لا تمنح نظم العدالة في العديد من بلدان منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا فرصاً متكافئة ولا توفّر الحماية لشرائح واسعة من الإناث. فقد اتضّح أن لتهميش النساء في نظام العدالة آثاراً سلبيةً على النمو الاقتصادي وسبل العيش والعدالة الاجتماعية والاستقرار. فلماذا تعتبر منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا منطقة متخلفة عندما يتعلّق الأمر بإمكانية المرأة للوصول إلى مبادرات العدالة؟
أثبت الباحثون والمبرمجون في السنوات الأخيرة وجود علاقة بين النوع الاجتماعي والتهميش القانوني والفقر والظلم. وقد ظهر التمكين القانوني وخصوصاً تمكين المرأة قانوناً باعتباره وسيلة مبتكرة لمواجهة تحديات التنمية.
يعتبر وصول المرأة إلى العدالة في الأساس قطعة محورية في لغز التنمية. وعلى الرغم من أن برمجة التمكين القانوني قد توسّعت في العديد من البلدان والمناطق، إلا أن هذا المفهوم قد فقد قوته في غرب آسيا وشمال أفريقيا إلى حدّ كبير.
تواجه المرأة في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا قيوداً شديدة تحدّ من إمكانيتها في الوصول إلى نظام العدالة الرسمي. إذ تشكل البيانات المستخلصة من المسح الشامل الذي أجراه مركز العدل للمساعدة القانونية دليلاً دامغاً على أن انخفاض احتمال أن تقوم المرأة في الأردن بإحالة أية قضية إلى المحكمة القانونية، وفي حال ذهابها إلى المحكمة، فهي معرّضة بألّا يكون لها من يمثلها هناك.
تواجه المرأة صعوبات خاصة بالوصول إلى العدالة عبر محاكم الشريعة الإسلامية، ففي حين أنه يُحال ما نسبته 55.6% من قضايا الشريعة إلى المحكمة، إلّا أن ما نسبته 64.4% من قضايا الشريعة تُحال بالفعل إلى المحكمة ولكن دون تمثيل قانونيّ في المقابل. فمن المرجّح أن يتم حل العديد من الحالات غير المبلّغ عنها باستخدام نظم تسوية المنازعات التقليدية، ولا يُعرف إلا القليل عن هذه الأنظمة وخصوصاً إنصاف المرأة في المفاوضات.
هناك حاجة لطرح العديد من الأسئلة حول السبب وراء شعور عدد كبير من النساء بأن النظام القضائي ليس الوسيلة الأكثر فعالية لتسوية النزاعات أو التمسك بحقوقهنّ.
تبرز في الأحوال العادية ثلاثة أسباب رئيسية تبرر ذلك: أوّلها انخفاض مستوى التثقيف القانوني لدى المرأة في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا.
وثانياً، حقيقة أن الوصول إلى المحاكم مُكلف وبأن التأخيرات متكرّرة، فضلاً عن انتشار واسع للفساد والمحسوبية والتمييز ضد المرأة وعدم وجود إطار قانوني يحمي المرأة.
وأخيراً، تُسهم الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في إقناع المرأة بالعدول عن التمسك بحقوقها، فعادةً ما تواجه المرأة التي تسعى لاتخاذ إجراءات قانونية في المحكمة وصمها بوصمة العار، وقد تتعرّض للنبذ من قبل أسرتها نتيجة لذلك. في الوقت نفسه، فإن فرص العمل المتوفرة للمرأة محدودة ولا تحظى المرأة بدعم اجتماعي واقتصادي شامل عبر برامج تُعنى بمثل هذا الدعم. وفي حال حُرمت المرأة من الدعم المادي من أسرتها، فما هو المستقبل الاقتصادي الذي ينتظرها؟
إن التغلب على هذه الحواجز أمرٌ لا بدّ منه في حال كنّا نريد البدء بتحويل مسار انتهاكات حقوق المرأة في هذه المنطقة. لذلك، فإننا بحاجة إلى خطة عمل تُرسي أساساً متيناً للتمكين القانوني للمرأة في بلدان منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا، وهو ما نحتاجه الآن وعلى الفور.
نحن بحاجة في البداية إلى أن نبحث بجدّ في سبب عدم انتشار التمكين القانوني للمرأة في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا كما انتشر في أجزاء أخرى كثيرة من العالم. ومن هنا، علينا أن نجد إجابة للسؤال المطروح: "لماذا نهتم؟".
أولاً، إننا بحاجة إلى تحفيز الوعي حول حقيقة أن المرأة هي التي عادة ما تدفع ثمن اختلال نظام المساءلة. فبسبب ضعفها، تكون الأكثر عرضةً لتصبح ضحية للسرقة أو الاستغلال الجنسي أو الاقتصادي أو العنف.
