كان بنجامين فرانكلين من قال، لن نعرف قيمة الماء إلا عندما يجف البئر. فلقد جف البئر في غرب آسيا - شمال أفريقيا (WANA) لبعض الوقت، والناس الذين يعيشون هنا يعرفون قيمة الماء بشكل مؤلم، فالمياه النظيفة والغذاء، سلع غير متوفرة للملايين من الناس في العالم، وخاصة في هذه المنطقة. يأجج الحرمان من الماء والغذاء الصراع ويسبب التشرد، ما يؤدي إلى تزايد مشاكل المياه وانعدام الأمن الغذائي بشكل متبادل. حيث تتقارب القضايا المتعلقة بالمياه والمواد الغذائية، يحصل التشريد، ما يؤجج التوترات التي يمكن أن تؤدي إلى الصراع. سوريا مثال على ذلك، حيث شكل النزوح الداخلي لنحو 250000 سوري في 2008-2007 بسبب الجفاف عاملا حاسما، ولكن تم تجاهله أيضا في ما يمكن الآن وصفه بأنه مأساة سورية، لم تظهر نتائجها بعد. فإذا أردنا تجنب مأساة لبنانية ومصرية وأردنية من نفس العيار، نحن بحاجة إلى فهم أفضل لآليات علاقة الصراع بين الماء -التشرد - الغذاء.
ما مدى سوء الوضع الغذائي في WANA؟ وفقا لبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، يعاني ما يقرب من 10 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في سوريا، وقد وصل العدد في العراق، إلى 4.4 مليون. في الواقع، تعاني كل من العراق وسوريا من الصراع، ولكن هذا ليس بالضرورة المصدر الرئيسي لانعدام الأمن. فقد شهدت مصر زيادة في عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي، من 11.2 مليون نسمة إلى 13.7 مليون نسمة بين عامي 2009 و 2011. واليوم، يرجح أن يكون الرقم أعلى من ذلك، لأن السبب الرئيسي لانعدام الأمن الغذائي في مصر هو الفقر وأسعار المواد الغذائية، وكلاهما قد ازدادا منذ عام 2011، يمكن تسجيل حالات مماثلة في اليمن والأردن ولبنان على سبيل المثال.
ولكن ماذا عن الماء؟ حددت منظمة الصحة العالمية 1000 متر مكعب من المياه للفرد الواحد سنويا كمعيار لقياس ندرة المياه. تملك الأردن والضفة الغربية وقطاع غزة 100 متر مكعب وإسرائيل 300 متر مكعب، في حين أن السويد، على سبيل المثال، لديها حق الوصول إلى 20000 متر مكعب من المياه للفرد الواحد سنويا. السخرية في الأمر هو أن في المتوسط، رام الله تتلقى امطار أكثر من ستوكهولم. وبالفعل تم استنفاد الموارد المائية المتجددة في خمسة من البلدان السبعة في شبه الجزيرة العربية. كل هذا يضع ندرة المياه في المنطقة وأمن أو انعدام امن مياه الناس في وجهة النظر.
وبالغنى عن القول، الجوع والعطش مظاهر معتادة في هذا الجزء من العالم. تخيلوا أن بنجامين فرانكلين أمضى بضعة أيام هنا بحثا عن الآبار. كان قد عرف قيمة الماء بسرعة.
في وقت لاحق، يعزى ما يقرب من 85 في المائة من استخدامات المياه في المنطقة إلى القطاع الزراعي، والعلاقة بين الغذاء والمياه واضحة. لكن على الرغم من هذا الاستثمار الضخم من المياه في الزراعة، معظم دول منطقة WANA مستوردة للغذاء، وتعتمد على الأسواق العالمية لإطعام سكانها. باعتبارها منطقة يغلب عليها مستوردي الأغذية، منطقة WANA حساسة للغاية لارتفاع أسعار الغذاء العالمية، فهي كعامل في مستويات عالية من الفقر، هي عرضة للاضطرابات في السوق الدولية للأغذية ولو كانت بسيطة. وهذه النقطة هي أنه لا يمكن التعامل مع انعدام الأمن المائي والأمن الغذائي على أنها قضايا منفصلة؛ فهما تقاطع وجود صلة وسياسة أوسع – فيحتاج الصناع الى نهج شامل ومتكامل للتعامل معهم.
