مع دخول السباق نحو تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية مرحلته النهائية، ينتظر المواطنون المعنيون رؤية ما إذا كانت النتائج التي توصل إليها الفريق العامل المفتوح ستترجم إلى مجموعة من الأهداف الإنمائية المستدامة التي تغلق الفجوات في التنمية البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي تركتها الأهداف الإنمائية للألفية. انتظر لحظة. ما الذي يعنيه ذلك مرة أخرى؟ هل يختلف هذا عن أجندة التنمية في مرحلة ما بعد عام 2015؟ ما الذي حدث للفريق رفيع المستوى الرفيع من الشخصيات البارزة؟ وكيف يرتبط هذا مع المسح رقم I للعالم الذي نريد والذي أنجز في وقت سابق من هذا العام؟ هل تشعر بالارتباك؟ ذلك أنا لست مندهشا لذلك.
اسمحوا لي أن أحاول توضيح الأمور. في عام 2000، التزم قادة العالم بالشراكة العالمية الجديدة للحد من الفقر والواردة في الأهداف المحددة زمنيا مع تحديد عام 2015 كموعد نهائي: الأهداف الإنمائية الثمانية للألفية. وبعد مرور عقد من الزمان على ذلك، يبدو من الواضح أنه "لم يتم القضاء على الفقر". وبالتالي تم الاتفاق، في مؤتمر الأمم المتحدة المعروف باسم ريو + 20 والذي عقد في شهر حزيران عام 2012، على أن يتم تطوير مجموعة من الأهداف الإنمائية المستدامة (SDGs) لتحل محل الأهداف الإنمائية للألفية. وشكل الأمين العام للأمم المتحدة فريقا رفيع المستوى من الشخصيات البارزة لتقديم المشورة بشأن هذه العملية. وفي الوقت نفسه، سهلت الأمم المتحدة مشاورات مواضيعية حول 11 من القضايا الرئيسية و50 من الحوارات الوطنية. وفي كانون الثاني عام 2013، شكلت الجمعية العامة الفريق العامل المفتوح لإعداد مقترح للأهداف الإنمائية المستدامة. وفي حزيران 2013، أصدر المجلس رفيع المستوى تقريره، الذي حدد 12 هدفا و54 مؤشرا. وبعد نحو سنة من ذلك، في تموز عام 2014، أنهى فريق العمل المفتوح تقريره، وقدم مقترحا يضم 17 هدفا و169موضوعا مستهدفا. وبين الفترة من الآن وحتى أيلول عام 2015، ستجري مفاوضات بين الحكومات في الجمعية العامة والتي ستتوج بعقد قمة عام 2015 في أيلول من العام نفسه.
لا يفاجئني شعورك بالارتباك، والأهم من ذلك أن هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أنك لست مهتما أيضا. كان هناك تعليقات متفرقة من وسائل الاعلام على عملية الأهداف الإنمائية المستدامة، والأجزاء القليلة التي نشرت كانت إما محددة من وكالات الأمم المتحدة أو كانت تركز على المشاركة العربية البارزة في هذه العملية، مثل تعيين جلالة الملكة رانيا العبدالله في المجلس رفيع المستوى، بشكل أكثر منه على جوهر الموضوع. وعندما أتحدث إلى منظمات المجتمع المدني، فإن هذه المنظمات تردد هذه العلامة على اللامبالاة. فهم منذهلون من السبب الذي يوجب تحويل الطاقة والموارد الشحيحة إلى بناء الزخم حول عملية من غير المرجح أن تؤثر في ميزانياتهم، أو البيئة التي يعملون فيها أو مجموعات المستفيدين. وهناك أيضا تصور بأن العملية بالغة التسيس، فكم منكم أحبط عندما قرأ أن الخطوة النهائية في عملية تأسيس الأهداف الإنمائية المستدامة شملت تسعة أشهر من المفاوضات بين الحكومات في الجمعية العامة؟
ومع ذلك، أعتقد أننا بحاجة الى مزيد من النقاش. فإن لأجندة الأهداف الإنمائية للألفية وما سيحل محلها تأثير عميق على برامج التنمية. إما للأفضل أو للأسوأ، توجه هذه الأهداف العالمية التمويل، وبالتالي وضع البرامج، وبطرق محددة للغاية. وعندما فشلت الأهداف الإنمائية للألفية بشكل مستغرب في أن تشمل العدالة وسيادة القانون -على الرغم من الروابط الواضحة بين نظم العدالة الضعيفة، والصراع والنمو – فقد أدى ذلك إلى التقليل من أهمية قطاع العدالة في التخطيط الاستراتيجي التنمية، وإقصائه عن آليات التمويل السائدة. وقد ساد لدى المنظمات الشعبية بداية، وصولا إلى وكالات الأمم المتحدة شعور بالحرج في صياغة مقترحات حسب الشروط التي تتطلبها الأهداف الإنمائية للألفية، بغض النظر عما إذا كانت تتصل بها اتصالا ملموسا أم لا.
ثانيا، تحققت العديد من الفوائد نتيجة لهذه العملية. التفكير بشكل مركز والعمل المحفز على ثمانية أهداف منعزلة بطريقة لم تكن ممكنة فيما عدا ذلك، مما أدى إلى تصاعد التفاهم حول الحد من الفقر. كما أدى إطار الأهداف الإنمائية للألفية أيضا إلى تعزيز النظم الإحصائية وجمع البيانات، مما شجع التحول نحو التخطيط للتنمية بشكل أكثر اعتمادا على الأدلة من اعتماده السياسة.
