ناقشت مقالتي في الأسبوع الماضي التحديات التي تواجهها المرأة في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا أثناء سعيهن لنيل حقوقهن وحماية أنفسهن من العنف، وقد أوضحت في مقالتي أن نقاط الخلل التي تكمن في إطار العمل الخاص بالحماية القانونية وغياب المعرفة القانونية وضعف القدرة على الوصول إلى النظام القضائي يجعل المرأة ضعيفةً في مواجهتها لأنماط محددة من انتهاكات الحقوق ويسهم في تهميشها إجمالاً. كما أكدت الحاجة إلى وضع استراتيجيات جديدة ومبتكرة لإنهاء الأزمة الحالية للتمييز بين الجنسين وتعزيز سُبل الحماية التشريعية، في حين عرضت بأن هذه الاستراتيجية ربما في الواقع الفعلي متوافرة أمامنا، وتتمثل بالإسلام. تسهم العديد، إن لم نقل جميع، وإنما العديد من القوانين الرامية إلى تهميش المرأة بشكل مباشر إلى إلغاء المبادئ الأساسية للإسلام، بما في ذلك حماية الفئات الضعيفة وتحريم العنف والسعي لتحقيق المصلحة الفضلى للطفل.
يدرك ربما العديد من القرّاء المعنيين بالحماية الآن بأن الإصلاح القانوني من شأنه إحداث اختلاف بسيط في حياة المحرومين، ممن – ولمجموعة معقدة من الأسباب – هم عاجزين عن الوصول إلى نظام العدالة. لا حاجة للقلق! لم أُنهي جدالي بعد! فأنا مؤمن حقاً بوجود مساحة شاسعة تُمكننا من استخدام تفسيرات للإسلام مراعية للنوع الاجتماعي في تعزيز الإصلاح القانوني. ولكن عندما نتمعن في المشاكل الحقيقية التي تجعل المرأة ضعيفة أمام انتهاكات حقوقها، يتجلى بأن المشكلة الحقيقية ليست في القانون، ولا بالدين، وإنما هو العرف. تسهم عوامل من القانون والدين والثقافة أيضاً في إشعال هذه المشكلة بطرق معقدة وديناميكية، كما هو الحال عندما تظهر الأعراف التمييزية بأنها مُبررة أو مطلوبة بموجب الدين الإسلامي. ينتشر العنف الأسُريّ، على سبيل المثال، رغم معاقبة القانون عليه، وغالباً ما يعتبر مبرراً من منظور ديني. وبالمثل، على الرغم من الضوابط القانونية الصارمة على الزواج المُبكر، تبدو هذه الظاهرة مقبولة اجتماعياً وواسعة الانتشار. يرتبط ذلك على نحو لا يمكن الجدل فيه بفهم قضاة المحاكم الشرعية والأئمة وعلماء الدين بأن الزواج المبكر ممارسة يقبلها الإسلام. بيدَ أن الإسلام لا يمثل عاملاً مساهماً في مواقف أخرى، بل هو ترابط بين القانون والثقافة يتسبب بالمساومة في حقوق المرأة. تظهر الأحكام التخفيفية والمُبرئة في قانون العقوبات كأمثلة عن كيفية اندماج الأعراف الثقافية المتعلقة بالسلطة الأبوية، لاسيما القيمة الثقافية المرتبطة بعذرية الأنثى وشرف العائلة، ضمن صيغة القانون.
وفي هذا السياق، لا تعتبر أجندة الإصلاح التي تركز حصرياً على الإصلاح التشريعي هي الوسيلة الأكثر كفاءةً أو فعالية لحماية المرأة وتمكينها. بل يلزم دراسة طرائق جديدة ومنحها الأولوية ضمن عملية تتطرق لمعالجة الأعراف والتقاليد التمييزية. ومجدداً، ربما تكون الأداة الأكثر ارتباطاً بالموضوع هي تلك التي غالباً ما تُعرض على أنها جزءاً من المشكلة، وتتمثل بالإسلام. تظهر ثلاثة جوانب لنقاط إدخال ينبغي أن يتمعن بها صنّاع القرار والممارسون:
1. دور القضاة والأطراف الفاعلة الدينية:
لقد لعب الاجتهاد القضائي في العالم الإسلامي دوراً هاماً في صنع القرار من الناحية التقليدية، واستمر اعتماد هذه الممارسة حتى في الدول ذات القانون التشريعي، مثل الأردن. وحينها يكون لتأثير فهم القاضي للشريعة تضمينات كبرى لحماية حقوق المرأة. كيف إذاً نحفز القضاة على تكريس اجتهادهم للعب دور فعّال في حماية المرأة، مثلاً، من خلال عدم السماح بالزواج بين المغتصب وضحيته على أساس أن ذلك يتنافى والغرض من الزواج في الإسلام. كما يمارس المحامون دوراً جوهرياً في تشجيع القاضي على اعتماد تفسير محدد للفقه الإسلامي. إن الإسلام ثري بأحكام ترمي لحماية المرأة، ولابد على المحامين من شحذ أنفسهم بفهم شامل لتلك الرسائل الإسلامية والحديث والفقه والسنة وامتلاك المهارات اللازمة لتوظيفها استراتيجياً.
