تواجه النساء في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا تحديات معقدة ومتعددة الأوجه في سعيهن لدعم حقوقهن وحماية أنفسهن من العنف. ذلك أن التشريعات في العديد من الولايات القضائية عاجزة عن منحهن الفرص المتساوية والحماية، بل تتصف بعض القوانين بالتمييز ضدهن، في حين أن قوانين أخرى، رغم عدم تطرقها الواضح للتمييز بين الجنسين، إلى أنها تترك تأثيرها غير المتوازن والسلبي على المرأة. وتكون المرأة هي الأكثر عرضةً للتأثر بانتهاك الحقوق والتمييز الاجتماعي واسع النطاق، فالمشكلة الرئيسية هي أن معظمهن يتواجدن خارج إطار حماية القانون، ويغيب عنهن الوعي بحقوقهن وكيفية حشد الجهود لدعمها، ويفتقرن للموارد التي تتيح لهن الوصول إلى المحاكم، بل إن الأعراف الثقافية تدفعهن إلى العدول عن إخراج مشاكلهن خارج نطاقها الخاص.
لقد جاهدت مؤسسات الخدمات القانونية وواضعي السياسة لعقود في سعيها لإيجاد وسائل فعّالة تعمل على دعم المساواة بين الجنسين وترمي إلى حماية المرأة. ذلك أن هناك اتفاق واسع بأن إطار العمل الفعّال للحماية القانونية متطلب لابد من إيجاده. وقد نجحت الأردن في هذا الخصوص بتحقيق تقدم واسع وفق ما أدرج في قانون الأحوال الشخصية لعام 2010 وتعديلاته.
بيدَ أن أوجه الاختلال لا تزال قائمة، بما فيها الأحكام التخفيفية والتبريئية في القانون الجزائي وضعف قوانين الحماية ضد العنف الأُسريّ. وفي حين أن مجموعات النساء قد دعت وبقوة إلى الإصلاح، إلا أن إغلاق تلك الفجوات لا يزال يمثل تحدياً مستمراً. وتكمن إحدى الإيضاحات في الاستراتيجية التي تبنتها. فقد ركز خطاب التأييد الذي سبق تعديلات عام 2010 على نطاق واسع على التزامات الأردن بموجب القانون الدولي وأهمية الظهور كدولة حديثة قائمة على قيم تتعلق بسيادة القانون والمساواة وحقوق الإنسان. إلا أن واقع الحال، على الرغم من السوء الذي قد يكون عليه، يُظهر لنا كيف أن مجموعةً كبيرةً من أصحاب المصالح الأكثر نفوذاً تنأى عن المشاركة في الفلسفة التي تؤيد هذه النقاشات. وكما في أنحاء واسعة في المنطقة، يظهر التمييز بين الجنسين والأعراف الثقافية التي تدعو للتبعية والنظام الذكوري والأهمية المرتبطة بشرف العائلة كأجزاء متأصلة في النسيج الاجتماعي. في حين ظل القانون هو المصدر الضعيف للحماية، وذلك ببساطة لانعدام الرغبة لدى أصحاب السلطة ذوي النفوذ في تعديل الوضع الراهن. الوضع الذي لا يرجح له أن يشهد أية تغييرات، ما لم يطرأ تعديل على هيكله التحفيزي.
إننا نحتاج إلى استراتيجية جديدة، تلك التي تحشد خلفها كل من الدعم السياسي ودعم المجتمع على نطاقه الأوسع. فلابد وأن نستقطب إلهامنا من بلدان تشاركنا ذات أطر العمل القانونية والاجتماعية الثقافية، تلك التي نجحت هي نفسها في قطع أشواط كبرى في توفير الحماية القانونية للمرأة. كما ينبغي علينا أيضاً أن نتمعن في وسائل تتيح لنا كيفية الانتفاع الأفضل من أصولنا، حيث يقترح البحث الماثل وجود فرصة استراتيجية للدعوة نحو الإصلاح على أساس أن القانون أو تنفيذه يتعارض على نحو مباشر مع المبادئ الإسلامية.
