احتفالا بيوم المرأة العالمي لهذا العام فقد أثرنا المغزى الآتي "حققي حلمك". أجرت جوليا اوبراين مقابلة مع المحامية الشهيرة والناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة حوا ابراهيم ورصدت وجهت نظرها حول ما تتطلع وتطمح إلى تحقيقه من خلال العمل مع معهد غرب آسيا وشمال افريقيا "وانا".
كنت أتحدث مع حوا عبر الهاتف وإذ بها تتلقى مكالمة أخرى عبر هاتفها الآخر لتستأذن مني بالرد على تلك المكالمة. وقد كان الاتصال من إحدى جاراتها من ولاية بوسطن التي تقيم فيها حوا عادة بالقرب من مركز عملها في جامعة هارفارد. لقد كان أسوأ هطول للثلوج منذ سنوات وكانت صديقتها تشعر بالذعر لأن سقف منزلها قد لا يتحمل وزن كل تلك الطبقات الثلجية.
بهدوء تام، فسرت حوا لصديقتها ما الذي يجب فعله إزاء ذلك لتعود بسلاسة لتكمل حديثها معي وبالكاد أدركت أنها تتحدث معي مجددا على الهاتف لتعود وتفسر لي كيف أصبحت محامية مشهورة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.
وقالت :"كل ما حدث معي في مسار حياتي لأصبح محامية كان بمحض الصدفة، فقد تلقيت تعليمي بالصدفة ودرست المحاماة بالصدفة ودرست أيضا في جامعة هارفارد بالصدفة".
وهذا كان بالطبع تواضع منها، والحق يقال، كان فيه نوع من عدم الدقة. فلم يكن أي مما حدث خلال مسيرة حياتها صدفة: لقد كانت كل خطوة تخطوها نتاجا للإصرار المتعمد من طرفها- وبمضيها قدما، كانت تحطم الحواجز وأعراف الثقافة السائدة.
ولدت حوا في شمال شرق نيجيريا في قرية صغيرة في ولاية "غومبي". وكونها طفلة لوالدين فقيرين ونشأت في أسرة مسلمة، فقد تمت خطبتها وهي في العاشرة من عمرها تبعا للعادات السارية في قريتها.
"لكوني الطفلة "الأصعب مراسا" في عائلتي، فقد قررت الهرب من المنزل إلى إحدى المدارس الداخلية على الحدود والمخصصة للإناث، حيث كنت عازمة على أن أتعلم".
وانتهى المطاف بحوا أن استقرت في ولاية باوتشي لتكون بالقرب من أختها الكبرى حيث تولت مهمة "فتاة المنزل". وبعكس ما اعتادت عليه حوا من الأماكن التي أقامت فيها سابقا، فقد كان في منزل أختها تلفازا. وحسب وصف حوا: "لقد غير ذلك التلفاز حياتي".
وفي إحدى خطابات أول وزيرة في سلك السياسة النيجيرية، أشارت إلى أنها تضع نصب أعينها هدف أساسي يتمثل في رؤية جميع الفتيات في نيجيريا يتلقين تعليمهن في المدارس والجامعات، ومن هنا قررت حوا زيارة تلك السيدة.
"لقد ترددت على مكتبها آنذاك لأكثر من ثلاثين مرة وفي كل مرة كانت موظفة الاستقبال تصرفني، ومع ذلك كنت مصرة على رؤيتها فلم يكن لدي ما أخسره".
وفي نهاية المطاف، تكلل تصميم حواء وإصرارها على رؤية تلك السيدة بالنجاح، حيث حصلت على موعد مع الوزيرة والتي ساعدتها بالتواصل مع مكتب التسجيل في الجامعة المحلية غير أن سجل علامتها لم يكن كافيا للحصول على مقعد هناك، ولم يتسنى لها حتى التقدم لامتحان اللغة الانجليزية. وبدلا من ذلك، تعلمت اللغة الانجليزية فقط من خلال ما سمعته في بعض المحادثات التي كانت تجرى هنا وهناك في الشارع. ونصحت حوا بأن تنضم لكلية المعلمين وهو المسار التقليدي للفتيات.
