تتراوح أعمار خُمس سكان الأردن بين 15 و24 سنة وفقا لإدارة الإحصاءات العامة. والذين يُشكلون الجيل القادم من القادة، ورجال الأعمال، وأصحاب النفوذ، مما يجعل مشاركتهم السياسية مُهمّة بشكل متزايد. ومع ذلك هل الشباب الأردني منخرط بشكل كافٍ؟ وهل نشهد حراكاً بعيداً عن الأحزاب السياسية التقليدية؟
كان دعم مشاركة الشباب في الأردن من أولويات العديد من الحكومات. على سبيل المثال يفتح قانون اللامركزية الحديث آفاقاً جديدة لتمثيل الشباب في الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والسياسية. وقد كان الأردن أيضاً أول بلد عربي يضع استراتيجية وطنية للشباب (2005- 2009).
بالإضافة إلى ذلك يمكن للشباب في الأردن الاستفادة من العديد من برامج بناء القدرات المحلية والدولية التي تهدف إلى زيادة مشاركتهم في الحياة الاجتماعية والسياسية، وبناء مهاراتهم ليصبحوا قادة مجتمعيين. وعلى الرغم من المبادرات العديدة إلا أن المشاركة الاجتماعية والسياسية للشباب العامة تبقى محدودة.
قد يكمن أحد التفسيرات لهذه الظاهرة كنتيجة لحظر الأحزاب السياسية في الأردن من عام 1952 حتى عام 1989، عندما قامت الحكومة الأردنية بمقاضاة شخصيات حزبية بارزة. وخلال هذه الفترة انخفض الوعي السياسي بين الشباب الأردني وتراجعت المشاركة العامة. علاوة على ذلك فإن ذكرى مقاضاة الأفراد النشطين سياسياً قد دفع العديد من العائلات الأردنية إلى نصح أبنائها بعدم الانخراط في أي حركة سياسية معارضة للحكومة.
ما زال الأردنيون يُعانون من نقص الوعي السياسي والتعليم حتى اليوم، على الرغم من وجود 49 حزباً سياسياً نشطاً في الأردن. وقد أظهرت دراسة أجراها مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني عام 2012 أن أكثر من 75٪ من الأردنيين غير مهتمين بالأحزاب السياسية الأردنية، وأكثر من 14٪ منهم لا يثقون في هذه الأحزاب. ويبدو أن انعدام الثقة يأتي نتيجةً لصراعات سابقة بين الأطراف التي أساءت استخدام الاحتجاجات للترويج لأنفسهم.
أشارت الاحتجاجات في عام 2018 في جميع محافظات المملكة إلى حدوث نقطة تحول. حيث لعبت الحركات التي يقودها الشباب دوراً أساسياً في بدء الاحتجاجات في عمان قرب الدوار الرابع. وكانوا أيضا عنصراً رئيسيّاً في الإضراب الوطني الذي يقوده اتحاد النقابات المهنية ضد قانون الضرائب المقترح وزيادة الأسعار. وفي هذه المناسبات عبّر الشباب عن وُجهات نظرهم بطرقٍ سلميّةٍ عبر الشعارات، والعلامات، ومراكز التواصل الاجتماعي.
لقد وحّدت الاحتجاجات الأخيرة طيفاً واسعاً من الأردنيين من الطبقة المتوسطة -في الغالب- حول قضية مشتركة دون تدخل كبير من الأحزاب السياسية. كما كانت مشاركة الشباب من غير المنتسبين إلى أي حزب سياسي فاعلة بشكل كبير ضمن مشهد مختلف وجديد على الساحة الأردنية.
ومن الأمثلة الأُخرى التي تُشير إلى أن المشاركة السياسية للشباب قد تبتعد عن نظام الأحزاب التقليدي هي الانتخابات الأخيرة في اتحاد الجمعيات المهنية. حيث أنهت هذه الانتخابات 25 سنة من سيطرة الإخوان المسلمين على الاتحاد، وساعدت في خلق الحيز للحركات التي يقودها الشباب لممارسة المزيد من النفوذ مقارنةً بالأحزاب التقليدية.
لفتت الاحتجاجات الأخيرة الانتباه إلى الوعي السياسي الجديد للشباب الأردني وقدرتهم على الاحتجاج السلمي والمطالبة بالإصلاح الحقيقي. وقد أثمرت جهودهم بقرار من جلالة الملك عبد الله الثاني لإقالة الحكومة.
ويُلزمنا هذا الإنجاز بإعادة تقييم قدرة الشباب على إحداث التغيير في مجتمعاتهم. فلقد حان الوقت لأن ننظر إلى الشباب في الأردن كفرصة بدلاً من التحدي، خاصة بعد أن نجحوا في كسر حاجز الخوف من المشاركة السياسية والتعبير عن الرأي. الأمر متروك الآن للحكومة الجديدة لوضع القوانين التي تزيد من مشاركة الشباب في صنع القرار.