يجب أن يطلب من أي مهتم ولو من بعيد بكيفية حدوث الأمور الاستثنائية قراءة "القيم المتطرفة" للكاتب مالكولم غلادويل. وذلك أن الرواية توفر نقطة للابتعاد عن السرد الروائي السائد لموضوع النجاح، وتوفر بذلك وصفة للتمكين في الوقت الذي توجد فيه حاجة لا جدال فيها لدى سكان هذه المنطقة لما يستوحون الإلهام منه.
ويحرر الكتاب الإنجازات الاستثنائية إلى ما يمكن للشخص الذكي المشاركة فيه دون أن يكون حكرا على الشخص الأذكى فقط. شيء يمكن لمعظمنا المشاركة فيه. فللذكاء أهميته لكن إلى حد معين فقط. وهذا الحد هو معدل ذكاء يقارب 140. وهذا ما يحتاجه أي كان ليكون أدائه موفقا في الجامعة ويتمكن من الحصول على درجة الماجستير. وفوق كل هذا، لا يؤثر امتلاك مستوى أكثر من الذكاء على احتمالية تحقيق النجاح الاستثنائي. ويبدأ عندها ظهور أهمية العوامل الأخرى كالعزم وتوفر الفرصة والالتزام، غير أننا لا نملك أي نوع من السيطرة على هذه العوامل.
وتحظى الممارسة العملية بأهمية خاصة. وتبدأ نقطة التحول بالتبلور عند انقضاء 10 سنوات أو 10.000 ساعة. ومن الوارد جدا أن نجاح فرقة بيتلز على مستوى العالم لم يكن ليتحقق دون أن يقضوا 270 ليلة من العزف في مشارب هامبورغ وعلى مدى 18 شهرا بين عامي 1960 و 1962.
لقد سجلت مؤخرا 10.000 ساعة من العمل كوالد (3 أطفال x 10 ساعات/ اليوم x 365 يوم/ السنة)، كما أني على وشك إنهاء 10.000 ساعة من العمل في مجال اختصاصي. وربما هذا ما يولد لدي شعور بأن استيعابي أصبح بطيئا، وأن بعض أكثر أفكاري وضوحا لم تتشكل إلا مؤخرا. ومع أن هذا يرتبط بالشق الخاص بالعمل.... إلا أني أشعر بالضياع كوالد.
وتحتفي رواية القيم المتطرفة بالفكرة القائلة بأن إنجازاتنا من صنيع أيدينا. وتقترح بأن القوة على إحداث الأثر تكمن بوجود مدى من أصحاب المصلحة أوسع بكثير مما نعتقد في العادة. ويطرح غلادويل قضيته باستخدام الأدلة الدامغة والإحصاءات، بدلا من سرد روايات حول تحقيق الانتصار على الشدائد. ويفتح بذلك الباب أمام فيضان من التمكين، رواية يمكن لأي والد وعضو في المجتمع وشريك في التنمية أن يقتنع بها. هل سبق وإن مرت لحظة في التاريخ كنا أحوج فيها إلى هذه الرسالة مما نحن عليه الآن؟
ولن أسافر على متن خطوط جوية ذات مؤشر متدني للبعد السلطوي.