفوضى عبر الابداع بالإضافة إلى إن الطريقة التي تقوم الحكومات والمشاريع الصغيرة والأفراد بالابداع والابتكار تشكل مثالا يحتذى ومصدر إلهام لكافة دول إقليم غرب آسيا وشمال أفريقيا.