على اعتبار جائحة كوفيد-19 أزمة تهدد جميع أفراد المجتمع، يتأثّر الأشخاص ذوي الإعاقة بها أكثر من غيرهم، بسبب العوائق الاجتماعية والاقتصادية والسلوكيّة والمؤسساتية التي تولّدها الاستجابة لهذه الجائحة. فعمّقت الجائحة أوجه التفاوت وعدم المُساواة التي يعيشها الأشخاص ذوي الإعاقة في الأصل، كما أنها كشفت عن ممارسات الاستبعاد التي يواجها الأشخاص ذوي الإعاقة. في المُقابل، كشفت عن فرص قدمتها برامج الاستجابة للأشخاص ذوي الإعاقة، من خلال تخفيفها حدّة بعض العقبات التي تواجههم في حياتهم اليومية وتؤثر في اندماجهم الاجتماعي والاقتصادي.
كيف ذلك؟
عواملٌ عدة ساهمت في تسريع الكشف عن آثار جائحة كوفيد- 19 وتبعاتِها على الأشخاص ذوي الإعاقة، أهمّها: غياب النظام الشامل للحماية الاجتماعية والاقتصادية لهم، وضَعف واضح في التدابير والسياسات المُتخذة لحمايتهم، بالإضافة الى غياب الأشخاص ذوي الإعاقة في خُطط الاستجابة للأزمات كنتيجة لعدم توافر أي قواعد بيانات خاصة بتتبع الإصابات المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة.
وبعد التواصل مع عَددٍ من الأشخاص ذوي الإعاقة والناشطين الحقوقيين من محافظاتٍ مُختلفة؛ للتعرف على واقعهم خلال الجائحة، أشارت نهاية الردايدة وهي من ذوي الإعاقة وناشطة حقوقية من محافظة إربد، "أثرت أزمة فيروس كورونا في كل جانب من جوانب مجتمعاتنا، في الظروف العادية، يقل احتمال حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على التعليم، والرعاية الصحية، وفرص كسب الدخل أو المشاركة في المجتمع المحلي، لتكشف الجائحة عن مدى الاستبعاد الذي يعاني منه أكثر أفراد المجتمع تهميشاً وهم الأشخاص ذوي الإعاقة، وتعمق أوجه عدم المساواة ضدهم، وتُنتج مخاطر جديدة لهم".
كما أوضح المُشارك إبراهيم أبو طوق وهو من الأشخاص من ذوي الإعاقة الحركية من محافظة إربد وعلى الصعيد الاقتصادي ما يلي: " الحظر الشامل والجزئي الذي كان مثل السجن في تقييد الحركة وعدم القدرة على العمل بالنسبة لي، وذلك أدى لزيادة العبء المعيشي وترك مخاسر على مشروعي الخاص المنزلي، وقمت ببيع المعدات لتأمين احتياجاتي واحتياجات المنزل ولم أستطيع السيطرة على إعادة مشروعي وأصبحت متعثر متراكم الديون". فلم تكتفِ الجائحة بأوضاعهم الاقتصادية الُمتردية المُعتادة، لتُلقي بهم في مواجهة هاوية الفقر المُدقع والبطالة ومحدودية فرص العمل أمامهم ولكن بشكلٍ أعمق، وتعصف بهم في بذل المزيد من الجهد اتجاه اندماجهم الاقتصادي والاجتماعي، والسعي وراء مُقاومة مُجتمعٍ لم يُقدم لهم الدعم الكافي.
ومن هاجسٍ آخر أضافت ريما عطا وهي من ذوي الإعاقة البصرية ومرشدة تربوية من مُحافظة الزرقاء: " الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية أكثر تعرضاً للعدوى والإصابة بفايروس كورونا، نظراً لأهمية حاسة اللمس لديهم ، فهي الوسيلة التي يتعرفون بها على البيئة المُحيطة بهم، وترشدهم عند تنقلهم من مكان لآخر، وبالرغم من تحذيرات منظمة الصحة العالمية من التواصل الجسدي بين الناس لكن هذا التحذير لا يمكن أن يلتزم به ذوي الإعاقة البصرية لأنهم كثيراً ما يحتاجون للآخرين في إرشادهم ومساعدتهم في بعض الأمور الحياتية وهذا يتطلب تواصلاً جسدياً مُباشراً"، ليزداد العبء النفسي والشعور بالتوتر والمخاوف من الإصابة.
