خلال أزمةٍ لم تكن في الحسبان وضمن ظروفٍ غير متوقعة ظهر كوفيد-١٩، ليفرض على العالم أجمع تحولات وتغيُّرات في الأولويات لتصب جميعها في توحد العالم وتضامنه نحو السعي المتواصل والعمل الدؤوب على كافة المستويات الصحية؛ لإنقاذ الأرواح والحفاظ على الحياة.
وعلى اعتبارها جائحةً تجاوزت الأزمة بمفهومها وامتداد تأثيرها على جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كشفت ما يشوب هذه النظم من مواطن ضعف وهشاشة، لتزيد بدورها من آثار الجائحة. في جميع المجالات، من الصحة إلى الاقتصاد، ومن الأمن إلى الحماية الاجتماعية تتفاقم آثار جائحة كوفيد-١٩ على النساء والفتيات؛ لعدة اعتبارات منها: أن النساء والفتيات يعانين بوجه خاص من آثار سلبية مضاعفة على الصعيد الاقتصادي، فدخلهنّ أقل بصفة عامة، وادّخارهن أقل، ولأنهن يشغلنّ وظائف غير آمنة أو يعشن في مستويات قريبة من مستوى الفقر.
تعيش النساء تحديات جمّة، فهذا أقرب ما يصف واقعهن الطبيعي المُعتاد، فكيف يصبح الواقع إذاً مع جائحةٍ خيمت في شباكها على النساء؛ ضمن أطر من الحماية والرعاية الاقتصادية والاجتماعية المتهالكة؟
عند الحديث عن واقع النساء الأردنيات خلال جائحة كوفيد-١٩ لا يمكننا فصله عن واقعهنّ قبل الجائحة، بالرغم من الإنجازات القيمّة العديدة التي تضاف لواقعهنّ إلّا أنه في الأصل مليء بالتحديات والصعوبات؛ لضعف ادماجهن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي والصحي والنفسي، لتصبح مشاكلهنّ مركبة وليدفعنّ الضريبة العليا خلال الجائحة. بشكلٍ عام، أظهرت الجائحة هشاشة الموارد الاقتصادية للنساء، وضعف حمايتهن الاجتماعية، وقصور السياسات الاقتصادية والصحية المقدمة للنساء، ولا يزال الأردن يقبع في ذيل قائمة التقرير العالمي لمؤشر الفجوة بين الجنسين من حيث المشاركة الاقتصادية والتمكين السياسي والتعليم والصحة.
الواقع الاقتصادي للنساء الأردنيات جائحة كوفيد-١٩
أوامر الدفاع الصادرة من الحكومة الأردنية ضمن نهج احترازي ووقائي في غاية الأهمية لمواجهة الجائحة، ولكن حملت في طياتها الكثير من الآثار على النساء بشكلٍ خاص لتعمق جراحهنّ على الصعيد الاقتصادي، فالحد من مشاركة النساء الاقتصادية بما يكفل بقائهن ضمن أطر العيش الكريم، هذا ما أوجدته الجائحة على أمنهنّ الاقتصادي.
أظهرت المؤشرات الكلية للاقتصاد الأردني وبسبب الجائحة إلى انكماش الاقتصاد بنسبة (-٢.٢)٪ خلال الربع الثالث من عام ٢٠٢٠ ليعتبر أسوأ انكماش اقتصادي شهده الأردن منذ عام ١٩٩٣. فليس من المستغرب إذاً انعكاس تراجع الأوضاع الاقتصادية وانكماش الاقتصاد الأردني على ارتفاع نسب البطالة بينهن، فبحسب دائرة الإحصاءات العامّة بلغت نسبة البطالة بين الإناث خلال الربع الثالث من عام ٢٠٢٠ (٣٣.٦)٪ بزيادة تقدر(٦.١) نقطة مؤية ، وأن يكون لها النصيب الأكبر في التسريح من العمل وتخفيض الرواتب والأجور واضطرار العديد منهنّ إلى الاستقالة من وظائفهنّ بسبب إغلاق المدارس والحاضنات ورياض الأطفال ؛ لرعاية أطفالهنّ في ظروف انعدمت فيها المساندة والدعم الاجتماعي.
أكدت المحامية إنعام العشا المستشارة القانونية في معهد تضامن أن الاعتداءات الاقتصادية للنساء العاملات خلال الجائحة هي أكثر ظهوراً مقارنة بالرجال، وأنهنّ تعرضن لما يسمى ب "الفصل التطفيشي". والذي دفع النساء على ترك أعمالهن والتنازل عن مستحقاتهنّ وحقوقهنّ بتقديم استقالات أُجبرن عليها. وأضافت رانيا حيّوك المديرة التنفيذية لمؤسسة نافي لتمكين النساء والشباب إلى ارتفاع حالات العنف الاقتصادي في قضية حرمانها من الميراث؛ واتخاذ إغلاق المحاكم كحجة في الحصول على حقها من الميراث وحرمانها منه، كما وتعد قضية العنف الاقتصادي وضعف الأمن الاقتصادي للنساء قضية قديمة، والجائحة كشفت عمق القضية بشكل أكبر، لتأكد ضَعف مشاركتها الاقتصادية وحيازتها للأموال والممتلكات .