الماء ضروري لزراعة المحاصيل الغذائية، والمياه الافتراضية جزءا لا يتجزأ من الغذاء. عندما تكون المياه والمواد الغذائية شحيحة، يضطر الناس للتحرك. يولد النزوح التوترات الاجتماعية التي يمكن أن تؤدي إلى الصراع. يؤدي الصراع المسلح إلى انعدام الأمن الغذائي حيث أنه يعطل إنتاج وتوزيع المواد الغذائية، ولكن يمكن أيضا أن يسبب بتدمير مرافق إنتاج الأغذية والأصول. وبالإضافة إلى ذلك، التشريد، بسبب الصراع أو ببساطة بسبب انعدام الأمن المائي، يدفع انعدام الأمن الغذائي أبعد من ذلك عندما يضطر المزارعون إلى ترك محاصيلهم وماشيتهم غير مراقبة. ثم هناك أيضا البعد من زيادات الطلب على الغذاء والماء حيث يصبح المجتمع المشرد وحدة كبيرة جديدة.
وتبين البحوث أن الوصول إلى الغذاء الذي يتم قياسه في الدخل يرتبط ببدء الصراع. وكانت الاضطرابات الاجتماعية بسبب انعدام الأمن الغذائي تاريخيا شائعة نسبيا في منطقة WANA. مصر سيئة السمعة في هذا الصدد مع أعمال الشغب حول الخبز عام 1977، ولكن ظهرت حلقات مماثلة من الاضطرابات الشعبية بسبب أسعار الغذاء في تاريخ المغرب، لبنان والأردن. في الواقع، يمكن أن تكون الانتفاضات الأخيرة في المنطقة - ناهيك عن ما يسمى الربيع العربي - مرتبطة بانعدام الأمن الغذائي بطريقة غير مباشرة على الاقل من خلال الأسباب الاجتماعية والاقتصادية.
على هذه الخلفية، فإن البلدان المضيفة مثل الأردن ولبنان وتركيا تواجه خطرا متزايدا من الاضطرابات الاجتماعية. فقد ادت مجموعة اللاجئين السوريين الكبيرة إلى زيادة الطلب على الغذاء. وفي وقت لاحق، يفقد سكان البلد المضيف ذوي الدخل المنخفض الدخل بسبب زيادة توافر اليد العاملة الرخيصة. وفي جمعها مع بعضها، تحفز ازدياد انعدام الأمن الغذائي، وتضخم خطر الصراع.
يمكن أن يؤدي التشريد إلى تفاقم انعدام الأمن المائي. وقد أدى، وجود عدد كبير من السوريين في مخيم الزعتري للاجئين، الذي أصبح منزلا لهم، الى تكهنات حول تلوث المياه السطحية في المنطقة المحيطة بالمخيم. ثم هناك بالطبع زيادة استهلاك المياه التي يتطلبها السكان الجدد من المشردين.
من الواضح أن الغذاء والماء، تعد من العوامل الحاسمة للتشرد ويمكن أن تؤدي إلى النزاع. فقد قال ليوناردو دا فينشي مرة، أن الماء هو القوة الدافعة في الطبيعة. وذلك واضح نوعا ما؛ فعدم وجود اللون الأزرق يعني أيضا غياب الأخضر، الأمر الذي يلقي ضوءا على تقاطع المياه والغذاء. فيحرك الماء الناس عندما يندر وجوده، وعندما يكثر وجوده. وقد حارب بعض الناس من أجله، واستقرت الحضارات بجانبه. تملك منطقة WANA كل هذه الفئات: فخلال العقدين المقبلين، سيواجه 45 مليون من الإيرانيين الهجرة القسرية بسبب الجفاف، والمفارقة، أنه في الوقت نفسه، يواجه عدد من المصريين الهجرة القسرية بسبب الفيضانات في دلتا النيل. ولكن كل منهم بحاجة إلى الماء، وهو ما يوحدهم.
ونتيجة لذلك، لا بد لنا من صياغة جدول أعمال شامل من أجل الوصول المستدام إلى المياه النظيفة والغذاء للجميع، من خلال الاعتراف بالدور الحيوي للمياه في البيئة البشرية. ومن الأهمية بمكان أن ندرك العلاقة المترابطة بين الغذاء والماء. تنطوي كرامة الإنسان على إمكانية الشرب عند العطش وتناول الطعام عند الجوع. حان الوقت لمعالجة علاقة المياه والغذاء بالتشريد والصراع والتأكد من أن كل إنسان يملك وصولا آمنا للماء والغذاء.