إن الحرمان من الحقوق الإنسانية الأساسية لمواطني القدس يؤدي بالشباب إلى اتخاذ مواقف معينة – وهؤلاء الشباب صغار السن، لن يخلو موقفهم من العنف دائما. الكاتب الضيف وليد سالم يضع بعين الإعتبار الأسباب التي تؤدي بالشباب المقدسي إلى مثل هذه الأفعال وما يمكن فعله لوقف تلك دائرة.
فقدت القدس واحدا من أهم قادتها عندما توفي فيصل الحسيني في عام 2001. و يمكنك القول بأن فيصل كان آخر قائد قام بتقديم العديد من التضحيات من أجل الفلسطينيين. وينحدر من حقبة كان القادة فيها أقرب للمواطنين، كان يمشي في الشارع و يتحدث مع الجميع محاولا تفهم معاناتهم. لم يخف من أن يكون ناشطا، وكان يتحدى قرارات الهدم من خلال وقوفه وحده أمام المباني وحده. كان يدعو الفصائل المختلفة إلى مكتبه ويعطي كل واحد منهم وقتا كافيا ليطلع على وجهة نظرهم.
وعند وفاته، ترك فراغا لا يمكن ملؤه، ولم يأت رئيسا يملك شخصية كشخصيته. بل شهدنا انقساما في القيادة، وتحولا من القيادة المركزية إلى القيادة المحلية، مما أدى إلى خلق المنافسة و العداوة بين الناس والمجموعات التي يفترض بها أن تعمل نحو نفس الهدف، ففقدت القيادة الشرعية التي خولتها من امتلاك القوة.
وقد ترك الانقسام السياسي القيادة المحلية معزولة إلى درجة كبيرة، بلا قيادة مركزية تقدم الدعم لها. واستبعد هؤلاء القادة المحليين الشباب من صنع القرار في المجتمعات، بحجة أنه لا يمكن للخبرة أن تتحقق إلا مع تقدم العمر. ومن المقلق أكثر استبعاد النساء - صغارا وكبارا - من هذه العملية.
عند إقصاء الناس – نساءا وشبابا أو أي مجموعة – يصبح الناس محرومين و محبطين. وبدلا من وجود مشاركة منظمة متسقة، نشهد وبشكل متزايد مواقف فورية و مشتتة، وتعد تلك المواقف ذات تأثير أقل، و أقل قدرة على إحداث التغيير بالمقارنة مع المواقف المنسقة والتي تشمل الجميع.
باختصار، يشعر الشباب على وجه الخصوص بإحباط متزايد.
عندما خطف الطفل محمد أبو خضير الذي يبلغ من العمر 12 عاما و حرق حتى الموت في شهر تموز 2014، شعر الأطفال المقدسيون بالتهديد. وأدركوا أنه من الممكن أن يكونوا مكانه بكل سهولة، وبهذا الخوف ظهر أطفال يمتلكون دفاعا فطريا، بعمر السبع سنوات، يلجؤون للعنف ويحملون الحجارة ليرموا بها على الشرطة الإسرائلية ويشاركون في مظاهرات الشوارع.
يشعر هؤلاء الشباب بانعدام رؤيا المستقبل الواضح، فعندما يتخرج هذا الجيل من الجامعة سيكون أمام خيارين: إما أن يصبحوا أعضاء في السلطة الفلسطينية، ويتطلب ذلك أن يعبروا نقاط التفتيش كل يوم وأن يواجهوا الإذلال والإهانة من قبل الجنود الإسرائيليين، و الخيار الثاني أن يعملوا في القدس الغربية بعقود عمل دون المستوى برواتب متدنية مقارنة بزملائهم الإسرائليين ويواجهون أيضا الإذلال و الإهانة. تقدر نسبة العرب الإسرائليين الذين لا يعملون أو يدرسون بما يقارب 38.5 للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18-22، لأسباب تعود إلى صعوبات في دخول سوق العمل أو درجات التعليم العالي. أما النسبة المئوية للإسرائليين اليهود فهي 17.8، فطريقهم واضحة ومستقيمة في خضم هذه الفوضى، وهي الإلتحاق بالجيش.
