تم نشر هذا المقال لأول مرة في هافينغتون بوست يوم 14 تشرين ثاني 2014.
ما الذي يجب عمله فيما يخص القدس؟ بعد مرور خمسة وعشرين عاما على سقوط جدار برلين، تشهد هذه المنطقة جدرانا جديدة يجري بناؤها في محاولات يائسة لاحتواء المشاكل بين الناس. متى سندرك أن الجدران التي تفصل الثقافات والشعوب تؤدي إلى تفاقم الطائفية وتسريع التجزئة؟ إلى متى ستستمر الجدران، التصويرية والمادية، في بث السموم في إنسانيتنا؟
حدة التوتر المتصاعدة في البلدة القديمة من القدس، الموحدة في الظاهر لكنها في الواقع لم تكن أبدا أكثر تقسيما، وتجمع الأنقاض التي خلفتها الحملات العسكرية خلال العقود الماضية. وتصنف هذه الأحداث الصراع على أنه صراعا، لا يجري التلاعب به في قاعات المحاكم في أي دولة، ولا في المجتمع الدولي، أو حتى قاعات المحاكم الأخلاقية في أذهاننا. فهذا الصراع يستخدم أدوات العدوان التي تهدف إلى تحويل السكان المجزئين بالفعل إلى أقطاب،.
تعكس المطالبات المتنافسة في القدس كعاصمة لكل من إسرائيل وفلسطين المستقبلية الحاجة إلى بنية جديدة من نشر سلام شامل، حيث يسمو المجال الثقافي العالمي على الجغرافيا السياسية بحيث يصبح قالبا من الأمل.
إن التجوال عبر القدس يعتبر جولة في أديان العالم، وصعودا معماريا والرابحين والخاسرين من الحروب.
المحطة الأولى هي كنيسة القيامة، موقع صلب ودفن وبعث يسوع، وأقدس مكان للكاثوليك والأرثوذكس المسيحيين. فهو يحمل إرث الهدم، وقد تطلب بنائه تدمير معبد فينوس الروماني، ودمر الفرس الكنيسة في عام 614، وفي عام 638 تم تحويل مدخل الكنيسة إلى مسجد، ثم في عام 966، دمرت مرة أخرى خلال أعمال الشغب المناهضة للمسيحية.
ويليها جبل الهيكل، أقدس موقع في اليهودية، والقبلة الأولى للصلاة وثالث أقدس موقع في الإسلام. ووفقا للإنجيل، قامت القوات البابلية بتدمير المعبد الأول (الملك سليمان) في عام 586 قبل الميلاد. وقد أعيد بناؤه، ولكن دمر مرة أخرى على يد الرومان عام 70 م. وبعد الفتح الإسلامي للقدس عام 637، بنيت قبة الصخرة والمسجد الأقصى في الموقع كأضرحة إسلامية. ويعتقد أن الحجر الموجود في الحرم الشريف، الذي يضم أكثر من 144،000 متر مربع من النوافير، والمحاريب، والغرف، والمدارس، والحدائق والمباني والقباب، المكان الذي عرج منه النبي محمد (عليه الصلاة والسلام)، حيث عرض إبراهيم التضحية بإسحاق، وموقع قدس الأقداس في المعبد اليهودي. واليوم، في حين أن الموقع يقع تحت سيطرة المسلمين، يحظر الدخول بشكل دوري، وبالنسبة لليهود، فإن نقطة الوصول الوحيدة إلى المعبد الثاني هي الجدار الغربي.
ولا يوجد وقت للتوقف في طريق الآلام، وجبل الزيتون وجبل صهيون، ولكن لكل منها رواية خاصة بها من الحرمان وويلات الحروب.
وقد يتأمل المتفرج في الظروف الثقافية التي سهلت مثل هذا الازدهار للروح الدينية الذي تحتويه هذه المنطقة الجغرافية. وقد يرسم نفس المراقب الإلهام من سماع أذان المسلمين لصلاة تتخلله أجراس الكنيسة، ومجموعتين يصلون في جدار واحد لإله آخر، ومشاهدة كيف يمكن للوفاق الثلاثي للعمارة الدينية أن ينطلي بضوء ما بعد الظهر. وفي هفوة لحظية للوعي، فإنه قد يخلط بين القدس والمكان الذي يجسد التسامح والتعددية. ولكننا نعلم بالطبع أن هذا التشبيه هو مجرد وهم. والحقيقة هي أن المصلين المسلمين يصلون تحت حماية محتليهم، وأن اليهود لا يستطيعون المشاركة في إدارة أقدس ضريح عندهم وأن المسيحيين العرب في المنطقة لا يتعدون كونهم منسيون باعتبارهم أصحاب مصلحة في هذه المعركة من أجل التفوق الديني.