يتجلى هناك أدلّة دامغة وواضحة تدفعنا لنؤمن بهذه الحقيقة. فعلى سبيل المثال، نحن ندرك بأن النساء من ضحايا العنف الأُسريّ والتمييز هُنّ أكثر عرضة للحرمان من الدخل بسبب عدم قدرتهن على الذهاب إلى عملهن لعدة أيام نتيجة للإصابة أو بسبب منعهن من الوصول إلى مكان العمل من قبل المُعتدي. والأكثر من ذلك هو أن الجريمة ومخالفة القانون تؤثران بشكل أكبر على حياة المرأة التي يصعب عليها أن تتمتع بالإنصاف.
ونتيجة لذلك، تكون النساء عرضة للفقر، وهكذا تستمرّ الدورة التي تجعل المرأة ضحية للظلم.
ليس الواجب لإصلاح هذا الوضع هو واجب أخلاقي فحسب، بل هناك ضرورة إقتصادية لإصلاحه. إذ أن النساء المحاصرات داخل هذه الدائرة هُنّ أكثر عرضةً لترك تعليمهنّ قبل الأوان، وبالتالي يقلّ احتمال انضمامهنّ إلى القوى العاملة، ومن الأرجح أن يكون اعتمادهنّ بالكامل على نظم الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي للمرأة.
ثانياً، علينا أن نواجه حقيقة أن بعض الناس لن يستفيدوا من التمكين القانوني، فما هي الحوافز أو هياكل المسائلة التي يجب وضعها لتحويل المُخرّبين المحتملين إلى أبطال، أو على الأقل إلى شركاء حياديّين؟
ثالثاً، نحن بحاجة إلى استقطاع مساحة عمل أوسع وأكثر حريّة للمجتمع المدني. فغالباً ما تكون هذه المنظمات هي الداعم الرئيسي للمرأة التي تسعى لاسترداد حقوقها المنتهكة، إذ أنها تمتاز بأنها في متناول الجميع من الناحية الماديّة ويمكن الوصول إليها بسهولة وعادة ما تكون مقبولة ثقافياً.
بالإضافة إلى ما سبق، تمتاز أعمال هذه المنظمات بقدرتها الفعالة بشكل خاص على التأثير على الوضع، حيث من المرجّح أن يكون الإصلاح على مستوى الدولة بطيء ومُعقّد. كما نحتاج إلى هيئات مستقلة مثل أمين المظالم ومجالس المساعدات القانونية العامة لتعمل بمثابة حراس على استقلال المجتمع المدني.
رابعاً، نحن بحاجة إلى تطوير قاعدة معرفية إقليمية قادرة على دعم مستوى الابتكار اللازم لمواجهة هذه التحديات على رأس قائمة أولوياتنا. ويجب أن تكون هذه البحوث متعدّدة التخصصات لتعكس الطبيعة متعدّدة الأوجه التي تواجه تحدّي تمكين المرأة.
وأخيراً، نحن بحاجة إلى التفكير بجديّة في بناء ثقافة تدعم التمكين القانوني للمرأة. يبشر النقاش بقوّة المرأة في الدفاع عن حقوقها ومحاسبة المسؤولين. مع ذلك، فقد يكون هذا التوقع غير واقعي بالنسبة لمن تعرّض لعدم المساواة والفشل المؤسسي وانعدام الفرص.
إن تعزيز المعرفة بالقانون والأدوات القانونية وتشجيع الناس على الاستفادة منها بالفعل ليست إلا عمليات منفصلة وتتطلب دورات مختلفة للعمل. كما تعتبر منطقة تعزيز قيم تكافؤ الفرص وقواعد عدم التمييز بعيدة المنال وغالباً ما يتم تفاديها، وخاصة في هذه المنطقة من العالم. ساهم تنظيم المجتمع المدني وعصر النهضة العربية للديمقراطية والتنمية في تجريب مناهج رائدة في هذا الصدد من قبل دمج زيادة الوعي القانوني مع التقنيات النفسية والاجتماعية والعلاجات الإدراكية التي تهدف لمساعدة المرأة على ترجمة المعارف الجديدة إلى أفعال. فتظهر هناك نتيجةً لذلك حاجة ماسة لتوثيق نتائج هذه التجارب وتحليلها ومشاركتها لتعزيز قاعدة المعرفة في المنطقة.
في النهاية، لن يكون هناك تمكين قانوني ما لم يؤمن كلّ من الرجل والمرأة على حدّ سواء بأن القانون هو الحلّ، والذي من دونه لن يكون هناك فرصة لزيادة التقيف القانوني وتسهيل الوصول إلى المؤسسات التي تقدّم الدعم القانوني والمساعدة.
نحن بحاجة إلى التفكير ملياً في قدرتنا على بدء إعادة النظر بشكل أساسي بكيفية نظر شعوب منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا إلى القيمة التي سيضيفها نظام دولهم القانوني، وهو ما يشكل تحوّلاً جذرياً في الجيل الذي يضمّ الرجل والمرأة في نفس الوقت، ولابد لهذا التحوّل أن يبدأ الآن.