سواء كنت مؤيدا لحقوق الإنسان أو نظريات التنمية، من المقبول بشكل عام أن سيادة القانون هي المفتاح لتقليل الفقر و التوجه نحو النمو الاقتصادي والأمن البشري. و لكن هل ما نقوم به يتماشى مع الهدف الذي نرغب بتحقيقه؟
كان النهج الذي وصفه كثير من الناس باسم نهج "أعلى إلى أسفل" أو المساعدة الانمائية القانونية الأرثوذكسية أفضل جزء في العقود الثلاثة الماضية، وانصب التركيز على تعزيز نظم العدالة الرسمية من خلال الإصلاح التشريعي، وتدريب القضاة وتجهيز قاعات المحاكم. و المبرر لذلك، أن وجود نظام قانوني حديث، هو شرط أساسي في التنمية، فهو الأساس لحقوق الملكية؛ وهو اللازم لتسهيل الاستثمار وبالتالي النمو الاقتصادي؛ وهو مركزية للإدارة العامة، والتي هي الأساس لتوليد الإيرادات العامة وتقديم الخدمات.
الفكرة من وراء ذلك هو أن المنافع ستمطر على المواطنيين وسيصلح النظام و يقبل الناس عليه، ولكن ذلك لم يحدث.
بالرغم من أن المجتمع الدولي أنفق ما يقارب المليار دولار خلال العقدين الاخيريين على مبادرات تقوية سيادة القانون، إلا أن الأدلة ضعيفة جدا حول وجود أثر مستدام لبرمجة تلك المبادرات. و يعتبر هذا مصدر قلق كبير، للمانحين و الممارسين و بالأخص للفقراء والمهمشين، الذي يقرب عددهم من 4 مليارات شخص مستبعدين من سيادة القانون.
لماذا لم ينجح النهج الارثوذكسي؟
أولا، يفتقر النهج الارثوذكسي إلى نظرية بناء و تطوير الانظمة القانونية. فتجعل الارتباط غير الرسمي بين الدول من خلال تقارير حقوق الإنسان و النمو المرتفع و الديمقراطية و المؤسسات الموجودة، ويعتقد كثيرا من الناس أن هذا مبسط جدا، وفي الحقيقة فهو كذلك.
ثانيا، تتجاهل النظم الارثوذكسية قضية الاقتصاد السياسي. ولا تتعامل التدخلات التقنية مع حقيقة ان الحوكمة هي سياسية لحد كبير و في أغلب الأحيان تقوم السلطة والقوة بإلغاء القانون. فلن تقوم بالضرورة التشريعات المراجعة والمنقحة أو التدريب بالتغلب على قضايا اعتيادية مثل الفساد و التمييز.
ثالثا، تقلل النهج الارثوذكسية من التقييدات المفروضة على الدولة. فتركز الانتباه في الدول النامية على اصلاح نظام الدولة عندما يكون هناك انظمة قانونية أكثر أهمية مثل النظام العشائري.
ظهور التمكين القانوني
قبل عشرة أعوام تقريبا، تنبه أعضاء تقدميين في مجتمع سيادة القانون إلى استنتاج مفاده اننا كنا نركز على المشكلة الخاطئة.
وقد تشكلت مشكلة مختلفة، و هي أن الفقراء يعيشون في دائرة من التهميش و الاستغلال و الفقر، و كان لا بد لتلك الدائرة ان يتم قطعها، عل نحو يمكن المهمشين من التفاعل مع النظام القانوني ليكون هو الحل. ظهرت بعد ذلك فكرة التمكين القانوني من هذه الارتباطات.
يعتبر التمكين القانوني مبنيا على أساس أن سبب بقاء الفقر هو أن الفقراء لا يتمتعون بالحقوق القانونية أو أن السلطة لا تمنحهم ممارسة تلك الحقوق. ومن خلال إعطاء الناس تمكينا و قوة على شكل معلومات أو مهارات أو ادوات، سيكونوا قادرين على حماية و دعم حقوقهم و الوصول إلى الخدمات بشكل عادل و المطالبة بالمسائلة.
لا ينص التمكين القانوني على أهمية نظام العدالة الرسمي، إلا أنه ما الفائدة من العلم بالحقوق إن كان القانون نفسه مميزا و لا يحمي المواطن؟ و ما الفائدة من معرفة كيفية أو القدرة على الوصول لنظام العدالة ان كان القضاة فاسدين أو لم يكن هناك انفاذ للقرارات؟ و عوضا عن كل ذلك، لا بد لكل من نهج الأعلى للاسفل و نهج الأسفل للأعلى أن يعملان معا بنسب مختلفة و بتسلسل مختلف.
تصحيح الوضع في منطقة وانا
يمكننا القول ان التمكين القانوني ضروري في منطقة وانا اكثر من أي مكان آخر. فتوجد هنا أزمة في الوصول إلى العدالة مقرونة بأزمة في الثقة. و قد تم رسم التبعات المرجحة لذلك بوضوح في عام 2011 عندما تبين ضعف الوصول للمصادر و محدودية الفرص الاقتصادية و ضعف المسائلة ، و التي ترجمت إلى إضطراب واسع خلال الربيع العربي.