إذا دعنا نقول للحظة فقط أننا مقتنعون بفكرة أن عملية الأهداف الإنمائية للألفية-الأهداف الإنمائية المستدامة تعتبر مهمة. فكيف تتقدم منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا؟ يبدو أن شمال أفريقيا على المسار الصحيح لتحقيق 4 من 8 أهداف (التعليم الابتدائي، وتخفيض معدل وفيات الأطفال، والاستدامة البيئية وإقامة شراكة التنمية العالمية)، و 9 من المواضيع المستهدفة البالغة 16. ويجب على غرب آسيا تلبية 2 من 8 أهداف (خفض معدل وفيات الأطفال، وشراكة التنمية العالمية) و 5 من المواضيع المستهدفة البالغة 16. ولم تحرز كلا المنطقتين أي تقدم أو تدهور التقدم في الجهود المبذولة لوقف وعكس اتجاه انتشار فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز. ويتفوق أداء غرب آسيا على أداء جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى فقط (التي من المتوقع ان تلبي 1 من المواضيع المستهدفة البالغة 16) وأوقيانوسيا (المتوقع ان تلبي 2 من المواضيع المستهدفة البالغة 16). ولا يعتبر أداء شمال أفريقيا أفضل بكثير – فالتقدم المحرز فيها يتقدم فقط على التقدم المحرز في هذه المناطق وفي جنوب آسيا.
لا تبدو القصة سيئة من جميع النواحي. فقد حققت منطقة غرب آسيا وجنوب افريقيا تقدما ملحوظا نحو تحقيق أهداف التعليم، وعلى الأخص في المساواة بين الجنسين في التعليم، ولديه القدرة على أن تصبح رائدة على مستوى العالم في مجال تكنولوجيا الطاقة المتجددة. ولكنها لا تزال مرتعا للتناقضات. فالعدد المتزايد من سكانها الشباب -الأكبر في العالم -لديهم القدرة على رفع المنطقة من براثن الفقر وإقامة عهد جديد من الحكومة المسؤولة، أو أن تكون نقطة اشتعال للصراع الذي طال أمده والتدهور البيئي. وبينما تعاني دول مثل الأردن من الانعدام المدقع للأمن المائي والطاقة، فإن دول الخليج هي من بين أعلى المستخدمين في العالم للطاقة في تحلية مياه البحر، وبينما تمتاز المنطقة بالريادة في مجال محو الأمية بين الإناث والتعليم العالي، فإن تدني معدلات المشاركة في القوى العاملة يحد من التقدم الاقتصادي.
ما الذي يعنيه كل هذا؟ أن المنطقة لا تتقدم كما ينبغي، وأن هذه الأجندة مهمة، بمعنى أن الأهداف الإنمائية المستدامة هي من الأهمية بحيث تتخذ القرارات بشأنها في الطابق 38 من مبنى مقر الأمم المتحدة في نيويورك. لقد حان الوقت للضغط على صانعي السياسات من أجل فهم أفضل للأولويات والتحديات المحددة لهذه المنطقة وذلك للتأكد من انعكاسها في الأجندة العالمية.
ونحن بحاجة أيضا للتأكد من أن تؤخذ بالاعتبار الدروس المستفادة من خلال هذه التجربة العالمية. ومع تكثف الضغط لتلبية الأهداف الإنمائية للألفية، فقد أصبح من الواضح أنه من الممكن تلبية هدف معين، ولكن هذا لا يتم بشكل آمن أو منصف. فلا معنى لضمان الوصول إلى المياه، على سبيل المثال، دون النظر إلى نوعية المياه أو انتظام الوصول إليها. وبالتالي، يجب أن تشتمل أي مجموعة جديدة من الالتزامات الدولية على الضمانات المتصلة بالجودة والمساواة.
ومن بين الدروس الأخرى أهمية المرونة لمواءمة الأهداف والأولويات الوطنية. فلم يتم تقاسم شح المياه والطاقة والتحديات التي يفرضها تدفق اللاجئين على الأردن مع ارتفاع مستوى سطح البحر ومشاكل الفقر المدقع في ميلانيزيا، أو الأزمة الصحية وانتشار فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز في أفريقيا. إننا بحاجة للتأكد من أن "التمييع" الذي لا يمكن تجنبه في التفاوض حول الأهداف العالمية لا يمنع من تعيين الأولويات الوطنية القائمة على الأدلة. وإذا كانت المواضيع المستهدفة بعيدة جدا عن المصالح الوطنية، فستنحرف التنمية ويتم فقدان القيمة الطموحة للعملية.
لذا يرجى، تولي المسؤول عن هذه الأجندة. واستخدموا الأشهر التسعة القادمة لتوجيه نقاش حول أولويات التنمية الإقليمية. فلم ترفق خارطة الطريق بالأهداف الإنمائية للألفية، ولن تكون هناك خارطة طريق للأهداف الإنمائية المستدامة. وتحتاج المنطقة العربية إلى رسم خارطة الطريق هذه بنفسها، وهذا يتطلب تقييما صريحا لمنطقتنا، والمعوقات والفرص المتوفرة فيها، والترابط الفوضوي بين الأهداف. فمن الأفضل أن نبدأ الآن من ألا نبدأ أبدا.