ومع البدء بالفتح التدريجي لبعض القطاعات، لا تزال الآثار السلبية مستمرة على النساء العاملات، وتحديداً في قطاع العمل غير المنظم والذي أساسه قائم على التفاعلات والشبكات الاجتماعية، والذي يتصف بمحدودية الحماية الاجتماعية كأسلوب عمل أجبرن على الانخراط فيه لكسب عيشهنّ ضمن تدني مشاركتهنّ في النشاط الاقتصادي الرسمي . فأشارت جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن"، أنه وخلال الجائحة فقدت العديد من النساء خاصة اللاتي يرأسنّ أسرهنّ مصادر دخلهن الناتجة عن أعمالهنّ غير المنظمة، نتيجة الاجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة الأردنية للحد من انتشار الفيروس؛ مما ضاعف من معاناة العاملات في الأعمال غير المنظمة.
الواقع الاجتماعي للنساء الأردنيات خلال جائحة كوفيد-١٩
سلطت جائحة كوفيد -١٩الضوء على أهمية مراجعة حساباتنا نحو علاقاتنا الاجتماعية وتعزيز أطر التعاون والتكافل الاجتماعي، وأهمية محور الحماية ومحور مناهضة العنف ضد المرأة. فالأزمات تظهر السلوكيات السلبية بشكلً أكبر، فتزايد الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية ضمن تداعيات الإجراءات الاحترازية في أوامر الدفاع وبالتحديد أمر الدفاع رقم٢ وأمر الدفاع رقم٣ ، كان لهم آثار خفية غير مباشرة حين أجبرت النساء المعنفات في البقاء مع من يضهدونهن. وبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية بعنوان: "كوفيد-١٩ والعنف ضد المرأة في إقليم شرق المتوسط"، أن العنف غالباً يرتفع ضد النساء في حالات الطوارئ بما فيها الأوبئة، ويتفاقم خطر تعرض النساء للعنف بسبب الضغط النفسي وتفكك الشبكات الاجتماعية والشبكات الحماية وانخفاض إمكانية الحصول على الخدمات، ويحتل الشرق الأوسط المرتبة الثانية على مستوى العالم من حيث انتشار العنف ضد النساء وبنسبة ٣٧٪ .
ما أشارت إليه التقارير حول العنف ضد النساء خلال الجائحة تضعنا أمام نتائج مخيفة جداً في وقت ضعفت فيه خدمات الحماية المقدمة لهن. فالإغلاقات لمعظم القطاعات اغلق أيضا خدمات الإيواء للنساء المعنَّفات وتوفير الحماية الضرورية لهنّ من قبل مراكز الحماية، لينتهي بهنّ المطاف في بقائهنَّ ضمن ظروف صعبة وتمادي ممارسات العنف ضدهنّ وبأشكالٍ جديدة، مثل: التنمر، الطرد من المنزل، حرمانها من الطعام، حرمانها من رؤية أطفالها. وذلك ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة إلى ضرورة اتخاذ الحكومات تدابير لمنع العنف ضد النساء.
أظهرت أرقام وزارة التنمية الاجتماعية، عن تعامل مكاتب الخدمة الاجتماعية في إدارة حماية الأسرة مع نحو (١٠٧٥٠) حالة عنف أسري خلال عام ٢٠٢٠، أمّا عدد الحالات خلال الحظر بشكلٍ خاص بلغت (١٧٨٥) حالة، منها (٤٣) حالة قُدمت لها خدمات الإيواء في دور الحماية.
وفي نفس السياق أضافت نهى محريز مستشارة شبكة المرأة لدعم المرأة أن حالات العنف ارتفعت ضد النساء بنسبة (٣٣)٪ خلال الجائحة كنسبة لا تحمل بين طياتها النساء المعنّفات ذوات الأفواه الصامتة، وخلال الجائحة ظهر تشتيت واضح لعملية الاستجابة نحو قضايا العنف، فتفاوتت مؤسسات الإيواء في جودة تقديم الحماية بسبب إجراءات الحظر وإغلاق عدد منها، بالإضافة إلى الإجراءات المطلوبة للإيواء متمثلةً بضرورة التحويل من قبل الحاكم الإداري؛ ليشكل عائقاً أمام طلبهنّ للخدمة.
الواقع الصحي للنساء الأردنيات خلال جائحة كوفيد-١٩
ولم يكن الصعيد الصحي بمنأى عن هذه الآثار، فكان تلقي النساء للخدمات والرعاية الصحية بما يتناسب مع وضعهنّ غير كافي. بيولوجياً النساء لديهنّ احتياجات صحية خاصة، مثل: الصحة الإنجابية ورعاية الأمومة ووسائل تنظيم الأسرة، فحصولهنّ على هذه الخدمات هو حق من حقوقهنّ الأساسية والذي حرمن منه مع إجراءات حظر التجول.