"إلا أنني لم أرغب بان أصبح معلمة لمجرد أن هذا ما خلقت للقيام به".
وفي آخر المطاف، فما ساعد حوا فعليا هو حقيقة كونها تنتمي لقرية صغيرة في ولاية غومبي. فقد تم إقرار قانون يتضمن تطبيق مبدأ الرفد في الجامعات، وهو سياسة تمييز إيجابية تتيح للذكور والإناث من المناطق الأقل حظا والمناطق الريفية الالتحاق بالجامعة. وبناء على ذلك انخفضت درجات القبول في الجامعات والتحقت حوا أخيرا بكلية الحقوق.
تقول حوا "لم ألتقِ في حياتي بمحامي أو محامية ولم أقرأ بتاتا أي قانون وحتى أني لم أكن متيقنة فعليا مما هو القانون بحد ذاته. ولذلك، وجب أن أدرس أكثر بكثير من الطلبة الآخرين لأواكب المستوى المطلوب. وبالنسبة لي، بدأت الحياة وأنتهت في مكان واحد ألا وهو المكتبة".
أصبحت حوا محامية متميزة في الدفاع عن حقوق الإنسان وهي أيضا أكاديمية بارزة حققت الكثير. وتقلدت مناصب في راد كليف وهارفارد ودافعت بنجاح عن المرأة في نيجيريا في العديد من القضايا البارزة. أما كتابها الذي حمل عنوان "ممارسة القانون الشرعي: سبع استراتيجيات لتحقيق العدالة في المحاكم الشرعية" فقد تم اعتماده كدليل ارشادي مختصر للمحامين. وتضيف حوا قائلة "ليس بالشيء الغريب والمستبعد أن أخطط لشيء ما لأتحول بعدها إلى مسار آخر مختلف كليا".
"لقد كان من المفروض أن أبقى في رادكليف لبضعة أشهر لا غير، وإذ بي أقضي هنا سبع سنوات كاملة"
لذلك فليس من الغريب أن تجد حواء نفسها في معهد غرب آسيا وشمال افريقيا "وانا" حيث دعيت لإلقاء محاضرة في مؤتمر التمكين القانوني في حزيران 2014. وقد عبرت حواء عن إعجابها الشديد بممثلي المنظمة وتحديدا برئيسها صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال.
تقول حوا: "لقد شعرت بالانبهار لحظة إلقاءه لخطابه في المؤتمر وكسرت حواجز الرسمية ونهضت من على مقعدي لأصفق له تحية إجلال وإكرام لم أولي اهتماما لأي شيء لأنني اعتبرته شخصا مذهلا".
"قلت في نفسي حينها، لا يهم ما سيحدث، علي العودة للعمل معه مرة أخرى. وكنت على استعداد للعودة حتى ولو لتلميع حذائه".
ولكن ما لم تعرفه حوا لحظتها أن سمو الأمير الحسن بن طلال قد بادلها نفس الشعور.
وأوضحت الدكتورة إيريكا هاربر، المدير التنفيذي لمعهد غرب آسيا وشمال افريقيا "وانا"، قائلة: "لقد كنا بصدد تنمية المنظمة وقررنا تنفيذ برنامج الباحث الزائر بهدف الاستفادة من بعض العقول النيرة ممن يستطيعون توفير تدريب توجيهي لموظفينا المستجدين".
"وقد عرضت فكرة استضافة حوا ابراهيم على صاحب السمو الملكي الأمير الحسن عبر عن حماسه للفكرة على الفور. حيث كان قد أعجب سابقا بكلمتها التي ألقتها في المؤتمر وتطلع للعمل على نحو أوسع معها".
وصلت حوا إلى معهد غرب آسيا وشمال افريقيا "وانا" في كانون الثاني بنية البقاء لمدة ثلاثة أشهر وانصبت مهمتها الطموحة على تدريب ممارسي مهنة المحاماة في الأردن على استراتيجيات تمكين المرأة قانونيا. ولتحقيق تلك المهمة، شرعت حوا بإجراء أبحاث مكثفة عن التشريعات الأردنية وصلتها بقانون الشريعة الإسلامية.
