نشرت كجزء من سلسلة من ثلاثة أجزاء على جدول أعمال التنمية في مرحلة ما بعد عام 2015.
لقد عدت، ومرة أخرى ما يدور في ذهني هو جدول أعمال التنمية المستدامة ما بعد عام 2015. والآن حيث أنكم جميعا تفكرون بما يعنيه جدول الأعمال هذا بالنسبة لمستقبل منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، فقد حان الوقت لشحذ أذهانكم بالتفاصيل.
خلال العام الماضي، دعا صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، إلى جانب قادة الفكر مثل جورج سوروس، بقوة من أجل هدف العدالة بشكل مستقل. وهم يحظون بصحبة جيدة، فقد قدمت الإسكوا دليلا قويا على الحاجة إلى أهداف تربط العدالة والحكم الرشيد مع التنمية والاستقرار.
ومع ذلك، فقد كشفت أبحاثنا عن بعض الاتجاهات المثيرة للقلق فيما يتعلق بكيفية تفكير سكان غرب آسيا وشمال افريقيا "وانا" وكيفية ترتيبهم لأولويات العدالة الاجتماعية. وبمجرد إلقاء نظرة على نتائج مسح "العالم الذي نريد" الذي تقوده الأمم المتحدة. فقد صنف المسح المخاوف الرئيسية للسكان على أنها تقع بين 16 من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وقد شارك في المسح 373000 شخص من هذه المنطقة. ورتبت منطقة غرب آسيا في المرتبة 13 من حيث الحرية السياسية، والمرتبة 11 من حيث التحرر من الاضطهاد والتمييز والمرتبة 9 من حيث المساواة بين الجنسين. أما في منطقة شمال أفريقيا، فقد حصلت على المرتبة 13 من حيث الحرية السياسية ةعلى المرتبة 10 من حيث التحرر من الاضطهاد والتمييز والمرتبة 9 من حيث الحكومة الصادقة والمستجيبة.
لذا، حتى وإن لم نكن مهتمين بشأن العدالة الاجتماعية، فما الذي يهمنا إذا؟ وضعت كل من غرب آسيا وشمال أفريقيا التعليم، وفرص عمل أفضل، والغذاء معتدل السعر والغذاء الصحي والرعاية الصحية الأفضل بين اهتماماتها الخمسة الأوائل. وأنا أفهم ذلك. ففي الدول العربية، تصل البطالة إلى نسبة 22٪ بين الرجال و40٪ بين النساء. وينمو العجز في الأمن الغذائي في جميع أنحاء المنطقة. وفي عدة بلدان، يحدث اللاجئون توترا مزمنا على المدارس وأنظمة الرعاية الصحية. ولذلك، ربما لا يكون السبب أن العدالة ليست مهمة، بل لمجرد أنها ليست مهمة بقدر أهمية القضايا المتعلقة بتوفر سبل العيش.
ولكني أعتقد في الواقع أن هناك المزيد حول هذه القصة. إن قادة المجتمع المدني، مثل هديل عبد العزيز، يشعرون أن "اللامبالاة تجاه العدالة الاجتماعية تدل على وجود أزمة أوسع في الثقة في النظام القضائي لدينا". وفي الأردن، يقال إن حوالي 40٪ من الحالات القانونية التي لا تحال إلى المحكمة يتم حلها وديا. ويجب أن يكون هذا جيدا، هل هذا صحيح؟ نحن نرغب في أن يحل الناس مشاكلهم بشكل مستقل ولا يزيدوا من ازدحام نظام المحاكم،ويحتمل ذلك نعم ولا، ففي أي مجتمع، يتم حل نسبة من القضايا خارج النظام القضائي، وينبغي أن ينظر إلى هذا بوصفه ممارسة إيجابية. وما يبعث على عدم الاطمئنان هو أنه من المرجح حل العديد من هذه القضايا في نظام العدالة القبلي. ولا يعرف إلا القليل عن هذه النظم، وخاصة كيف يتم التعامل بعدالة مع المجموعات المهمشة مثل النساء والفقراء في المداولات. وهناك أيضا 20٪ من القضايا التي لا تحال إلى المحكمة بسبب الخجل أو الأعراف أو التقاليد. وتنطوي هذه المجموعة على 35٪ من القضايا التي تمس النساء وأكثر من 50٪ من القضايا التي تمس مسائل تتصل بالقانون الجنائي. ويجب التساؤل حول السبب الذي يدعو هذا العدد الكبير من الناس للشعور بأن النظام القضائي ليس الوسيلة الأكثر فعالية لتسوية النزاعات؟
ولعل الأهم من ذلك، أن هذه اللامبالاة تشير إلى أن الصلة بين العدالة الاجتماعية والتنمية الأوسع نطاقا ليست مفهومة بما فيه الكفاية. ومن السمات المميزة لقصة غرب آسيا وشمال افريقيا "وانا" أن التنمية التي تتم، في بعض الحالات بشكل سريع جدا، تكون بمعدلات متفاوتة بشكل صارخ. وأن التقدم لم يكن شاملا، وكانت النتيجة أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء آخذة في التوسع، وكذلك العجز في المجالات التي يكون لها تأثير ملموس على التنمية، مثل المساواة بين الجنسين. ولا تخلو هذه التنمية المنحرفة من العواقب. فمن الواضح بشكل متزايد أن الثورات العربية كانت إلى حد كبير نتيجة لقلة فرص الحصول على الموارد الأساسية والفرص محدودة، إلى جانب ضعف المساءلة، وبعبارة أخرى، فشل العدالة الاجتماعية. والعبرة هنا أن التنمية يجب ألا تكون مهتمة فقط بالنمو، ولكن أيضا بالتوزيع العادل لها والمشاركة في عمليات صنع القرار.