وأضافت د. خلود المومني رئيسة النقابة المستقلة للعاملين في القطاع الصحي أن نسبة إصابة النساء العاملات في القطاع الصحي بالفيروس بلغت (٨٠) ٪ - (٨٥) ٪. فتواجدهن في القطاع الصحي ووجودهنّ في صميم العمل لتقديم الرعاية الصحية، والمشاركة في رعاية المرضى والمصابين بالفيروس واعتبارهن مخالطات مباشرات بالإضافة لوجودهنّ ضمن فرق التقصي الوبائي أدى الى حالة من الخوف والقلق من اصابتهنّ أو نقل العدوى لعائلاتهنّ.
كما أثّرت إجراءات الحظر ومنع التجول على الخدمات الصحية الإنجابية المُقدمة للنساء بالرغم من جميع التوصيات المُقدمة من منظمة الصحة العالمية من ضرورة تقديم الخدمات الصحية الرعائية اللازمة للنساء وبالأخص الحوامل والأمهات وإجراء الفحوصات للتأكد من سلامتهنّ وسلامة الأجنة. كما ارتفعت نسبة "مواليد كوفيد" ؛ كنتيجة لصعوبة الحصول على وسائل تنظيم الأسرة .
تجاوزات لم تكن بالحسبان
تسببت الجائحة في حدوث أكبر انقطاع للتعليم في التاريخ الحديث، حيث كان لها ولغاية الآن تأثير فعلي شبه شامل على طالبي العلم والمعلمين حول العالم، من مرحلة ما قبل التعليم الابتدائي إلى المدارس الثانوية، ومؤسسات التعليم والتدريب بشقيه التقني والمهني والجامعات، ومنشآت تنمية المهارات .
أظهر هذا الانقطاع وبشكلٍ صارخ اختلالات التوازن بين الجنسين في الأدوار المنزلية والرعائية غير مدفوعة الأجر، لترسخ وبشكلٍ مباشر أوجه عدم المساواة القائمة في توزيع العمل بين الجنسين ويصبح العبء مضاعفاً. فالنساء قبل الجائحة يقمن بثلاث أضعاف العمل المنزلي مقارنة بالرجل، لينتهي المطاف بأن تدور عجلة القوة والسلطة ضمن الصورة النمطية الثقافية المرسومة إزائهنّ بشكلٍ سلطوي تهميشي مضاعف. لتحذر نائبة الأمين العام للأمم المتحدة من مخاوف حول ازدياد فجوة اللامساواة الجندرية القائمة في الدول العربية، قائلةً: يمكن أن تؤدي الجائحة إلى انتكاسة في حقوق المرأة تستمر لعقود" .
تعمل النساء ساعات طويلة في القطاع الصحي كطبيبات وممرضات لمواجهة الجائحة، وفي القطاع التعليمي كمعلمات أو مديرات، بالإضافة إلى أنهنّ يشكلنّ معظم موظفي الخدمة في المرافق الخدماتية، مثل: أعمال النظافة وإعداد الطعام، ليضاف إلى ذلك كله مسؤولية متابعة وتدريس الأبناء خلال التعلم عن بعد. وهكذا ِيُلقى على النساء أعباء ومسؤوليات أثقلت كاهلهنّ، وتشتد حدةً عندما تكون هي المعيل الأساسي لأسرهنّ في حالة الطلاق أو وفاة الزوج وفي حالة رعاية كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة. فتعيش النساء خلال الجائحة بحالةٍ من الضغط النفسي وانتكاس صحيّ والشعور بالقلق والتوتر والاكتئاب والنظرة التشاؤمية اتجاه المستقبل . ومن الصعب تقديم ما يصفهنّ في حال اصاباتهنّ بالفيروس أو إصابة أفراد أسرهن، لِتصبح في مثل هذه الأوضاع الصعبة هي المرشدة والطبيبة والصديقة والمربية والمعلمة في آنٍ واحد.
التوصيات
في ضوء هذه الحالة الطارئة، تتجلى أهمية وضرورة المضي قُدُماً نحو العدالة الاجتماعية وتفعيل برامج الحماية الاجتماعية اتجاه النساء وتعميمها، وتدابير تطال إلى الجوانب الاقتصادية والسياسية والصحية. فلا بد من وضع سياسات اقتصادية مراعية للنوع الاجتماعي من خلال وضع النساء في حجر الزاوية لخطط الانتعاش الاقتصادي والتنموي، وضرورة تقديم الدعم المالي للقطاع غير الرسمي والمشاريع الريادية التي تديرها النساء. من الضروري تعزيز برامج الحماية الاجتماعية للنساء من خلال تفعيل شبكات الأمان، وتوفير خط ساخن وطني لهنّ، وتوفير إجراءات الحماية الاجتماعية للنساء العاملات في قطاع العمل غير المنظم وتوفير تراخيص عمل لأعمالهنّ الخاصة. ولابد من متابعة تقديم الرعاية الصحية للنساء بما يضمن استمرار تلقي خدمات رعاية الأمومة والطفولة وتنظيم الأسرة، بالإضافة إلى خدمات الدعم النفسي.