تقول حوا: "أقوم بدارسة قانون الشريعة من وجهة نظر العدالة وحقوق الإنسان، وأبذل قصارى جهدي في استخلاص فقرات القانون التي يمكن أن تستخدم في حماية حقوق المرأة وتعزيزها".
والهدف من ذلك كله تقديم الالتماس للمشرعين والوزراء في الحكومة حول الكيفية التي يجب فيها تعديل القانون. وتركز حوا تحديدا على قوانين الوصاية والميراث، والعنف ضد المرأة وهي قضايا شائعة جدا لدى المرأة في الأردن.
وتقول الدكتورة هاربر: "أكثر ما نحبه في حوا الطريقة التي تعطي فيها إلهاما بالثقة وتشجيعها لطرق التفكير الدقيقة والسلسة. ورغم أنها حققت انجازات عظيمة، إلا أنها متواضعة وتصر دائما على تعلم المزيد مع العلم أنها تمتلك معرفة تفوقنا جميعا".
وتضيف الدكتورة هاربر: "دافعت حوا عن المرأة المحكوم عليها بالإعدام رجما بالحجارة والأطفال المحكومين بقطع أطرافهم. وبالرغم من كافة التحديات التي يواجهها النظام القانوني في نيجيريا فلم تتمكن من إنقاذ حياة الكثيرين فحسب، بل نجحت في تحقيق التغيير في ثقافة السلك القضائي هناك. وقد كانت هذه الانجازات مصدر الهام للمحامين ونشطاء المجتمع المدني في الأردن. وهناك الكثير مما نستطيع تعلمه من خبراتها الوافرة".
وعند سؤالها عما تتمنى تحقيقه من تجربتها بالعمل لدى معهد غرب آسيا وشمال افريقيا "وانا"، تجيب حوا وبدون تردد:
"أنا متحمسة للغاية لوجود فرصة حقيقة هنا للتعلم، فهنالك الكثير مما يمكن تعلمه، والكثير مما سنقوم به مع بعضنا البعض سواء كنساء أو كأناس يؤمنون ببساطة بالكرامة الإنسانية".
يصادف الثامن من آذار يوم المرأة العالمي، وهو يوم يحتفل فيه بأهم الانجازات التي تقدمها المرأة امتنانا وعرفانا للعديد من النساء والفتيات اللواتي حرمن وأنكرت حقوقهن فقط بسبب نوعهم الاجتماعي.
وبالنسبة لحوا، فإن يوم المرأة العالمي يوفر المنصة المثالية لدعم أهمية مشاركة النساء في اتخاذ قرارات المتعلقة بالسياسات.
"النساء هن أساس أي مجتمع. فكل مجتمع يبدأ من رحم المرأة وكيفية تنشئتها لأولادها. وعند النظر لآفاق العقد القادم، يجب علينا أن نجد التأثير نابع من الأمهات والخالات والعمات والجدات والأخوات".
"لا تتعدى الذخائر الحربية والطائرات والأسلحة كونها أدوات تستطيع جميعها أن تفعل الكثير لحماية أمن المرأة، ولكن القوة تكمن في المرأة ذاتها. ويجب على صانعي السياسات إدراك هذه الفكرة جيدا وإبرازها وطرح القضية للنقاش".
سألت حوا عن نصيحتها للنساء الشابات اللواتي يأملن بـ "تحقيق الأحلام" وهو الفكرة الرئيسية للاحتفال بيوم المرأة العالمي لهذا العام.
أجابت بحماس: "التعليم ثم التعليم ثم التعليم".
"ليس فقط للفتيات، بل للفتيان أيضا. فالتعليم هو ذخر للمستقبل وبالتعليم نستطيع تحقيق ما نصبو إليه".
وهل توجد سابقة أفضل من حوا؟ فهي مثال حي يبرهن كيف يمكن للتعليم (وجرعة سخية من الإصرار) أن يحدث فرقا كبيرا في حياة فتاة قادمة ريف نيجيريا.