تلعب الأمهات دورا محوريا في حياة أطفالهن من خلال توفير الدعم والرعاية التي لا مثيل لها من قبل الآخرين. ولماذا إذن، عندما تناقش الأعمال العنيفة والتوجهات المتطرفة، غالبا ما يتم التغاضي عن الأمهات ودورهن بدلا من دعمهن والاستماع إليهن كجزء من جهود منع ومكافحة التطرف العنيف (P/CVE).
تم التطرق لمدى كون النساء في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا أقل حظا في مؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي. وفي وسجلت المنطقة في عام 2017 أكبر فجوة بين الجنسين في العالم بنسبة 40 في المئة، والتي ستحتاج إلى 356 عاما لغلقها وفقا للمؤشرات الحالية.
في موازاة ذلك، فإن غالبية محركات التطرف لكلا الجنسين، تنجم عن ضعف التنمية والركود الاقتصادي والانقسام الاجتماعي والحرمان النسبي. و تزداد كل هذه العوامل سوءا بسبب عدم المساواة بين الجنسين. ويتطلب التصدي لمعظم هذه العوامل الدافعة تغييرات كبيرة في النظم والتحولات الاجتماعية والاقتصادية، التي غالبا ما تكون الحكومات وأولئك الذين في السلطة غير راغبين في سنها. بدلا من ذلك، فإنها تتحول إلى زيادة المقاربات الأمنية.
ومع ذلك، فهنالك وعي متزايد بالعناصر الجندرية ضمن عمليات التطرف، وتبرز المزيد من البحوث الصلة بين عدم المساواة بين الجنسين وبعض السائقين المتطرفين. ولسوء الحظ، لم يقدم سوى أحاديث دون أفعال لوضع هذه النتائج حيز التنفيذ.
من الطبيعي أن لكل مقاتل في داعش أو إرهابي أم. ورغم بديهية كون الأمهات ذوات تأثير على أبنائهن، إلا أنه يبدو أنه لم يتخذ الكثير لاستغلال هذه الفرصة، وتم تفويتها.
وأظهر العمل في غرب آسيا أن لدى النساء رؤى متعمقة حول ديناميات المجتمع والأنماط الأيدولوجية والاتجاهات السلوكية التي تختلف عن تلك المتاحة للرجال. وعلاوة على ذلك، غالبا ما تكون الأمهات داخل الأسر قادرة على التعرف على علامات التطرف المبكر، بما في ذلك الغضب والقلق والانسحاب.
ووجدت الأبحاث الأخيرة التي نشرها معهد غرب آسيا وشمال أفريقيا (WANA Institute) أن الأمهات غالبا ما يكن العامل الرئيسي وراء عودة المقاتلين الأردنيين من سوريا. ولربما لو تلقت هؤلاء الأمهات دعما ومعلومات أفضل فقد يكن قادرات على وقف قرار أبنائهم بالذهاب للقتال في المقام الأول.
وجدت الأبحاث الأخيرة التي نشرها معهد غرب آسيا وشمال أفريقيا أن الأمهات غالبا ما تكون القوة الرئيسية وراء عودة المقاتلين الأردنيين من سوريا. ولربما كانت هذه الأمهات قد تلقت دعما أفضل وأبلغت، فقد تكون قادرة على وقف قرار طفلها بالذهاب في المقام الأول.
وأنشأت منظمة "نساء بلا حدود"، وهي منظمة تقوم على البحوث وتنظيم العلاقات العامة مقرها النمسا، برنامج "الأخوات ضد التطرف العنيف" (SAVE). وهي واحدة من أولى البرامج التي تشارك بنشاط مع الأمهات وتدعمهن في الكفاح ضد الخطاب المتطرف والعنف.
وأجرت المنظمة غير الحكومية مراحل أولية من البحث في نيجيريا وباكستان وأيرلندا الشمالية وإسرائيل وفلسطين. وتشير النتائج إلى أن الأمهات لا يدركن فقط مخاطر التطرف، بل أنهن لديهن أيضا نظرة فريدة من نوعها في كيف يستهدف المجنِدين الأفراد المستضعفين، والاعتراف بالحاجة إلى إشراك الموضوع داخل وخارج المنزل. وعلاوة على ذلك، "أعربت الأمهات عن إحساسهن بالإلحاح والتطلع إلى التعاون مع الأمهات المعنيات على نحو مماثل في مكافحة مشكلة التطرف المتزايدة".
يمكن استخدام نتائج "SAVE" كمذكرة توجيهية للسياسات المستقبلية المتعلقة بمكافحة التطرف العنيف في بلدان مثل تونس والأردن التي قامت بتصدير أعداد كبيرة نسبيا من المقاتلين إلى سوريا نسبة لعدد السكان. ولا تزال الدول تستجيب للتهديدات الأمنية بالاعتقالات والقيود والمراقبة، ولكن هذه ردود فعل تفاعلية لا تؤخذ إلا بعد بدء عملية التطرف. هناك حاجة لدعم أولئك الذين يشاهدون أعراض التطرف الأولية من أجل مكافحته من جذوره.
ينبغي أن تشكل الأمهات وهن الأقرب في المنزل إلى الأفراد الضعفاء والمهمشين في كثير من الأحيان، خط الدفاع الأول في سياسات منع ومكافحة التطرف العنيف. وينبغي تقديم جهود دعم كبيرة للأمهات لكي لا يلاحظن فقط علامات التطرف، بل أيضا لمنحهن الأدوات اللازمة ليناقشن الموضوع بوضوح، وكيف يتجهن للحصول على الدعم والمشورة.
وأخيرا، تحتاج الأمهات إلى أن يكن قادرات على الانخراط وبشكل مفتوح مع الآخرين في مواقف مماثلة حتى يتعلموا من بعضهم البعض ولمحاربة العزلة. يجب على أصحاب الشأن والمصلحة والباحثين والممارسين في مجال مكافحة التطرف العنيف أن يوفروا لهن تلك المساحة حتى نتمكن من التعلم من رؤيتهن القيمة التي لا تقدر بثمن.