إن الجدل عميق حول إدارة المساحات المقدسة، ولكن المفارقة هي أن لا علاقة له تذكر مع الدين. وبينما لا يزال الموقع تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية منذ احتلالها للقدس الشرقية في عام 1967، فإن إدارته أنيطت إلى الأوقاف الإسلامية منذ عام 1187.
ومن الواضح أن هذا ليس حول القوانين الواردة في الكتب. فلو كان الوضع كذلك، لشهدنا انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، على النحو المطلوب بموجب قرار مجلس الأمن 242، وإنهاء الاستيطان وقوانين تسهيل وصول جميع الجماعات الدينية إلى المواقع. ويوضح تاريخ القدس الطويل أن الاحتلال غير مجدي. ولا بد لاسرائيل وجيرانها من الناحية القانونية الاعتراف بالوضع السابق لعام 1947.
وبدلا من ذلك، أثارت إدارة المقدسات العنف لعقود مضت وتواصل زعزعة استقرار الدول المجاورة. وتشكل مركزية هذا التوتر بالنسبة إلى الحياة اليومية للمسلمين واليهود والمسيحيين خطرا واضحا وقائما.
ولتجاوز هذا الوضع، علينا أن ندرك أن هذه الاشتباكات لا تدور حول الدين، بل حول السياسة. ويتعين على الجانبين درء هذا الضرر والتوحد تحت حجة أن تسييس الأماكن المقدسة يعتبر تجاوزا للخط الأخلاقي والمعنوي. ويجب أن تخضع الأماكن المقدسة لأدياننا، وإذا لم يكن ذلك ممكنا، فيجب أن يحكمها القانون.
ويجب أن يقوم اليهود والعرب المسلمون والمسيحيون بتكييف الوضع إلى المبادئ العامة التي الناظمة للنظام الدولي. إن جمعية ظهرت خلال فترة السنوات 1،800 الماضية، والتي تمثلت في توق اليهود للعودة إلى القدس، ليست جمعية تاريخية أو إقليمية على حده. كما أنها لا تحمل عنوانا مقنعا للسيادة على الأراضي بموجب القانون الدولي المعاصر.
وعلاوة على ذلك، يجب على الديانات الإبراهيمية الثلاث أن تعمل معا لصياغة الحل الذي يأخذ إنسانيتنا المشتركة كأساس للتعددية. ويجب شن مثل هذا السلام من خلال الإجماع الأخلاقي وأن يبنى حول القواسم المشتركة، لا حول نقاط الانقسام. ومن المفارقات، فلا شيء يحمل قيمة رمزية للمتطرفين من جميع الجهات أكثر من تغيير الوضع الديني القائم في الحرم القدسي الشريف. وهذه قاعدة معرفية موجودة مسبقا. وقد نشر العلماء أكثر من 5000 كتاب عن التاريخ وعلم الآثار في الأرض المقدسة، وبالتالي، يعتبر هذا قالبا تاريخيا لثقافة السلام والتعايش بين اليهود والمسيحيين والمسلمين.
يعد الوعي المتعلق بالقدس واجب إنساني عالمي نعتبر نحن جميعا أصحاب المصلحة فيه. ويشكل المسيحيون والمسلمون واليهود 57٪ من سكان العالم. ولدى النسبة الباقية مصلحة تاريخية في إقامة سلام عادل وأخلاقي. وكما قال صديقي العزيز كينيث كراج، إننا نتقاسم من خلال الإشراف المشترك في المجال المقدس الثقة المقدسة؛ فمسؤوليتنا تجاه الإيمان هي مهمة بسيطة نسبيا للمؤمن، ولكن إذا لم يرغب إخلاصنا بأن يكون مجرد "إيمان بالإيمان"، فإن علينا تحمل مسؤوليتنا عن الإيمان. وإلى أن نأخذ هذا على محمل الجد، سيبقى تعزيز السلام والحرية والعدالة الاجتماعية في الأراضي المقدسة طموحا.