تنص الحجة الأولى على أن التغيرات في الظروف الاجتماعية والاقتصادية تعني أن نتيجة تطبيق بعض القوانين لا يتوافق مع الرسالة الصحيحة للإسلام؛ بمعنى آخر، يلزم إجراء إصلاح بحيث يتمكن تطبيق القانون من تحقيق غايته المرجوة في الإسلام. فعلى سبيل المثال، إن الهدف من منح الوصاية القانونية للأب وتكليف الأم بمسؤوليات الرعاية، كما حددها الفقه التقليدي، يرمي إلى حماية الأطفال والأمهات في بيئة لا تعمل فيها المرأة، ويصعب فيها ترك الأطفال وحدهم، وعدم مشاركتها في اتخاذ القرارات الزوجية. إن إطار العمل التاريخي الاجتماعي في يومنا هذا صعب جداً. فالحكومة والمجتمع المدني يدعمان الفقر، وتحتوي أماكن العمل على كل من النساء والرجال وتظهر فيه المرأة مستقلة من الناحية المادية إلى حد كبير. وعلى ضوء ذلك، تؤكد الحجة القانونية بأن إنفراد الرجل في الوصاية القانونية لم يعد ملائماً، بل ربما يلغي المبدأ الإسلامي القائل بالسعي نحو المصلحة الفضلى للطفل.
يتمحور الجانب الثاني المحتمل للإصلاح حول موضوع الإرث، حيث يتصدر موضوع المساواة في الإرث أجندة العديد من منظمات حقوق المرأة. فبالنسبة لأولئك الجادين هو تغير قريب الأجل وشامل، بينما لا أعتقد أنه غرض للدعم الأكثر استراتيجية. لقد بيّن الإسلام قسمة الإرث بشكل واضح، ولكن الحوار الخاص به معقد ومنقسم حول ما إن كانت الأحكام تمييزية أو لا. ينبغي بدلاً عن ذلك أن نركز على الحجة بأن الظروف الاقتصادية الاجتماعية الراهنة تعني عدم إعمال الغرض من قسمة الإرث في الإسلام في قانون الأحوال الشخصية. ارتكزت قسمة الإرث بشكل أساسي على افتراض أن مسؤولية نفقة المرأة تنصب على أقاربها من الذكور. بيد أن الرجل لم يعد هو المسؤول وحده عن النفقة في العائلات الأردنية في يومنا هذا. بل إن المعيار المتأصل في المجتمع أصبح أن المرأة العاملة المتزوجة تستخدم أجرها لتسديد نفقاتها الأسرية، في حين تساهم المرأة غير المتزوجة كذلك بأجرها في تأمين دخل الأسرة. كما أن نسب الطلاق المرتفعة في الأردن تشير إلى ارتفاع وازدياد عدد النساء اللواتي يتحملن وحدهن مسؤولية تربية الأطفال. وبهذا ابتعد مبدأ القسمة الشرعية عن الغرض المرجو منه في الإسلام، وهذا وضع لا يمكن تقويمه إلا من خلال إحداث تغييرات في القانون.
