لقد شهدت الدراسات التي تناولت خطاب حقوق المرأة تطوراً كبيراً في العقود الماضية والتركيز بشكل خاص على تأثير الدين على الأدوار القانونية والاجتماعية للمرأة. ويدور جدلٌ حالياً حول فرضية تقول بأن "التّحديان الكبيران أمام حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص في القرن الواحد والعشرين هما قوى التطرف الديني والعولمة الاقتصادية"1 إذا صحت هذه الفرضية فإنه يَسهلُ رؤية أثر الأصولية الإسلامية على حياة المرأة في الدول الإسلامية هذا بالإضافة إلى أنه لا يمكن تجاهل مكانة قانون الأحوال الشخصية (أو قانون الأسرة) في المجتمعات العربية والذي غالبا ما يُطلق عليه وصف "المَعقِل الأخير"2 للشريعة الإسلامية. ولعل هذا الوصف الأخير بوصف مستمد من معركة متعلق بعملية سنّ القوانين التي بدأها العثمانيون في القرن التاسع عشر واستمرت القوى الاستعمارية الأوروبية إذ رأت هذه العملية من أن التقدم يستوجب ترك الفقه الإسلامي التقليدي [الشريعة] وتبني النموذج القانوني السائد في أوروبا باستثناء قانون الأسرة [أو قانون الأحوال الشخصية] الذي بقي من صلاحية المحاكم الشرعية. نتيجة لما سبق فإن قانون الأسرة -وبالتبعية النساء- أصبح رمزا للهوية والنضال ضد الاستعمار والانتماء الديني. جعلت هذه المكانة المقدسة في المخيلة الجماعية لقانون الأسرة منه موضوعا حساساً على الدوام وأسهمت في تلقي فكرة إصلاحه على أنها هجوم على الإسلام والشريعة.
لقد حشد الكثير من نشطاء حقوق المرأة لتحقيق الإصلاح القانوني، مطالبين بقوانين محدّدة لحماية المرأة من كافة أشكال الإساءة. واختلفت استراتيجياتهم باختلاف المناطق وبحسب السياق الخاص بهم. ولكن يمكن تصنيف هذه الاستراتيجيات تحت مجموعتين أساسيتين: ومناصرة المرأة العلمانية ومناصرة المرأة الإسلامية.
لقد نشأت حركة مناصرة حقوق المرأة في غرب آسيا وشمال أفريقيا في القرن العشرين خلال فترة الاستعمار. ولعل هذا التوقيت غير الموفق قد أدى إلى الربط غالباً بين حركة مناصرة حقوق المرأة والاستعمار والتلميح دائما لأنصار حقوق المرأة في الدول الإسلامية خائنون لحضارتهم وتابعون للغرب. ولكن مناصرة حقوق المرأة ليس مفهوماً غربياً خالصاً كما أظهرت ذلك المرأة المسلمة من خلال استنادها إلى ذلك المبدأ والانطلاق بناء على وجهة نظرهن الدينية الخاصة.
إن مناصري الحركة النسوية العلمانية مثل الأكادينية الإيرانية هايدة موغيسي يرون أن مفاهيم مناصرة المرأة لا تتطابق مع الإسلام إذ تعتبر أن الإسلام دين متشدد ويستند على الأبوية وأنه إذ طبق حرفيا لا يمكن أن يكون في مصلحة المرأة أبدا وغير قادر على الاستجابة لمتطلبات المجتمع المتحضر. مشكلة ذا الاتجاه هو أنه لم يتخط الطبقة الوسطى العليا أو طبقة المثقفين والنخبة في المدن، ولم تلق هذه الأفكار قبولا لدى المرأة الريفية أو الأكثر تحفظاً. وعلاوة على ذلك فقد وصِمت هذه الحركات من قبل الشخصيات الإسلامية المحافظة بأنها غربية ومسيئة للثقافة. وبالتالي لم يتمكن العلمانيون من تحقيق أي إصلاحات قانونية ولا حتى القضاء على النمط الأبوي الرعوي في المحيط الخاص.
انتشرت مناصرة المرأة الإسلامية في تسعينيات القرن المنصرم بفضل أعمال باحثين مثل فاطمة ميرنيسي. لقد رفض هذا التيار فكرة أنه ينبغي ترك الإسلام لتحقيق حقوق المرأة والحداثة. وحشد مناصرو حقوق المرأة من التيار الإسلامي للإصلاح والتغيير بدورهم ولكن ضمن إطار الإسلام. قد كانت حجتهم الأساسية أن الإسلام ليس جامدا وإنما يهدف لتحقيق مصلحة المجتمع. لقد اقترح أنصار هذا الاتجاه إصلاح القوانين المتحيزة ضد المرأة ليس وفقا للقيم الغربية أو مسؤوليات الدولة أمام المجتمع الدولي ولكن عبر تفسير أكاديمي للقرآن – وهي عملية معروفة بالاجتهاد. وقد كانت هذه الاستراتيجية بالإضافة إلى سنوات من العمل خلف مبادرة ملك المغرب محمّد السادس لإصلاح قانون (مدونة) الأحوال الشخصية في 2004. وكذلك الحال في تونس إذ حركت الثورة التي جرت في 2011 النساء من كافة الخلفيات والطبقات ومن ضمنهم مناصرو حقوق المرأة من الإسلاميين والتي كانت رسالتهم تلقى قبولا أكبر لدى النساء في الريف والمجتمعات المحافظين. في عام 2014 تم إصدار دستور جديد – أكثر مراعاة لحقوق المرأة بشكل كبير وسحبت الحكومة تحفظها على معاهدة القضاء على كافة أشكال العنف ضد المرأة (سيداو). لقد كان الفضل في هذا الإنجاز ولو جزئياً لعمل مناصري حقوق المرأة من الإسلاميين والذين كانوا يدعون لحقوق المرأة ضمن إطار الأسلام.
في بلدان أخرى كان الخطاب بين الإسلاميين والمتحفظين يفتقر للحوار البناء. وفي هذه الحالات وحيثما كانت حركة مناصرة حقوق المرأة ذات الاتجاه الإسلامي قوية كان من الجوهري أن يقوم المناصرون بتحديد حليف ضمن إطار العمل الإسلامي والتركيز على القضايا ذات الاهتمام المشترك. وقد حدّد البحث الذي أجرته مؤسسة غرب آسيا وشمال أفريقيا (WANA) ب حول تمكين المرأة والإسلام خمس مجالات تعتبر المرأة فيها مستضعفة (العنف والوصاية والحضانة والميراث والزواج المبكر) ولكن هناك نطاق واسع رحب للإصلاح بناء على تفسير مناصري حقوق المرأة للنصوص المقدسة. ولكن بالعمل مع اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة ومؤشر النوع الاجتماعي (SIGI) ومركز العدل للمساعدة القانونية فإنه سيكون لهذا التوجه جهد طموح لتأسيس أرضية مشتركة لبدء حوار لتعزيز إطار عمل لحماية المرأة وذلك ليس بوصم الإسلام بأنه العدو بل على العكس بأن الإسلام هو أقوى حليف للمرأة.
(1Hilary Charlesworth & Christine Chinkin, The Boundaries of International Law: The Feminist Analysis (Manchester University Press 2000
2Welchman (n 18) 11