كما يمكن الاستفادة من دور الجهات الإسلامية الفاعلة الأخرى. ولا يوجد مثال أفضل من الفتوى الصادرة عن المفتي الأول في مصر، نصر فريد واصل عام 1999، حيث أكدت هذه الفتوى بطلان "الزواج الصُلحي" بين المغتصب وضحيته. بل وصفت هذه الفتوى الاغتصاب بأنه "جريمة نفسية تقترف ضد المرأة"، وبالتالي، اعتبرت أن إجبار الضحية على قبول ذلك الزواج يتنافى والمبادئ الأساسية للزواج وفق الشريعة الإسلامية؛ والمتمثلة بالمحبة والرحمة. لقد لعب هذا الإجراء والنقاش الذي تبعه دوراً محورياً في إلغاء القانون الذي سمح بزواج المغتصب من ضحيته (المكافئ القانوني للمادة 308 بموجب قانون العقوبات الأردني).
2. محو الأمية القانوني ودور المجتمع المدني
لا يمكن للقانون أن يشكل أداةً تمكينية، ما لم تدرك النساء حقوقهن وتمتلك الأدوات اللازمة لإعمال تلك الحقوق. تركز برامج محو الأمية القانونية عموماً على حقوق المرأة وفقاً لتعليمات تحددها الجهات المانحة وتنشرها على نطاق واسع وبما يتلاءم والأنظمة الأساسية والقانون الدولي. بيدَ أن العجز الأكبر الذي يواجه تلك البرامج تجاه الأغلبية الساحقة للنساء هو أن القانون والمعاهدات الدولية هي أدوات خارج نطاق وصولهن الاجتماعي-الاقتصادي والتعليمي والمواقفي. تتعزز أهمية تلك الحملات عند تبنيها لنهج ثنائي المسار والذي تُصان به حقوق المرأة بموجب القانون والإسلام معاً، والدور المحوري للأعراف وكم عدد الممارسات المسيئة للمرأة دون أي مبرر قانوني أو ديني. كما يتجلى مثال عن نقطة إدخال واضحة وخاصة بحقوق المرأة وهو الإرث؛ فالقرآن والحديث يؤكدان بصورة جلية على تلك الحقوق ويشددان على أنها إلزامية. نستخلص بأن المبادئ الأساسية للعدالة والمساواة في الإسلام تدل على أن هذه القواعد قد كُشفت بغية ضمان المعاملة العادلة للمرأة، وكذلك حمايتهن من الانتهاك والإساءة. تركز الرسالة الأساسية على أن إجبار المرأة أو إكراهها على التنازل عن تلك الحقوق هو انتهاك مباشر لتعاليم الإسلام.
3. النهج القانونية الإضافية
لن يتحقق التمكين القانوني للمرأة دون القضاء على الأسباب الاجتماعية-الثقافية للعنف ضد المرأة وتهميشهن. ويتعزز الخلل في إطار العمل الخاص بالحماية القانونية في الأردن بالمواقف التقليدية المتعلقة بدور ومسؤولية المرأة والرجل في المجتمع. في حين ينظر المجتمع على نطاقه الواسع إلى حالات العنف ضد المرأة بأنها مسألة ينبغي إبقاءها ضمن الحدود الخاصة لارتباطها المباشر بالمرأة وسمعة عائلتها. علاوةً على ذلك، تتسبب الأعراف الثقافية التي تدعم التبعية والسلطة الأبوية في تحويل الانتهاكات التي تقترف ضد حقوق المرأة إلى أمر عادي، بل تفرض عواقب ثقافية شديدة على المرأة عند رغبتها بإحالة مشكلة حل النزاعات خارج نطاق عائلتها القريبة. فإن أحالت المرأة قضيتها إلى المحكمة، سوف تصبح عرضةً إلى المضايقة أو التمييز أو الترويع أو يتوقف أيضاً حصولها على أية مساعدة من المسؤولين عن حمايتها. هنا تظهر الحاجة إلى تطبيق برامج تهدف إلى تغيير القوالب النمطية القائمة على النوع الاجتماعي، بما في ذلك إصلاح المنهاج الدراسي التعليمي ورسائل المجتمع الواسع وتعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة. وفي الآونة ذاتها، ينبغي بذل الجهود لإلغاء ذلك التمييز المحدد والممارسات الثقافية العنيفة. بيدَ أنه لا يمكن إنهاء أية مشاكل تتعلق بالزواج المبكر والزواج بين المغتصب والضحية وحرمان المرأة من حقها في الإرث من خلال زيادة الوعي أو الإصلاح القانوني وحده؛ بل ينبغي العمل على تقليص الضغوط الاجتماعية والأسرية للمشاركة في مثل هذا الزواج والأعراف الاجتماعية التي تتطلب من المرأة التنازل عن راتبها وحقوقها الإرثية. يمكن للإسلام أن يشكل مصدراً للحماية في هذا الشأن مع ضرورة تشجيع كل من القضاة والعلماء والمجتمع المدني على تولي دور أكثر فاعلية في الإبلاغ عن أهمية احترام تلك المبادئ.
وفي حين أن الإصلاح القانوني قد يشكل الأساس المتين والقابل للتطبيق من أجل تحقيق الإصلاح القانوني في الأردن، لن يكون الدواء لكل الأوجاع. لابد وأن نبحث عن حلول تتيح للمرأة الحصول على المساعدة المباشرة والعملية وذات المعنى. كما ينبغي على الجهات المانحة أن تأخذ باعتبارها تطبيق برامج تقضي على أوجه التطرف، رغم عدم قدرتها على حل المشكلة بالكامل من وجهة نظر صارمة للحقوق القائمة على النوع الاجتماعي، وتسهم في الحدّ من ضعف العدد الأكبر. وبهذا، يرجح أن يكون النهج متعدد القطاعات ومتعدد التخصصات أكثر نجاحاً بكثير عما يمكن للإصلاح القانوني أن يحقق وحده.