على الرغم من وضعه كبلد ذو دخل متوسط، يستفيد الأردن من عدد كبير من البرامج الإنمائية والإنسانية. ويرجع ذلك إلى حد كبير لاستضافته لأعداد هائلة من اللاجئين، فضلا عن موقعه الاستراتيجي وسط ديناميَات الصراع الحالي في المنطقة. وعادة ما تأتي هذه المنح التمويلية من المانحين الدوليين الذين يقومين بتنفيذ برامجهم التنموية وخطط التدخل من خلال منظمات المجتمع المحلي أو المؤسسات الحكومية. ما يطرح سؤال: من الذي يقرر أولويات التنمية للدولة: المانحون أم المجتمعات المحلية؟
تعد منظمات المجتمع المدني من الجهات الفاعلة الرئيسية في مجال التنمية في الأردن. حيث يقوم عملها بشكل أساسي على تقديم احتياجات المجتمعات المحلية ومعالجة قضاياها، وتمكينها من المشاركة في اتخاذ القرارات وعمليات صنع السياسات التي تؤثر على سكان هذه المجتمعات.
غير أن هذه المنظمات غالبا ما تفتقر إلى المهارات والقدرات اللازمة لتصميم الاستبيانات والأنشطة البحثية لتحديد الاحتياجات الرئيسية والدوافع الأساسية والمحركات العرضية ومسارات التأثير في المجتمع. كما أنها تفتقر إلى التمويل الأساسي اللازم لتعزيز قدراتها الداخلية وتخطيط المشاريع على المدى البعيد، أو توسيع نطاقها للتأثير في نقاشات السياسات التنموية على المستوى المركزي.
ينبغي على المبادرات والبرامج التنموية قبل كل شيء أن تستجيب للاحتياجات والأولويات المحلية. وقد تكون هذه المبادرات مبنية من قبل الجهات المانحة، ولكن هذا لا يعني أن عليها أن تستجيب لبرامج وتوجهات الجهات المانحة، وهذا غالبا ما يتسبب في صراع مصالح بين المجتمعات المحلية والجهات المانحة. فعلى سبيل المثال، قد تكون أولوية الأسر في منطقة معينة هي تأمين الإحتياجات الأساسية للعيش، ولهذا السبب قد لا يكون سكان هذه المنطقة مهتمون بمشاريع بناء القدرات للشباب أو النساء. ولكن نظرا لأن معظم منظمات المجتمع المدني لا تتلقى أموالا منتظمة من الحكومة لدعم عملها الأساسي، فإنها تعتمد على منح التنمية الدولية لتنفيذ مشاريع قصيرة الأمد. وفي هذا الصدد، فإنها لا تصمم برامجها الخاصة، ما يضيق المجال على وضع استراتيجيات مستدامة ومؤثرة.
وجد تقييم للاحتياجات أجراه فريق المجتمع المدني في معهد غرب آسيا وشمال أفريقيا (WANA Institute) عبر دراسة أجريت على 135 من منظمات المجتمع المدني في الأردن أن الأموال التشغيلية يتم تأمينها في الأساس من المانحين الدوليين، مثل الاتحاد الأوروبي ووكالات الأمم المتحدة والبنك الدولي. وحددت معظم منظمات المجتمع المدني أن نقص الأموال هو العقبة الرئيسية أمام تنفيذ وتصميم مشاريع فعالة تلبي الاحتياجات الحقيقية للمجتمع المحلي.
قد تفتقر المشاريع الإنمائية للتأثير لأسباب لا تحصى. ومنها أن هذه البرامج والمشاريع في أغلب الأحيان تركز أساسا على تحسين نقاط الضعف، بدلا من التركيز على استغلال نقاط القوة. أو قد يتم استنساخها من مناطق أو سياقات أخرى دون تكييفها لمراعاة الاختلافات في الثقافة والبنية التحتية والاحتياجات والوضع الاقتصادي وهيكل المجتمع.
لكن غالبا ما يتم إستبعاد منظمات المجتمع المدني من التخطيط والتصميم وعملية صنع القرار. وتتسبب قنوات الاتصال غير الكافية بين منظمات المجتمع المدني والمانحين والسلطات بتغييب الاحتياجات والأولويات والأفكار المحلية عن مراكز صنع القرار وعدم الإسترشاد بها لإتخاذ القرارات الأساسية بشأن أنواع المبادرات التي سيتم تقديمها للحصول على التمويل.
ينبغي أن يكون تمكين منظمات المجتمع المدني من تولي مسؤوليات برامج التنمية المجتمعية في طليعة تفكير المانحين. ويجب فتح قنوات اتصال جديدة بين منظمات المجتمع المدني والجهات المانحة الدولية والمؤسسات الحكومية، ووضع جدول أعمال يهدف إلى المواءمة أو التوفيق بين أولويات هذه الأطراف المختلفة وأهدافها ورآها ونقاط قوتها. وهنالك أيضا حاجة إلى آليات تنسيق معززة لضمان الشفافية والموضوعية في تصميم وتنفيذ المشاريع الإنمائية.