كحال كثيرين حول العالم، أحاول التكيف مع متطلبات الحياة الشخصية والمهنية المصاحبة لانتشار فيروس كورونا. الأزمة العالمية تعيد تعريف وتحفيز العديد من الخصال والمبادئ والقيم البشرية، مثل العناية الشخصية، والتوازن الحياتي، والتطوير الذاتي، ومساعدة الآخرين، والاهتمام بالبيئة وغيرها.
لنأخذ حماية البيئة مثالا في ضوء ما تناقلته وسائل الإعلام من مواقف وآراء حول التأثيرات المحتملة لجائحة كورونا على بعض القضايا البيئية الساخنة مثل التغير المناخي والتنوع الحيوي. يتوارد للذهن تساؤلات عديدة: هل يصبح فيروس كورونا المنقذ الموعود من تلوث الهواء وانبعاثات غازات الدفيئة؟ هل جلبنا نحن البشر الفيروس بعبثنا بالنظم الحيوية والبيئية؟ وهل من دروس تستقى من تجربة كورونا وترشد التنمية البشرية بصورتها الجديدة؟
قبل أيام، صرحت رئيسة برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن البشرية تعرض الطبيعة لضغوطات كبيرة وذات تبعات مدمرة، محذرةً من أن الفشل في العناية بكوكبنا يعني فشلنا في العناية بأنفسنا. وأوضحت أنه لم يسبق وانتقل هذا العدد من مسببات الأمراض من الحيوان إلى الإنسان حيث وصلت نسبة الأمراض المنقولة من الحياة البرية إلى 75% من مجمل الأمراض المعدية المستجدة.
حث علماء المناخ، بدورهم، الشعوب على اتخاذ خطوات واقعية للاستعداد لمستقبل تحفه المخاطر الناتجة عن النتائج الوخيمة لتغير المناخ.
لعالم ما بعد "كورونا"، بغض النظر عن التواريخ والمدد، بدأت الاقتصادات والمؤسسات التمويلية تجري حساباتها ولا تبدو الصورة مشرقة. صندوق النقد الدولي صرح أن الاقتصاد العالمي سيدخل في حالة ركود، أما البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية فقد أقرا حزمة إضافية من التمويل السريع مقدارها 14 مليار دولار لمساعدة الشركات والدول على مكافحة الفيروس والتعامل معه والحد من انتشاره.
البلدان المتضررة، بدورها، تتبنى إجراءات شرسة للتخفيف من الأضرار الاقتصادية خلال الأزمة، بيد أنها ستحتاج إجراءات أكثر صرامة لإنعاش اقتصاداتها عقب انحسار أزمة كورونا. أما الشعوب، مثلنا نحن الأردنيون، ممن وضعتهم دولهم في قمة أولوياتها، فسيستحثون الهمم لرد الجميل والنهوض بالتنمية والاقتصاد من خلال خطط ومشاريع تعوض ما فات وتمنح الأمل في حياة أفضل.
ومع ذلك؛ هل ستستطيع الاقتصادات الناشئة الصمود أمام ركود اقتصادي جديد؟ وهل من المنطقي الاستناد في التخطيط لمرحلة ما بعد كورونا على دراسات وتقارير وبيانات ما قبل كورونا؟ وهل ستحمل مفاهيم التنمية البشرية والتوظيف والضمان الاجتماعي المعاني نفسها التي تحملها اليوم؟ وهل يتوقع العالم أزمة أو أزمات جديدة نتيجة التباطؤ في اتخاذ قرارات حاسمة
عناوين التغير المناخي والتدهور البيئي لا تروق لكثيرين حاليا، لكننا لا نستطيع إنكار أن السنوات القليلة الماضية كانت ثقيلة على الناس والحكومات. فالأبنية والبنية التحتية والخدمات الأساسية وسلامة الإنسان وصحته لم تكن في أفضل حالاتها. الآثار السلبية المباشرة وغير المباشرة للتغير المناخي أصبحت أكثر وضوحاً، بينما إجراءات التصدي لتغير المناخ تلوح على استحياء في بعض الدول والمناطق دون غيرها.
في الأردن، مثلا، فقدنا أرواحا غالية قبل سنوات وما يزال كثير منا يعانون تبعات الفيضانات والجفاف. يفاقم مثل هذه الآثار على المستوى الوطني تحديات أخرى كزيادة عدد السكان (وتبعات اللجوء) والبطالة وتحديات أمن المياه والطاقة. الأردن أنجز خطوات مهمة في التوسع باستخدام الطاقة النظيفة، لكنه ما يزال في أول الطريق وبحاجة إلى تعاون عربي ودولي للاستمرار وللتكيف مع آثار تغير المناخ الاقتصادية والاجتماعية.
لكن هل ستعيق أزمة فيروس كورونا التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة؟ وهل يتحتم علينا مراجعة اتفاق باريس والأهداف التي نص عليها بسبب التأخر المتوقع في الإنجاز؟ وهل يمكن لتمويل المناخ والاقتصاد الأخضر تقديم حل ناجع لإنعاش الاقتصادات المتضررة، وربما لتطوير نهج أكثر إنسانية للتخطيط التنموي؟
ثلاثة دروس تظهر بوضوح هنا: الأول أن البيئة المحيطة تبدو أكثر صحة ونظافة في زمن الكورونا، ما يعني أن إجراءات حاسمة قليلة قد تصنع فرقا كبيرا في نسب التلوث البيئي. والثاني أنه من المتأخر جدا البدء في اتخاذ إجراءات وقائية عند وصول الخطر أو بيان الأثر، وأما الدرس الثالث فهو أننا يجب أن نعي أن التحديات المحيطة ستصبح أكثر تشعباً وتعقيداً وتداخلاً، وليس من المقبول أن نعلق القرارات والإجراءات اللازمة لمجابهة تحد معين فقط لأن تحديا آخر ظهر فجأة. أي تقاعس عن التعامل مع أحد تحديات التنمية البشرية يعد أفضل مسرّع للأزمات والكوارث الإنسانية.
من المنطقي أن تُنجب التحديات غير التقليدية حلولا غير تقليدية. يطلق العالم اليوم نداء عاجلا للعلماء على تنوع اختصاصاتهم، وهم أصحاب المعرفة والمصداقية، ليس فقط لإيجاد تفسيرات وحلول لمشاكل اليوم، وإنما لاستشراف المستقبل بكل تعقيداته وفرصه، ومن ثم توجيه خطط التنمية البشرية نحو مستقبل أكثر أمنا وسلامة.
The op-ed is avilable on English here.
المهندسة ربى الزعبي – مستشار سمو رئيس الجمعية العلمية الملكية للسياسات العلمية وتطوير البرامج
تتمتع ربى الزعبي بخبرة عملية تقارب ال 20 عاما في التخطيط الاستراتيجي وتطوير السياسات والحوكمة البيئية والاقتصاد الأخضر والتعاون الدولي وتطوير الأعمال وبناء الشراكات، إضافة إلى إدارة برامج دعم البحث العلمي والابتكار. تعمل حاليا مستشارة للرئيس في مجال السياسات العلمية وتطوير البرامج في الجمعية العلمية الملكية. شغلت قبل ذلك منصب مديرة دائرة البحث العلمي في مؤسسة عبد الحميد شومان، كما عملت كأول مديرة للسياسات والتطوير في وزارة البيئة، وفي هيئة المناطق التنموية كمديرة للاستدامة البيئية ومديرة للتطوير المؤسسي وإدارة المشاريع وتطوير الأعمال والاتصال.