بمرور عقود من الصراع و انتهاك الحقوق في إقليم وانا على مدار الساعة ليصل بذلك إلى مستويات مخجلة، آن الاوان لنظام العدالة الجنائي الدولي أن يلتفت إلى المنطقة ويبدأ بمسائلة الأطراف المسؤولة.
يواجه قسما كبيرا من الناس في منطقة غرب آسيا وشمال افريقيا وانا تحديات في الوصول إلى العدالة. ويكشف البحث في الضغوط الاجتماعية التي غذت الكثير من الاضطرابات العنيفة في الربيع العربي وضع المواطنين الذين يشعرون بالحرمان. فالمواطنون محرومون من الحقوق الأساسية اللازمة ليعيشوا حياة كريمة. والأمر لا ينطوي على كسبهم لأي شيء خلال تلك الثورات، إنما هي ببساطة عدم وجود ما يخسرونه.
وبالنظر إلى أن ما أشعل فتيل العديد من الصراعات في منطقتنا هي المظالم المتعلقة بضعف الوصول إلى العدالة والمساءلة المؤسسية، فما هو الدور الذي يترتب على العدالة الجنائية الدولية لتبدأ به في تخفيف المعاناة المستقبلية في غرب آسيا وشمال أفريقيا؟
عندما أخفقت المحاولات السابقة في تنفيذ القانون الدولي
نعم، لقد كان مجتمع العدالة الدولي فاعلا في المحاولة لمعالجة بعض مشاكل المنطقة، فقد كان هناك عددا من الاحكام القابلة للتطبيق على نزاعات متنوعة حدثت في السنوات الأخيرة.
في العراق، على سبيل المثال، حيث فقد أكثر من مليون شخص حياتهم منذ الإحتلال في عام 2003، هناك إجماع واسع على أن الهجوم على العراق عام 2003 من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وقوات التحالف شكل انتهاكا للقانون الدولي. وقد أشار العديد من الخبراء القانونيين لانتهاكات لاتفاقية جنيف من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في دورهما كقوة إحتلال. المادتين 2 و39 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تعتبر دول القوى المتحالفة أعضاء تحظر استخدام القوة من جانب الدول إلا في ظروف محددة، ويخول مجلس الأمن فقط باعتباره المنظمة الوحيدة القادرة على البت في مشروعية الحرب.
كيف يمكن لنا اذا أن نقنع شعوب البلدان التي دمرتها الحرب بالايمان بسيادة القانون، في حين أن من يمتلكون السلطة يخرجون ويدخلون بشكل فاضح آثم من أبسط مبادئه؟ قامت دولتان فقط في منطقة وانا وهما- الأردن و تونس- بالمصادقة على قانون روما للمحكمة الجنائية الدولية. و لا زال هناك 11 دولة موقعة فقط، بما يشمل اسرائيل، فيبقى السؤال قائما عن الفرق الملموس الذي يمكن ان يحدث عند الحديث عن حقوق المدنيين.
قلما يوحي الصراع المستمر بين اسرائيل و فلسطين بحل لهذا الوضع. لو كنا بصدد تطبيق تعريف قانون المحكمة الجنائية للجرائم العدوانية، او الاحكام الصادرة من اتفاقية جنيفا حول الصراع الاخير في غزة، سنجد بان كلا الطرفين: حماس باطلاقها للصواريخ و إسرائيل من خلال قصفها للمدنيين، يقعان في خانة الانتهاك للقانون الدولي.
وبالطبع من الضروري جدا النظر إلى السياق التاريخي. لذا فإن، الاحكام الصادرة عن نظام العدالة الدولية ساعدتنا بفهم جذر المسببات للصراع القائم اليوم في الضفة الغربية وفي غزة.
خذ الاراضي المحتلة كمثال، فقد تبنى مجلس الأمن الامم المتحدة قرار رقم 242 الذي ينص و بشكل واضح عدم جواز الاستيلاء على الأراضي من خلال الحرب. بالإضافة إلى ما ذكر، فقد كانت هناك مواد قانونية و أحكام منعت الانشطة الاستيطانية على الاراضي التي احتلت بالحرب. وقد صدرت هذه من قبل عدد من المؤسسات، سواء كان ذلك مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والمجلس الإقتصادي والإجتماعي أو محكمة العدل الدولية. حتى أن محكمة العدل الدولية وجدت بأن بناء إسرائيل للجدار العازل في الأراضي الفلسطينية المحتلة كان مخالفا للقانون الدولي.