يرتكز الأساس الثالث للإصلاح بأن تطبيق بعض القواعد في الأردن في يومنا هذا من شأنه أن يلغي مبادئ إسلامية أخرى مساوية لتلك القوانين في نفاذها، والغايات الأوسع للشريعة أو المصلحة العامة (وفقاً لما تنص عليه مبادئ الشريعة، يجب على الحاكم أن يعمل لما فيه الخير للعامة، باتباع مبدأ المصالحة). إن إخفاق القانون في حماية المرأة من الاغتصاب الزوجي يضعف من الحماية التي ضمنها الإسلام للمجموعات الضعيفة، وتحريمه العام للعنف ودعوته إلى التعامل مع المرأة بكل كرامة واحترام. يمكن الدعوة إلى حجة مشابهة لدعم القوانين الخاصة بالعنف الأسري وإلغاء الأحكام التخفيفية والمُبرأة في قانون الجزاءات. ويمكن الجدل بشكل خاص على أن الزواج بين المُغتصبة والضحية (على النحو الذي أتاحته المادة 308 من قانون الجزاءات) يتناقض مع مبادئ الزواج في الإسلام، ولن تستفيد تلك المجموعات الضعيفة أو حتى المجتمع عموماً من مثل حالات الزواج تلك. كما يمكن الاعتراض على قانون الوصاية الأبوية استناداً إلى المبدأ الإسلامي الرامي إلى تحقيق المصلحة الفضلى للطفل وحماية المجموعات الضعيفة. فالأطفال المولودين خارج رباط الزوجية يتعرضون للتمييز، وهم الأكثر تعرضاً للفقر مع انخفاض إمكانية حصولهم على التعليم وفرص الحياة الكريمة. علاوةً على أن العقبات التي تُفرض على المرأة للتخلي عن طفلها المولود خارج رباط الزوجية أو ممن لا يُعرف نسبه الأبوي لا تحقق حتماً أية مصالح للأم أو الطفل أو حتى المجتمع على نطاقه الأوسع.
هناك سابقة قضائية لمثل هذا الإصلاح وهي ما تسمى "الاجتهاد". فالاجتهاد هو صياغة الرأي المستقل والمُطلّع في المسائل القانونية أو اللاهوتية. ويمكن وصفه، وفق مصطلحات لايمان، على أنه إصلاح قانوني من خلال التفسير القضائي. كما يمكن الاعتراف بأن الدراسات الحديثة تنقسم فيما إن كانت "بوابة الاجتهاد" قد أُغلقت في القرن العاشر بعد الميلاد، أو أنها لم تُغلق على الإطلاق. إن للاجتهاد سوابق قضائية قوية في المنطقة، وباعتماده، تمكنت المغرب من إجراء إصلاحات شاملة على القانون الأسريّ، المدونة عام 2004، بموجب السلطة الدينية للملك. تضمن القانون الجديد الابتعاد عن الفقه المالكي التقليدي الذي تضمن تساوي المسؤوليات بين النساء والرجال في الشؤون الأسرية، وإلغاء وصاية المرأة وحق المرأة في التقدم إلى المحكمة بطلب الطلاق، ومنح المرأة حقوقاً غير مشروطة فيما يتعلق بالنفقة والحضانة. لم تكن مهمة اتخاذ القرار في هذه المسألة بسيطاً. فقد ساهمت سلسلة معقدة من الشروط والفعاليات، بما فيه التطور المتواصل في نشاط المرأة، والهجمات الإرهابية في الدار البيضاء عام 2003 وصعود الملك محمد السّادس إلى العرش، في إيجاد البيئة التمكينية اللازمة. نتساءل هل من الممكن إيجاد عملية مشابهة من الاجتهاد في الأردن؟ تمتلك العائلة الهاشمية الملكية حتماً الصلاحية الدينية اللازمة لذلك، ولكن هل تتواجد الشروط السياسية والاجتماعية اللازمة لذلك؟ قد يرى البعض بأن التهديد الذي يفرضه التطرف الإسلامي يجعل من هذا التوقيت هو الأمثل لتوحيد الهوية الإسلامية في البلد اعتماداً على القيم الجوهرية للعدالة والحماية والاعتدال والوساطة (التسامح ونمط الحياة الحديث، بعيداً عن أي أوجه للتطرف). هناك الكثير من الأسئلة التي يمكن للقيادة الدينية والسياسية في البلد الإجابة عليها. ولكن إن كان الغرض من الاجتهاد هو السعي للوصول إلى تطبيق قانون الله في جميع الظروف التاريخية، فإن الشروط الاقتصادية والاجتماعية والعلمية سريعة التغير تُلزم الباحثين القانونيين بالمشاركة في اعتماد هذه الممارسة.