وحتى وإن أقنعتكم بأهمية العدالة الاجتماعية، فلا يكفي مجرد الرغبة فيها. نحن في حاجة إليها في مقدمة ووسط جدول أعمال التنمية المستدامة. والهدف 16 من مقترح الفريق العامل المفتوح حول أهداف التنمية المستدامة يتحدث عن الوصول إلى العدالة للجميع والمؤسسات المسؤولة والشاملة. ولكن ما مدى احتمال بقاء الهدف 16 خلال المفاوضات الحكومية التي سينتج عنها مجموعة نهائية من أهداف التنمية المستدامة؟ وسيكون من الصعب تزوير الاجماع في الآراء بشأن المعايير الدنيا للحريات السياسية، واستقلال السلطة القضائية، والمساءلة، والشفافية، والوصول إلى العدالة.
وعلاوة على ذلك، فقد عارضت بعض الحكومات بشدة إدراج أهداف العدالة في أهداف التنمية المستدامة وقد قيل إن هدف العدالة من شأنه أن يضر بسيادة الدولة، وأن نتائج العدالة غير قابلة للقياس و(مع الغرابة الشديدة) أن أهداف العدالة تعتبر مهمة فقط بالنسبة إلى البلدان النامية. ويمكن الرد على معظم هذه المقولات أو حلها بشكل مشروع. كما قال مديري، صاحب السمو الملكي الأمير الحسن: "إذا كان قياس العدالة أمرا صعبا، فمن السيئ للغاية ألا يؤدي عدم القدرة على قياس أو تقييم التقدم المحرز إلى التخلص من المشكلة. جدوا وسيلة لجعل العدالة قابلة للقياس."
وقد فعلنا ذلك، حيث وضع فريق البحث في معهد غرب آسيا وشمال افريقيا "وانا" الأهداف المبنية على الأدلة والمؤشرات القادرة على قياس التقدم المحرز في تحقيق العدالة الاجتماعية.
ومع ذلك، فإنني قلق حول العدالة. قلق بالفعل. شخصيا، أعتقد أنه من غير المرجح أننا سنشهد العدالة بذاتها أو الحكم الرشيد في أهداف التنمية المستدامة. ولكنني سعيد أن الحديث يجري حول إدراجها. وقد كان هذا الحديث مهما، وربما يكون الخطوة الأولى في مسيرة طويلة إلى حيث تكون العدالة الاجتماعية جزءا لا يتجزأ من كيفية تصورنا للحكم والتنمية.
وأما ما يمكننا القيام به الآن، وكما ذكرت من قبل، فإن أهداف التنمية المستدامة لا تأتي مع خارطة طريق للتنفيذ. فنحن بحاجة إلى ضبط هذا بأنفسنا، بما في ذلك فهم المكان المناسب للعدالة والحكم الرشيد في هيكل التنمية في منطقة غرب آسيا وشمال افريقيا "وانا". ويعود ذلك إلى سؤالي الأصلي، هل من الممكن أن تكون شعوب المنطقة غير مهتمة بالعدالة، وخاصة بالنسبة للفقراء والمهمشين؟ لا، فنحن نهتم بالفعل. ففي صميم التقليد القانوني الإسلامي تكمن حماية الضعفاء. ويكفي المرء أن ينظر إلى المجتمعات المحلية في الأردن ولبنان وتركيا والعراق الذين يستضيفون أحدث موجة من اللاجئين الفارين من الصراع والتطرف لكي نرى هذا المبدأ بشكل عملي.
وسينطوي تزوير الإجماع حول كيفية ترتيب العدالة ضمن أولويات برامج التنمية الوطنية على بعض المحادثات الصعبة. وآمل أن الوقت قد حان لنصبح بحاجة إلى أن نكون شجعانا بما يكفي للالتزام بالعدالة، وكل ما يأتي معها. فالعدالة ليست شيئا يقاتل من أجله، ويتم تحقيقه، ثم يوضع على الرف، مثل علاج أو مطعوم ضد المرض. بل هي رحلة مستمرة تحتاج إلى اهتمام وثيق وتحديد مستمر للأولويات وصقل بشكل منتظم. والالتزام بحماية هذه الحقوق يتجاوز الحدود الوطنية، وبالتالي يجب أن يكون مقبولا باعتباره مسؤولية مشتركة. وتبدأ هذه العملية بقيام شعب غرب آسيا وشمال افريقيا "وانا" بالمطالبة بالتنمية الشاملة: التقدم المصحوب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
- سري، لا يعمم بدون موافقة خطية مسبقة.