عندما يتم تكريس هذا الكم من الوقت والطاقة من خلال الإعلام للحديث عن الصراع في غزة، لما لا نقف للحظة لندعو إلى عدم شرعية الأفعال، و طبقات من عدم الشرعية التاريخية التي ذلك السياق؟
على الرغم من القيود المتأصلة في نظام لا يمكن أن يقيس العقوبات، يجب علينا أن ندرك أن القانون الدولي كان فعالا في وقف تجاوزات خطيرة بدرجة محدودة. إن كانت الأحداث الماضية قد علمتنا أي شيء، فقد تعلمنا ان أوساط العدالة الجنائية الدولية يجب أن تكون سباقة بدلا من استخدام رد الفعل، إذا كانت تنوي إلى تعزيز الأمن البشري على المدى الطويل في منطقة وانا. ويكمن الحديث هنا عن ما يمكن ان يتم تحضيره لما هو متوقع.
التعلم من التجارب السابقة لضمان تخطيط افضل
لقد شهدنا في هذه المنطقة كثيرا من عمليات إعادة الاعمار العشوائية وغير المخططة بعد النزاعات. لقد رأينا جهود استجابة ينطلي عليها طابع خطط التنمية المستدامة المصممة لدعم المرونة. لقد حان الوقت لندعو العديد من تلك الجهود الاستجابية الطارئة الموجهة للاستجابة كردة فعل لوضع متكشف.
خذ سوريا كمثال على ذلك. سيصل الصراع في سوريا إلى نهاية المطاف في يوم ما، وسيعود الناس إلى ديارهم ومجتمعاتهم المحلية. لكننا لا نعرف متى سيعم هذا السلام تلك القضية او كيف سيبدو شكله. نحن نعرف فقط أن ذلك سيحدث في وقت ما. لذا لماذا لا نعمل أكثر للتحضير لتلك المرحلة؟
هناك أكثر من 600,000 لاجئ سوري في الأردن بالإضافة إلى أكثر من 800,000 في تركيا، وأكثر من مليون في لبنان. لماذا لا نتعلم المزيد عن مرحلة ما قبل الصراع حول وصولهم إلى العدالة، ونظم العدالة غير الحكومية، ونظم حقوق الأراضي والممتلكات التي أدت إلى الإنتفاضة في المقام الأول؟ و لم لا نفهم الأسباب الجذرية التي أدت إلى الصراع الذي طال أمده لضمان عدم حدوثه مرة أخرى.
لا يمكن لنظام العدالة الجنائي الدولي أن يركز فقط على الجرائم الدولية. بل يجب أن يركز على الاعمال الإجرامية التي تجعل حياة الشخص اليومية لا تطاق. فالرشوة والفساد والحرمان من حق الملكية والتعليم وظروف العمل الآمنة - كلها عناصر المعادلة السامة التي إن تركت على حالها، ستظهر نتائج الاستياء، الذي سيصب في نهاية المطاف في صراع دموي. إن عناصر الوقاية منها، ستعمل فقط إذا كانت مجهزة ومضمنة في نظام للعمل الآن، وليس في وقت لاحق.
لدى منطقة وانا - بحمد الله- حركة متنامية اتجاه المجتمع المدني. ولدى تحالف المحكمة الجنائية الدولية (ICC) الآن ما يقرب من 200 منظمة عضو نشطة منتشرة في كل بلد تقريبا في جميع أنحاء المنطقة. يعمل الائتلاف على تعزيز الجهود الإقليمية من خلال استهداف المجتمع المدني والبرلمانيين والحكومات، ويدفع باتجاه زيادة عدد المصادقات والإنفاذ الكامل لنظام روما الأساسي في جميع البلدان في المنطقة.
نضمن بأن المصادقة ستترجم كالتزام ملموس لدعم حقوق المواطنين في المنطقة. فيجب على نظام العدالة الجنائي الدولي – سواء كان ذلك المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية أو مجلس الأمن أو أي منظمة لديها تكليف النظر في الجرائم الدولية ومنعها من الحدوث مجددا في المستقبل- أن يركز انتباهه على دول منطقة وانا وأن يكون سباقا في إنهاء معاناة هذه المنطقة.