ولا يعد الصعيد التعليمي بمنأى عن هذه التحديات، فالانتقال المفاجئ الى التعليم عن بعد، أظهر عدم جاهزية المؤسسات التعليمية والمَنصات التعليمية في تقديم المُحتوى التعليمي بما يتناسب مع قدرات الطلاب من ذوي الإعاقة، وضعف البنية التقنية اللازمة في الوصول اليها عند الطلبة؛ لينعكس سلباً في إمكانية وصولهم الى المعلومات. وعند الحديث عن المُستوى الصحي، في الغالب يُعاني الأشخاص ذوي الإعاقة من مشاكل صحية مُسبقة تجعلهم أكثر عُرضة لخطر الإصابة بالفيروس، الأمر الذي دفع جين بوكانان، نائبة مدير قسم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، في المنظمة الدولية وبحسب تقرير صادر عن BBC الى ضرورة تحرك الحكومات ضمن استجابتها لتفشي الفيروس اتجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، فهم مْعرضون بشدة لخطر العدوى والموت مع انتشار الجائحة.
الوجه الآخر للجائحة
ساعدت الإجراءات المُتبعة في مُواجهة الجائحة والانتقال الى الواقع الافتراضي في التعليم والعمل بشكلً كبير الأشخاص ذوي الإعاقة في التطوير من مهاراتهم التكنولوجية. اكدت الناشطة الحقوقية تُقى المجالي وهي من ذوي الإعاقة البصرية من مُحافظة الكرك: "سهلت الجائحة في وصول الأشخاص ذوي الإعاقة للتعليم سواء المدرسي أو الجامعي؛ لافتقارهم في الأصل للبُنية اللازمة التي تضمن وصولهم وتنقلهم بأمان ويسر، وفتح آفاق البحث عن العمل والتدريب عن بعد لهم". كما وأشارت الى أن الجائحة سهلت إطلاق مُبادرات شبابية في كافة مُحافظات المملكة، فتمكنت مع زُملائها من إطلاق مُبادرة عبر الإنترنت حول التنمية السياسية للأشخاص ذوي الإعاقة، من خلال عقد جلسات تدريبية، ولاقت القبول والمُشاركة الكبيرة. وأضافت سارة أبو علي وهي من ذوي الإعاقة البصرية وطالبة دراسات عليا من محافظة عمان: " التسهيلات التي قدمتها لنا الجائحة على الصعيد التعليمي من خلال الانتقال للتعليم عن بعد، ومرونة الوصول الى المعلومات، جعلتني أختار عنوان رسالتي الماجستير حول كورونا والتعليم عن بعد للطلاب من ذوي الإعاقة؛ لأهمية ذلك في حياتنا".
التوصيات
من الضروري التأكيد على إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في خطط الاستجابة وأن تُعَد بطريقة أكثر مُلائمةً لاحتياجاتهم، مع التركيز على اتخاذ كافة التدابير والآليات الخاصة برفع الوعي المُجتمعي حول حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بما يضمن الحَد من تَبِعات الجائحة عليهم. ولا بد من تطوير نظام طبي مُتكامل يضمن وصول الأشخاص ذوي الإعاقة للعلاج في حال إصابتهم بالفيروس وضمان تلقيهم اللقاحات بشكلٍ عادل. وأخيراً إيجاد شبكات دعم وبرامج حماية اجتماعية مُستدامة تتناسب مع طبيعة الجائحة وتضمن وصول الخدمات لهم بِيُسر، كتقديم المُساعدات المادية لفاقدي العمل والمتعثرين مالياً خلال الجائحة، وتعزيز العملية الرقابية على منع فصل الأشخاص ذوي الإعاقة العاملين من عملهم، وتطوير نظام شكاوى خاص بالأشخاص ذوي الإعاقة بإجراءات مُتابعة سريعة.