فلا بد من اتخاذ مجموعة من الاجراءات.
أولا، علينا ان ننظر بشكل انتقادي إلى سبب عدم تفشي ظاهرة التمكين القانوني هنا كأي مكان آخر في العالم. علينا ان نقوم بتحفيز الدعم حول فكرة ان كل الناس يحتاجون ان يكونوا قادرين على حل مظالمهم بعدل وبشكل يمكن التنبؤ به. يعتبر غالبية سكان منطقة وانا فقراء و مهمشين، وبسبب ضعفهم فهم اكثر عرضة ليكونوا ضحايا للجرائم و عدم الشرعية و أقل قدرة للحصول على الاصلاح، لذا، يقعون في المزيد من الفقر. هناك ضرورة اخلاقية و اقتصادية لإصلاح هذا الوضع.
ثانيا، نحتاج إلى استراتيجيات لتحريك ما هو أبعد من الاقتصاد السياسي، الذي يعمل حاليا على تخريب التقدم اتجاه التمكين القانوني. و علينا ان نواجه حقيقة مفادها أن هناك من لن يستفيد من الإصلاح. فما هي إذن هيكليات الحوافز والمسائلة التي يجب ان يتم وضعها لتحويل المفسدين إلى أبطال أو إلى شركاء غير مباشرين؟ و علينا أن نتذكر ان هؤلاء الذين سيخسرون الكثير هم غالبا ما يكونون مهمشين، فالأمر ليس ببساطة الغني القوي مقابل الضعيف الفقير. تحتاج هذه الأحاديث إلى المضي قدما بعناية. فالتمكين القانوني لا يمكن أن يصبح متساويا مع "لغة الثورة". و لا يمكننا تقديم أي عذر لصناع القرار في مقاومة التمكين القانوني على أساس ان هذا الشيء قد يفاقم مسألة عدم الاستقرار. ويجب تعزيز التمكين القانوني كأداة لمرونة الصراع.
ثالثا، نحتاج إلى اقتطاع مساحة تنفيذية واسعة و أكثر تحررا للمجتمع المدني، فالتمكين القانوني أكبر من أن يترك للحكومة وحدها. و لا بد من دعوة المجتمع المدني لنقاشات التنمية بصفتهم شركاء متساووين. نحن بحاجة أيضا إلى هيئات مستقلة مثل أمين المظالم ومجالس المساعدة القانونية العامة ليكونوا بمثابة حراس استقلال المجتمع المدني.
رابعا، نحن بحاجة إلى تطوير قاعدة المعرفة الإقليمية القادرة على دعم مستوى الابتكار المطلوب لمواجهة هذه التحديات. وانا أؤيد دعوة الفريق رفيع المستوى لثورة البيانات، ولكنني لا أتفق على ان تكون هذه الثورة مبنية على إطار عمل التنمية الجديد. بدلا من ذلك، يجب ان يكون إطار عمل التنمية مبنيا على البيانات. يجب أن تكون السياسة مبنية على الأدلة بدلا من ان تكون مبنية على الحدس و الشائعات. وبشكل عملي أكثر، علينا أن نواجه حقيقة ان "فعل الصواب" لا يحتاج إلى سبب مقنع للقيام به. يجب أن يتحدث التمكين القانوني بلغة الاقتصاد يين لتبرير انفاق الحكومة للأموال.
أخيرا نحتاج بان نفكر بشكل جدي حول بناء ثقافة تدعم التمكين القانوني. و يبشر هذا الخطاب بقوة الأفراد في التأكيد على مطالبهم ومحاسبة المكلفين بالواجبات. ولكن هذا التوقع قد لا يكون واقعيا، لهؤلاء الذين كانوا عرضة فقط لعدم المساواة و الفشل المؤسسي و نقص الفرص. تتطلب عملية الترويج لمعرفة القانون و الأدوات القانونية و حث الناس على الإعتقاد الكافي لاستعمالها، إلى منهجيات عمل مختلفة و هي عمليات منفصلة ايضا. إن الترويج لقيم سيادة القانون مجال مراوغ – بالأخص في هذا الجزء من العالم- و غالبا ما يتم تحاشيه. ولكن التمكين القانوني لا يمكن له ان يتواجد مالم يؤمن الناس بأن القانون سيخدمهم، و من دون ذلك، ستكون المؤسسات العاملة و المنظمات القانونية و الوعي القانوني لهم فرصا ضائعة.
علينا أن نطلق صافرة البداية لإعادة التفكير الأساسي في كيفية نظر سكان المنطقة إلى قيمة نظامهم القانوني. ويعتبر ذلك تحول في الأجيال و يجب أن يبدأ الآن. و يجب أن يجعل القانون الحياة اليومية أسهل، و لا أن يكون تحديا آخر ينتظر التغلب عليه.