وعندما نجمع بين التهديد والبيئة الهالكة بالإضافة إلى المستقبل الكئيب غير الواضح، نفهم حينها بأن المقدسيين الفلسطينيين ستتحول جهودهم إلى وسائل عنيفة. تقتضي الغريزة الإنسانية بحماية النفس، وهذا ما يفعلونه من خلال استخدام الطريقة الوحيدة التي يعرفونها، ألا وهي رمي الحجارة.
ينظم الشباب مظاهرات في القدس الشرقية في كل ليلة، وعادة ما تتراوح الأعمار بين 18-25، وهم ينسقون أيضا مظاهرات الأطفال التي تتراوح أعمارهم بين 7-14 عام، ليجتمعوا مع بعضهم فيظهروا ردة فعل الغضب اتجاه الشرطة الإسرائيلية.
يجب علينا خلق قناة أخرى للتعبير عن الذات والإنتقال بهؤلاء الشباب من كونهم رجعيين إلى كونهم بناة فلسطين المستقبل. ويجب أن نقدم لهم القنوات التنموية اللازمة لبناء البلاد للمستقبل الذي يتصورنه. يجب أن يشعر الشباب بأنه مخول لفعل شيئ ذو معنى وأن عمله يمكن أن يكون له تأثير مباشر. عندما يرون أن هذا النوع من السلوك هو أقوى بكثير من رمي الحجر، سنبدأ حينها في رؤية تغيير في نظرتهم. باختصار، يجب أن نبدأ في إعادة تأسيس الحقائق على الأرض الفلسطينية. فقد بنيت إسرائيل من خلال خلق حقائق صهيونية على الأرض، وسينطوي هذا على خلق مشاريع مثل بناء المساكن الجماعية للأزواج الشباب ومشاريع مجتمعية الأخرى. يعرف المقدسيون الشرقيون العقبات بشكل جيد، ولكن هناك ثغرات في قانون البلديات الإسرائيلي الذي يمكن أن يسمح بهذه التنمية.
لكن هذا التغيير، سيبقى بعيد المنال إذ لا يزال هناك الكثير من الإنقسام بين الأطراف والقادة والمجتمعات الفلسطينية. وتتفاعل الأطراف حاليا مع المجموعات الأصغر سنا عن طريق وعظهم. فلا يقوموا بإشراكهم في أي من النقاشات أو القرارات الفعلية، كما أنهم لا يظهرون لهم أي توجيه الحقيقي، ولا تزال طاقة الشباب الفلسطيني غير مستغلة علما أنها عاملا حاسما في التقدم السياسي.
لم يعد تأثير تلك الحركات الشبابية بذلك السوء، فبعد سنين عدة أصبحت السيطرة و الهيمنة الإسرائيلية مقبولة، وشعرت إسرائيل بأن وجودها أصبح مستقرا وأن الفلسطينيين اعتادوا على الإحتلال، وأن الحركات الشبابية نزحت. ولكن الاحتلال سيبقى احتلالا و سيبقى الشباب متحديا له.
وقد فاجئت هذه الحقيقة العديد من الناس، و لم تقل عن تفاجئ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو و الذي تبنى حتى لفترة قريبة فكرة توحد فلسطين، حتى المجتمع الدولي أيضا غير شعوره اتجاه القضية في الآونة الأخيرة. ثم بدأت النقاشات حول وضع السياسات المستقبلية بالتطور لتشمل حقيقة أن السكان الفلسطينيين ببساطة غير راضيين بالاحتلال.
وأخيرا، فإن حقيقة انضمام الشباب إلى هذه القضية واستعدادهم لنشرها بينهم يبين مدى اهميتهم للقضية الفلسطينية، ويجب على القيادة أن تتحمل المسؤولية لتسخير تلك الطاقة إلى فرصة للعمل معهم على جبهة مشروعة، ويجب أن يسمحوا لهم بالاندماج والمشاركة، فهذه فلسطين المستقبل وهم يستحقون تلك الفرصة.